-
حينَ تَشتدُّ جَولةُ الصِّراعِ بينَ الحقِّ والباطلِ، يُرسِلُ اللهُ تعالى جُندِيَّيْنِ خَفِيَّيْنِ لا يُرى لَهُما مَوكِبٌ ولا يُسمَعُ لَهُما خَطْوٌ:

السَّكِينَةُ تَنْسَابُ إلى قُلُوبِ المُؤمنِينَ، فَتُثَبِّتُ الخُطى، وتُطفئُ جَمْرَ القَلَقِ، وتَجعلُ المُواجَهةَ كأنَّها نَسيمُ فَجْرٍ في سُكونِهِ،
والرُّعْبُ يَسْرِي في أوصَالِ أعداءِ الله، فيُربِكُ الحِساباتِ، ويُقوِّضُ ثِقتَهم، ويَجعلُ الوُجُوهَ تَشْحَب، والأيدي تَضطرب، والخُطى تَتراجعُ إلى الهَزيمَة.

السَّكِينَةُ ليستْ مُجرَّدَ طُمَأنِينَةٍ، إنَّها نَفَسٌ إلهِيٌّ يَغْمُرُ القَلْبَ، فَيُخرِجُهُ من ضَوْضَاءِ الحَرْبِ إلى سُكونِ التَّوَكُّل،
وقد وردَ ذِكرُها في القُرآنِ سِتَّ مرّاتٍ، ثَلاثٌ منها نَسَبَها اللهُ لِنَفْسِهِ: ﴿فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ﴾، وكُلُّها في مَواطِنِ الكَرِّ والفِرار، والنِّزالِ والانقِسام.

وذاكَ هوَ سِرُّ الثَّباتِ في أشَدِّ اللَّحظاتِ؛ لا هوَ عَتادٌ، ولا كَثرةٌ، ولا مُؤَنٌ، وإنَّما قُلوبٌ وُهبتْ للهِ، فأسكنَها، ورعاهَا، وسارَ بها نَحْوَ النَّصرِ بوَعْدِه.

فَلْيَتَعَجَّبِ العَدوُّ ما شاء، فَما خَفِيَ أعظم.

-
‏إنّا لريب الدهر لا نتضعضعُ
نحن الجبال الشم لا نتقهقرُ
فلندفعنّ عن المآثر والحمى
لن ننثني لن ننحني وسنظفرُ
والقتل فينا ديدنٌ وعلامةٌ
عن صدقنا إنّ الجبان معمّرُ
ما مات منا سيّدٌ بفراشه
أو كان في سوح الوغى يتأخرُ
وإذا تجندل قائدٌ منا علا
في إثرهِ شهمٌ جوادٌ قسورُ

-
هي أنشودة الدم الزكي، وصرخة المجد في زمن الركوع،
ينشدها أسدٌ من أسود القسام، لا يعرف الانحناء ولا المساومة، بل يوقّع على العهد بالدم والنار:

"لسنا من يبيعون الرايات عند أوّل العاصفة،
نحن من إذا سقط القائد، تقدّم السيف من خلفه... لا يبرح ولا يجبن."

إنها كلمات من سُجّل اسمه في دفاتر الفداء، لا يُرهبُه الموت، بل يصعد إليه بخطى الواثق، ليكتب سطرًا جديدًا في ملحمة لا تنتهي.

فمن مات منا، عاش فينا، ومن تقدّم، فتح لنا الطريق بالنار والعزم.

-
اللهم ثبّت أقدام المجاهدين، وسدّد رميهم، واحفظهم بحفظك الذي لا يُرام،
اللهم كن لهم وليًّا ونصيرًا، وكن معهم في خنادقهم، وخلف متاريسهم،
اللهم اربط على قلوبهم، وأنزل عليهم سكينتك،
اللهم أعمِ أعين عدوّهم عنهم، واجعل كيد الصهاينة في نحورهم،
وانصرهم نصرًا عزيزًا مؤزّرًا، عاجلًا غير آجل،
اللهم اجعل خانيونس مقبرة للغزاة، وسِترًا لأبطالها.

-
كتائب القسّام – روحُ الثباتِ وجذوةُ العزّةِ

هم أهلُ العزِّ الذين شُدَّت أزرُهم على صرحِ الصبرِ، وجُلت قلوبُهم من عطرِ الإيمانِ، فهم السدُّ المنيعُ والدرعُ الصلبُ، الذين لا تعرفُ لخطواتِهم التراجعَ، ولا تلينُ لهم عِزيمةٌ أمامَ رياحِ الاستكبارِ.

في وجدانهم راسخٌ عهدُ الشهادةِ، وعلى جبينهم ترفرفُ رايةُ الحقِّ، يحرسون الأرضَ بنفوسٍ ملتهبةٍ، لا تُخمدها لهيبُ الظلمِ ولا تُثنيها رياحُ الغدرِ.

هُمُّ الكرامةُ في ثوبِ الرجالِ، والنورُ الذي يُضيءُ دروبَ الأمةِ وسطَ الظلماتِ، وسيفُ العزّةِ المصلتُ حينما تُطالِعُ أيدي الطغاةِ الحُقُودَ، يُعلّموننا أن الصبرَ ليس إلا وقودًا لصُنّاعِ الانتصارِ، وأن الإصرارَ رسالةٌ تُرسلُها الأيادي المرفوعةُ نحوَ السماءِ، حيثُ تُكتبُ أسماؤهم بأحرفِ نورٍ على صفحاتِ التاريخِ.

-
من رفحَ حتّى بيتِ حانون...

في سكينةِ الواثقين، وهدوءِ الموقنين، وبروحٍ تعانقُ السماءَ عزيمةً وثباتًا، يسيرُ أولياءُ الله على الأرضِ الطاهرة، لا يبدّدون رصاصَهم هدرًا، ولا يتركون لهدفٍ سبيلًا إلا وقد أُتبع بالبأس المُركز، والضربِ المحكم، والاختيارِ المُبهر في مواضع العدوّ التي توهّم أنها الحصنُ الحصين!
من ساحات النار، وميادين البلاء، خرجت رسالتهم، ممهورةً بدماء العهدِ والبيعةِ:
نحن من يُحدّد الميدان، ونرسمُ اللحظة، ونختارُ الطريقة... لنقصف رؤوس الغزاة، ونقتلعَ أرواح الطغاة!

لا يُنكر فضلَ الله على هذه الثلةِ إلا مَن طُمِست بصيرته، وسُلِبت منه معاني الهُدى والإنصاف؛ أما من ألقى السمع وهو شهيد، فإنه يرى فيهم ملامحَ الإمدادِ الربانيّ، ونفحاتِ الملائكةِ المردفين، وإلا فبمقاييس الأرض:
من يُطيق الثباتَ أمام هذه النيران؟ من يملك الجسارةَ تحت طغيان الحديد والنار؟

لقد جاوزوا الإعجازَ في الفعل، وارتقوا فوق قوانين المادة، وأثبتوا أنّ الإيمان إذا خالط اللحمَ والدم، فإنه ينسجُ من الأفرادِ أُمّةً، ومن البنادقِ وعدًا لا يُخلف.

-
من غابت عنه جولاتُ خالدٍ والقعقاع، وأفلتت منه أيامُ أبي عبيدةَ والزبير، فقد أكرمه الله بأن أبصر صولاتِ كتائب القسام وإخوانهم المجاهدين، حيث تتكلّم البنادق، ويُستأنف التاريخ من رماد المعارك، وتُولد البطولات من دم السيوف ونار الثبات.