group-telegram.com/fawa2id_hadith/318
Last Update:
فصل في زيادة الثقة
اعلم - وفقك الله - أن زيادة الثقة في اصطلاح أئمة هذا الشأن هي: ما يتفرّد به الراوي المُوثَّق من لفظة أو معنى أو حُكم، في المتن أو الإسناد، مما لم يذكره سائر من شاركه في رواية ذلك الخبر من الثقات. وقد تكون هذه الزيادة موافقة لما رواه الجماعة غير مُنافية له، وقد تأتي بمعنى زائد أو مُغاير، بل ربما جاءت بنقيض ما عليه رواية الكافة.
ولم يكن دأب أئمتنا - رحمهم الله - أن يُسلّموا لكل ثقة بما تفرّد به تسليمًا أعمى، بل كان لهم في ذلك نظرٌ دقيق، مبني على دعائم:
* الدعامة الأولى: استقصاء الطرق واستيعاب المرويات
فأول ما يصنعه الناقد البصير: جمع طرق الحديث من كل وجه، واستيعاب رواياته على اختلافها. وقد أبان عن هذا المسلك الإمام علي بن المديني - رضي الله عنه - بقوله: "الباب إذا لم تُجمع طرقه لم يتبيّن خطؤه". فلا يكفي النظر في إسناد واحد وإن استقام ظاهره، حتى يُعرض على سائر الأسانيد ويُقابل بجميع الروايات، فعند ذلك ينكشف الصواب من الوهم، والمحفوظ من الشاذ.
الدعامة الثانية: اعتبار منزلة الراوي ومرتبته في الحفظ والإتقان
فإن الثقات ليسوا على درجة واحدة، بل هم طبقات ومراتب. فمنهم الجبل الراسخ في الحفظ والضبط، كمالك والثوري وشعبة، ومنهم دون ذلك. فإذا تفرّد من هو في الطبقة الدنيا بما خالف فيه أئمة الحفظ، لم تُقبل زيادته.
ويُنظر كذلك في خصوصية الراوي بشيخه، فرُبّ راوٍ متقن في الرواية عن شيخ بعينه، مُضطرب فيما يرويه عن غيره. وكم من ثقة عُرف بالوهم في بعض مروياته دون بعض؛ كقبيصة عن سفيان ونحوه.
الدعامة الثالثة: النظر في حال الزيادة
فإن كانت الزيادة آتية بنقيض ما رواه الجماعة، فتلك لا مرية في ردّها. وإن كانت مخالفة لرواية من هو أحفظ أو أكثر عددًا، فهي الشاذة المنكرة التي لا تُقبل عند أهل الشأن. وقد قرّر الإمام الشافعي - رحمه الله - هذا الأصل بقوله: "الأكثر أولى بالحفظ من الأقل". وربما دلّت القرائن على أن الراوي أدخل الزيادة من عند نفسه لتقوية إسناد واهٍ أو إصلاح متن مُختل.
الدعامة الرابعة: عرض الزيادة على عمل السلف
فإذا جاءت الزيادة بما يُخالف المتواتر من السنن، أو المُستفيض من عمل الصحابة والتابعين، أو ما أجمع عليه الفقهاء، فإنها تُطرح ولا يُلتفت إليها. ومن ذلك ما أنكره الأئمة من حديث "من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة" لمُناقضته فتوى حبر الأمة ابن عباس - رضي الله عنهما - بأنه لا حدّ فيه.
وقد أودع الإمام مسلم - رحمه الله - في كتابه النفيس "التمييز" جملة وافرة من الأمثلة التي تُجلّي منهج القوم في هذا الباب:
المثال الأول: حديث التأمين في الصلاة، حيث وَهِمَ شعبة - مع جلالته - فرواه بلفظ "خفض صوته"، والمحفوظ عند سفيان ومن تابعه "مدّ بها صوته". فردّ الأئمة رواية شعبة لمُخالفته الأكثر والأحفظ.
المثال الثاني: ما وقع لأبي إسحاق السبيعي في حديث عائشة - رضي الله عنها - في شأن الجُنب، حيث زاد "ولم يمسّ ماءً حتى ينام"، وهذا مُناقض لما ثبت من طرق أخرى من وضوئه صلى الله عليه وسلم قبل النوم إذا كان جُنبًا.
المثال الثالث: تفرُّد أبي قيس بذكر "الجوربين والنعلين" في حديث المسح، بينما سائر الرواة إنما ذكروا "الخُفّين". فأعلّ النُقّاد هذه الزيادة.
وهذا غيض من فيض، والمقصود التنبيه؛ وقد عرض لهذا المنهج المُحكم ما عرض من التحريف والتبديل على أيدي طائفة من المتأخرين، لا سيما من تأثر منهم بعلم الكلام وأصول الفقه، فأدخلوا في صناعة الحديث ما ليس منها، وقالوا بقبول زيادة الثقة على الإطلاق، وضيّعوا ذلك المنهج الدقيق الذي سار عليه الأوائل.
BY فوائد في علم الحديث
Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260
Share with your friend now:
group-telegram.com/fawa2id_hadith/318