💎﴿وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یَـٰمَرۡیَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَاۤءِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [آل عمران ٤٢]
ينوه تعالى بفضيلة مريم وعلو قدرها، وأن الملائكة خاطبتها بذلك فقالت ﴿يا مريم إن الله اصطفاك﴾ أي: اختارك ﴿وطهّرك﴾ من الآفات المنقصة ﴿واصطفاك على نساء العالمين﴾ الاصطفاء الأول يرجع إلى الصفات الحميدة والأفعال السديدة، والاصطفاء الثاني يرجع إلى تفضيلها على سائر نساء العالمين، إما على عالمي زمانها، أو مطلقا، وإن شاركها أفراد من النساء في ذلك كخديجة وعائشة وفاطمة، لم يناف الاصطفاء المذكور، فلما أخبرتها الملائكة باصطفاء الله إياها وتطهيرها، كان في هذا من النعمة العظيمة والمنحة الجسيمة ما يوجب لها القيام بشكرها، فلهذا قالت لها الملائكة: ﴿يا مريم اقنتي لربك﴾
💎
﴿یَـٰمَرۡیَمُ ٱقۡنُتِی لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِی وَٱرۡكَعِی مَعَ ٱلرَّ ٰكِعِینَ﴾ [آل عمران ٤٣]
﴿اقنتي لربك﴾ القنوت دوام الطاعة في خضوع وخشوع، ﴿واسجدي واركعي مع الراكعين﴾ خص السجود والركوع لفضلهما ودلالتهما على غاية الخضوع لله، ففعلت مريم، ما أمرت به شكرا لله تعالى وطاعة.
💎
﴿ذَ ٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلۡغَیۡبِ نُوحِیهِ إِلَیۡكَۚ وَمَا كُنتَ لَدَیۡهِمۡ إِذۡ یُلۡقُونَ أَقۡلَـٰمَهُمۡ أَیُّهُمۡ یَكۡفُلُ مَرۡیَمَ وَمَا كُنتَ لَدَیۡهِمۡ إِذۡ یَخۡتَصِمُونَ﴾ [آل
عمران ٤٤]
ولما أخبر الله نبيه بما أخبر به عن مريم، وكيف تنقلت بها الأحوال التي قيضها الله لها، وكان هذا من الأمور الغيبية التي لا تعلم إلا بالوحي.
قال ﴿ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم﴾ أي: عندهم ﴿إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم﴾ لما ذهبت بها أمها إلى من لهم الأمر على بيت المقدس، فتشاحوا وتخاصموا أيهم يكفل مريم، واقترعوا عليها بأن ألقوا أقلامهم في النهر، فأيهم لم يجر قلمه مع الماء فله كفالتها، فوقع ذلك لزكريا نبيهم وأفضلهم، فلما أَخْبَرتَهُم يا محمد بهذه الأخبار التي لا علم لك ولا لقومك بها دل على أنك صادق وأنك رسول الله حقا، فوجب عليهم الانقياد لك وامتثال أوامرك، كما قال تعالى: ﴿وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر﴾ الآيات.
💎﴿إِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یَـٰمَرۡیَمُ إِنَّ ٱللَّهَ یُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةࣲ مِّنۡهُ ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِیحُ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ وَجِیهࣰا فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِینَ﴾ [آل عمران ٤٥]
يخبر تعالى أن الملائكة بشرت مريم عليها السلام بأعظم بشارة، وهو كلمة الله عبده ورسوله عيسى ابن مريم، سمي كلمة الله لأنه كان بالكلمة من الله، لأن حالته خارجة عن الأسباب، وجعله الله من آياته وعجائب مخلوقاته، فأرسل الله جبريل عليه السلام إلى مريم، فنفخ في جيب درعها فولجت فيها تلك النفخة الزكية من ذلك الملك الزكي، فأنشأ الله منها تلك الروح الزكية، فكان روحانيا نشأ من مادة روحانية، فلهذا سمى روح الله ﴿وجيها في الدنيا والآخرة﴾ أي: له الوجاهة العظيمة في الدنيا، جعله الله أحد أولي العزم من المرسلين أصحاب الشرائع الكبار والأتباع، ونشر الله له من الذكر ما ملأ ما بين المشرق والمغرب، وفي الآخرة وجيها عند الله يشفع أسوة إخوانه من النبيين والمرسلين، ويظهر فضله على أكثر العالمين، فلهذا كان من المقربين إلى الله، أقرب الخلق إلى ربهم، بل هو عليه السلام من سادات المقربين.
💎
﴿وَیُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِی ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلࣰا وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ﴾ [آل عمران ٤٦]
﴿ويكلم الناس فى المهد وكهلا﴾ وهذا غير التكليم المعتاد، بل المراد يكلم الناس بما فيه صلاحهم وفلاحهم، وهو تكليم المرسلين، ففي هذا إرساله ودعوته الخلق إلى ربهم، وفي تكليمهم في المهد آية عظيمة من آيات الله ينتفع بها المؤمنون، وتكون حجة على المعاندين، أنه رسول رب العالمين، وأنه عبد الله، وليكون نعمة وبراءة لوالدته مما رميت به ﴿ومن الصالحين﴾ أي: يمن عليه بالصلاح، من من عليهم، ويدخله في جملتهم، وفي هذا عدة بشارات لمريم مع ما تضمن من التنويه بذكر المسيح عليه السلام.
💎﴿قَالَتۡ رَبِّ أَنَّىٰ یَكُونُ لِی وَلَدࣱ وَلَمۡ یَمۡسَسۡنِی بَشَرࣱۖ قَالَ كَذَ ٰلِكِ ٱللَّهُ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُۚ إِذَا قَضَىٰۤ أَمۡرࣰا فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ﴾ [آل عمران ٤٧]
﴿قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر﴾ والولد في العادة لا يكون إلا من مس البشر، وهذا استغراب منها، لا شك في قدرة الله تعالى: ﴿قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون﴾ فأخبرها أن هذا أمر خارق للعادة، خلقه من يقول لكل أمر أراده: كن فيكون، فمن تيقن ذلك زال عنه الاستغراب والتعجب، ومن حكمة الباري تعالى أن تدرج بأخبار العباد من الغريب إلى ما هو أغرب منه، فذكر وجود يحيى بن زكريا بين أبوين أحدهما كبير والآخر عاقر، ثم ذكر أغرب من ذلك وأعجب، وهو وجود عيسى عليه السلام من أم بلا أب ليدل عباده أنه الفعال لما يريد وأنه ما شاء كان وما لم يشاء لم يكن.
﴿وَیُعَلِّمُهُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِیلَ﴾ [آل عمران ٤٨]
ثم أخبر تعالى عن منته العظيمة على عبده ورسوله عيسى عليه السلام، فقال ﴿ويعلمه الكتاب﴾ يحتمل أن يكون المراد جنس الكتاب، فيكون ذكر التوراة والإنجيل تخصيصا لهما، لشرفهما وفضلهما واحتوائهما على الأحكام والشرائع التي يحكم بها أنبياء بني إسرائيل والتعليم، لذلك يدخل فيه تعليم ألفاظه ومعانيه، ويحتمل أن يكون المراد بقوله ﴿ويعلمه الكتاب﴾ أي: الكتابة، لأن الكتابة من أعظم نعم الله على عباده ولهذا امتن تعالى على عباده بتعليمهم بالقلم في أول سورة أنزلها فقال ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم﴾ والمراد بالحكمة معرفة أسرار الشرع، ووضع الأشياء مواضعها، فيكون ذلك امتنانا على عيسى عليه السلام بتعليمه الكتابة والعلم والحكمة، وهذا هو الكمال للإنسان في نفسه.
💎
﴿وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ أَنِّی قَدۡ جِئۡتُكُم بِـَٔایَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ أَنِّیۤ أَخۡلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّینِ كَهَیۡـَٔةِ ٱلطَّیۡرِ فَأَنفُخُ فِیهِ فَیَكُونُ طَیۡرَۢا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ وَأُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأۡكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِكُمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ [آل عمران ٤٩]
ثم ذكر له كمالا آخر وفضلا زائدا على ما أعطاه الله من الفضائل، فقال ﴿ورسولا إلى بني إسرائيل﴾ فأرسله الله إلى هذا الشعب الفاضل الذين هم أفضل العالمين في زمانهم يدعوهم إلى الله، وأقام له من الآيات ما دلهم أنه رسول الله حقا ونبيه صدقا ولهذا قال ﴿أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين﴾ طيرا، أي: أصوره على شكل الطير ﴿فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله﴾ أي: طيرا له روح تطير بإذن الله ﴿وأبرى الأكمه﴾ وهو الذي يولد أعمى ﴿والأبرص﴾ بإذن الله ﴿وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين﴾ وأي: آية أعظم من جعل الجماد حيوانا، وإبراء ذوي العاهات التي لا قدرة للأطباء في معالجتها، وإحياء الموتى، والإخبار بالأمور الغيبية، فكل واحدة من هذه الأمور آية عظيمة بمفردها، فكيف بها إذا اجتمعت وصدق بعضها بعضها؟ فإنها موجبة للإيقان وداعية للإيمان.
💎
﴿وَمُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِی حُرِّمَ عَلَیۡكُمۡۚ وَجِئۡتُكُم بِـَٔایَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُونِ﴾ [آل عمران ٥٠]
﴿ومصدقا لما بين يدي من التوراة﴾ أي: أتيت بجنس ما جاءت به التوراة وما جاء به موسى عليه السلام، وعلامة الصادق أن يكون خبره من جنس خبر الصادقين، يخبر بالصدق، ويأمر بالعدل من غير تخالف ولا تناقض، بخلاف من ادعى دعوى كاذبة، خصوصا أعظم الدعاوى وهي دعوى النبوة، فالكاذب فيها لابد أن يظهر لكل أحد كذب صاحبها وتناقضه ومخالفته لأخبار الصادقين وموافقته لأخبار الكاذبين، هذا موجب السنن الماضية والحكمة الإلهية والرحمة الربانية بعباده، إذ لا يشتبه الصادق بالكاذب في دعوى النبوة أبدا، بخلاف بعض الأمور الجزئية، فإنه قد يشتبه فيها الصادق بالكاذب، وأما النبوة فإنه يترتب عليها هداية الخلق أو ضلالهم وسعادتهم وشقاؤهم، ومعلوم أن الصادق فيها من أكمل الخلق، والكاذب فيها من أخس الخلق وأكذبهم وأظلمهم، فحكمة الله ورحمته بعباده أن يكون بينهما من الفروق ما يتبين لكل من له عقل، ثم أخبر عيسى عليه السلام أن شريعة الإنجيل شريعة فيها سهولة ويسرة فقال ﴿ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم﴾ فدل ذلك على أن أكثر أحكام التوراة لم ينسخها الإنجيل بل كان متمما لها ومقررا ﴿وجئتكم بآية من ربكم﴾ تدل على صدقي ووجوب اتباعي، وهي ما تقدم من الآيات، والمقصود من ذلك كله قوله ﴿فاتقوا الله﴾ بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه وأطيعوني فإن طاعة الرسول طاعة لله.
💎﴿إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّی وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَـٰذَا صِرَ ٰطࣱ مُّسۡتَقِیمࣱ﴾ [آل عمران ٥١]
﴿إن الله ربي وربكم فاعبدوه﴾ استدل بتوحيد الربوبية الذي يقر به كل أحد على توحيد الإلهية الذي ينكره المشركون، فكما أن الله هو الذي خلقنا ورزقنا وأنعم علينا نعما ظاهرة وباطنة، فليكن هو معبودنا الذي نألهه بالحب والخوف والرجاء والدعاء والاستعانة وجميع أنواع العبادة، وفي هذا رد على النصارى القائلين بأن عيسى إله أو ابن الله، وهذا إقراره عليه السلام بأنه عبد مدبر مخلوق، كما قال ﴿إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا﴾ وقال تعالى: ﴿وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته﴾ إلى قوله ﴿ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم﴾ وقوله ﴿هذا﴾ أي: عبادة الله وتقواه وطاعة رسوله ﴿صراط مستقيم﴾ موصل إلى الله وإلى جنته، وما عدا ذلك فهي طرق موصلة إلى الجحيم.
📓تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان - الشيخ عبدالرحمن السعدي ت:سعد الصميل نسخه؛ ب📓
💎﴿وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یَـٰمَرۡیَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَاۤءِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ ، یَـٰمَرۡیَمُ ٱقۡنُتِی لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِی وَٱرۡكَعِی مَعَ ٱلرَّ ٰكِعِینَ ، ذَ ٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلۡغَیۡبِ نُوحِیهِ إِلَیۡكَۚ وَمَا كُنتَ لَدَیۡهِمۡ إِذۡ یُلۡقُونَ أَقۡلَـٰمَهُمۡ أَیُّهُمۡ یَكۡفُلُ مَرۡیَمَ وَمَا كُنتَ لَدَیۡهِمۡ إِذۡ یَخۡتَصِمُونَ ، إِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یَـٰمَرۡیَمُ إِنَّ ٱللَّهَ یُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةࣲ مِّنۡهُ ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِیحُ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ وَجِیهࣰا فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِینَ ، وَیُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِی ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلࣰا وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ ، قَالَتۡ رَبِّ أَنَّىٰ یَكُونُ لِی وَلَدࣱ وَلَمۡ یَمۡسَسۡنِی بَشَرࣱۖ قَالَ كَذَ ٰلِكِ ٱللَّهُ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُۚ إِذَا قَضَىٰۤ أَمۡرࣰا فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ ، وَیُعَلِّمُهُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِیلَ ، وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ أَنِّی قَدۡ جِئۡتُكُم بِـَٔایَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ أَنِّیۤ أَخۡلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّینِ كَهَیۡـَٔةِ ٱلطَّیۡرِ فَأَنفُخُ فِیهِ فَیَكُونُ طَیۡرَۢا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ وَأُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأۡكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِكُمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ ، وَمُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِی حُرِّمَ عَلَیۡكُمۡۚ وَجِئۡتُكُم بِـَٔایَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُونِ﴾ [ال عمران ٤٢-٥١]
ثم عاد تعالى إلى ذكر مريم وأنها بلغت في العبادة والكمال مبلغاً عظيماً فقال تعالى:
﴿وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یَـٰمَرۡیَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ ﴾ أي اختارك ووهب لك من الصفات الجليلة والأخلاق الجميلة (وَطَهَّرَكِ) من الأخلاق الرذيلة (وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَاۤءِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ) ولهذا قال ﷺ: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"، فنادتها الملائكة عن أمر الله لها بذلك لتغتبط بنعم الله وتشكر الله، وتقوم بحقوقه وتشتغل بخدمته، ولهذا قال الملائكة: (یَـٰمَرۡیَمُ ٱقۡنُتِی لِرَبِّكِ) ؛ أي : أكثري من الطاعة والخضوع والخشوع لربك وأديمي ذلك (وَٱرۡكَعِی مَعَ ٱلرَّ ٰكِعِینَ) أي : صلي مع المصلين فقامت بكل ما أمرت به وبرزت وفاقت في كمالها.
ولما كانت هذه القصة وغيرها من أكبر الأدلة على رسالة محمد ﷺ حيث أخبر بها مفصلة محققة لا زيادة فيها ولا نقص وما ذاك إلا لأنه وحي من الله العزيز الحكيم لا يتعلم من الناس قال تعالى (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك، وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) حيث جاءت بها أمها فاختصموا أيهم يكفلها لأنها بنت إمامهم ومقدمهم، وكلهم يريد الخير والأجر من الله حتى وصلت بهم الخصومة إلى أن اقترعوا عليها فألقوا أقلامهم مقترعين، فأصابت القرعة زكريا رحمة من الله به وبها.
فأنت - يا أيها الرسول - لم تحضر تلك الحالة لتعرفها فتقصها على الناس، وإنما الله نبأك بها، وهذا هو المقصود الأعظم من سياق القصص أنه يحصل بها العبرة، وأعظم العبر والاستدلال بها على التوحيد والرسالة والبعث وغيرها من الأصول الكبار (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين) أي : له الوجاهة والجاه العظيم في الدنيا والآخرة عند الخلق ومع ذلك فهو عند الله من المقربين الذين هم أقرب الخلائق إلى الله وأعلاهم ،درجة وهذه بشارة لا يشبهها شيء من البشارات ومن تمام هذه البشارة (أنه يكلم الناس في المهد)؛ فيكون تكليمه آية من آيات الله ورحمة منه بأمه ،وبالخلق، وكذلك يكلمهم (كهلا) ؛ أي: في حال كهولته، وهذا تكليم النبوة والدعوة والإرشاد فكلامه في المهد فيه آيات وبراهين على صدقه ونبوته وبراءة أمه مما يظن بها من الظنون السيئة وكلامه في كهولته فيه نفعه العظيم للخلق وكونه واسطة بينهم وبين ربهم في وحيه وتبليغ دينه وشرعه، ومع ذلك فهو (من الصالحين) الذين أصلح الله قلوبهم بمعرفته وحبه، وألسنتهم بالثناء عليه وذكره وجوارحهم بطاعته وخدمته (قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر) وهذا هو من الأمور المستغربة (قال كذلك الله يخلق ما يشاء) ؛ ليعلم العباد أنه على كل شيء قدير وأنه لا ممانع لإرادته (إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون)
(ويعلمه الكتاب) ؛ أي: جنس الكتب السابقة والحكم بين الناس ويعطيه النبوة (ويجعله رسولاً إلى بني إسرائيل) ويؤيده بالآيات البينات والأدلة القاهرة حيث قال: (أني قد جئتكم بآية من ربكم) تدلكم أني رسول الله حقاً، وذلك (أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرىء الأكمه) وهو ممسوح العينين الذي فقد بصره وعيناه (والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم، إن في ذلك) المذكور (لآية لكم إن كنتم مؤمنين ومصدقاً لما بين يدي من التوراة) فأيده الله بجنسين من الآيات والبراهين الخوارق المستغربة التي لا يمكن لغير الأنبياء الإتيان بها، والرسالة والدعوة والدين الذي جاء به وأنه دين التوراة ودين الأنبياء السابقين، وهذا أكبر الأدلة على صدق الصادقين فإنه لو كان من الكاذبين لخالف ما جاءت به الرسل ولناقضهم في أصولهم وفروعهم، فعلم بذلك أنه رسول الله وأن ما جاء به حق لا ريب فيه، وأيضاً فقوله : (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) أي: ولأخفف عنكم بعض الآصار والأغلال (فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه) وهذا ما يدعو إليه جميع الرسل عبادة الله وحده لا شريك له وطاعتهم، وهذا هو الصراط المستقيم الذي من سلكه أوصله إلى جنات النعيم.
📓تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان - الشيخ عبدالرحمن السعدي ت:سعد الصميل نسخه؛ أ📓
📕متن اللؤلؤ والمرجان📕
📚 كتاب فضائل الصحابة
📖 باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها
🔖 الحديث الثالث والثلاثون بعد الستمئة وألف
١٨٩٤-حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها.
قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: "إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى"
قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذلِكَ؟
فَقَالَ: "أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا، وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى، قلْتِ: لَا، وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ"
قَالَتْ: قلْتُ: أَجَلْ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَهْجُرُ إِلَاّ اسْمَكَ.
⭐️أخرجه البخاري في: ٦٧- كتاب النكاح: ١٠٩- باب غيرة النساء ووجدهن.
📚 كتاب فضائل الصحابة
📖 باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها
🔖 الحديث الثالث والثلاثون بعد الستمئة وألف
١٨٩٤-حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها.
قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: "إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى"
قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذلِكَ؟
فَقَالَ: "أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا، وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى، قلْتِ: لَا، وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ"
قَالَتْ: قلْتُ: أَجَلْ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَهْجُرُ إِلَاّ اسْمَكَ.
⭐️أخرجه البخاري في: ٦٧- كتاب النكاح: ١٠٩- باب غيرة النساء ووجدهن.
📖 شرح الحديث :
https://dorar.net/hadith/sharh/151186
📕متن اللؤلؤ والمرجان📕
📚 كتاب فضائل الصحابة
📖 باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها
🔖 الحديث الرابع والثلاثون بعد الستمئة وألف
١٨٩٥-حديث عَائِشَةَ، قَالَتْ:
كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي؛ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ، فَيَلْعَبْنَ مَعِي.
⭐️أخرجه البخاري في: ٧٨- كتاب الأدب: ٨١- باب الانبساط إلى الناس.
📚 كتاب فضائل الصحابة
📖 باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها
🔖 الحديث الرابع والثلاثون بعد الستمئة وألف
١٨٩٥-حديث عَائِشَةَ، قَالَتْ:
كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي؛ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ، فَيَلْعَبْنَ مَعِي.
⭐️أخرجه البخاري في: ٧٨- كتاب الأدب: ٨١- باب الانبساط إلى الناس.
📖 شرح الحديث :
https://dorar.net/hadith/sharh/151240
📕متن اللؤلؤ والمرجان📕
📚 كتاب فضائل الصحابة
📖 باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها
🔖 الحديث الخامس والثلاثون بعد الستمئة وألف
١٨٩٦-حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ يَبْتَغُونَ بِهَا -أَوْ يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ- مَرْضَاةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
⭐️أخرجه البخاري في: ٥١- كتاب الهبة: ٧- باب قبول الهدية.
📚 كتاب فضائل الصحابة
📖 باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها
🔖 الحديث الخامس والثلاثون بعد الستمئة وألف
١٨٩٦-حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ يَبْتَغُونَ بِهَا -أَوْ يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ- مَرْضَاةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
⭐️أخرجه البخاري في: ٥١- كتاب الهبة: ٧- باب قبول الهدية.
📖 شرح ما يُقاربه :
https://dorar.net/hadith/sharh/8721
📕متن اللؤلؤ والمرجان📕
📚 كتاب فضائل الصحابة
📖 باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها
🔖 الحديث السادس والثلاثون بعد الستمئة وألف
١٨٩٧-حديث عَائِشةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، يَقُولُ: "أَيْنَ أَنَا غَدًا أَيْنَ أَنَا غَدًا" يُرِيدُ يوم عَائِشَةَ. فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكونُ حَيْثُ شَاءَ. فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدورُ عَلَيَّ فِيهِ، فِي بَيْتِي فَقَبَضَهُ اللهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي.
⭐️أخرجه البخاري في: ٦٤- كتاب المغازي: ٨٤- باب مرض النبي ﷺ ووفاته.
📚 كتاب فضائل الصحابة
📖 باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها
🔖 الحديث السادس والثلاثون بعد الستمئة وألف
١٨٩٧-حديث عَائِشةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، يَقُولُ: "أَيْنَ أَنَا غَدًا أَيْنَ أَنَا غَدًا" يُرِيدُ يوم عَائِشَةَ. فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكونُ حَيْثُ شَاءَ. فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدورُ عَلَيَّ فِيهِ، فِي بَيْتِي فَقَبَضَهُ اللهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي.
⭐️أخرجه البخاري في: ٦٤- كتاب المغازي: ٨٤- باب مرض النبي ﷺ ووفاته.
📖 شرح ما يُقاربه :
https://dorar.net/hadith/sharh/150569
