رحم الله أخي أحمد وزوجته، اللذين تركا خلفهما ثلاثة توائم أصبحوا بلا أب أو أم. في يوم الأربعاء، 22 نوفمبر 2023، تعرضت عائلتنا لعدوان غادر من الاحتلال الصهيوني الجبان، الذي أطلق صواريخ على منزلنا، مما أسفر عن استشهادهم وهم نائمون في بيوتهم. ورغم هذه الجريمة البشعة، نثق في عدالة الله، ونعلم أن هؤلاء الأطفال سيكبرون، ويشهدون على الظلم الذي وقع عليهم، وسينال القتلة المجرمون جزاءهم بإذن الله.
واليوم، في يوم ميلادهم، يجلسون معاً برفقة ابن أخي محمد رحمه الله، الذي هو الناجي الوحيد من تلك المجزرة، ليحتفلوا بحياتهم رغم كل ما مروا به، ويستمدوا قوتهم من الله ومن ذكريات أهلهم الذين لن ينسوهم أبداً.

في يوم الأم، أقف أمام وجعي عاجزًا، أبحث عن أمي فلا أجد سوى ذكراها، أنادي أختي فلا يرد عليّ سوى الصمت. رحلتا، لكن حضورهما في قلبي لا يزول، وصوتهما لا يغيب عن روحي. كانت أمي وطنًا من الحنان، وأختي ظلًا من الأمان، لكن الاحتلال خطفهما مني وترك خلفه وجعًا لا يبرأ.
في هذا اليوم، لا أملك إلا الدعاء، أن يرحمهما الله، وأن يمنحني الصبر حتى يجمعني بهما في دار لا ظلم فيها ولا فراق.
On Mother's Day, I stand before my pain, helpless. I search for my mother but find only her memory. I call out to my sister, but only silence answers. They are gone, yet their presence in my heart never fades, and their voices still echo in my soul. My mother was a homeland of warmth, and my sister was a shelter of safety, but the occupation stole them from me, leaving behind a wound that will never heal.

On this day, all I can do is pray—may Allah have mercy on them and grant me patience until we are reunited in a place where there is no injustice and no separation.

"في ليلة السابع والعشرين من رمضان، أسألك يا الله أن ترحم أبي معين وأمي نجاح، وأخي أحمد وزوجته وابنته، وأخي محمد وزوجته وابنه، وأختي فاطمة وزوجها وأولادها، وأبناء أخي محمود. اللهم اجعلهم من الشهداء، وارزقهم الفردوس الأعلى، واجمعني بهم في جنات النعيم. اجبر كسرنا، وكن لعائلات الشهداء عوضًا وسندًا، واحفظ أهل غزة برحمتك. اللهم لا تحرمنا اللقاء بهم في دار كرامتك. آمين."


"On the 27th night of Ramadan, I ask You, O Allah, to have mercy on my father, Mu'in, and my mother, Najah, my brother Ahmad, his wife, and their daughter, my brother Muhammad, his wife, and their son, my sister Fatimah, her husband, and their children, and the children of my late brother Mahmoud. O Allah, make them among the martyrs, grant them the highest place in Paradise, and reunite us with them in the eternal gardens of bliss. Heal our broken hearts, and be a source of comfort and support for the families of the martyrs. Protect the people of Gaza with Your mercy. O Allah, do not deprive us of the reunion with them in the abode of Your honor. Ameen."

تمضي الأيام والسنين... ولا تغيبون عن أعيننا، يا أعزّ ما كنا نملك على هذه الأرض.

رحلتم يا أبي، يا أمي، يا إخوتي وأخواتي، ويا أبناء إخوتي،
لكن أرواحكم ما زالت تعيش بيننا، تحرسنا، وتلهمنا الصبر والثبات.

غادرتم الدنيا شهداء على أرض غزة العزّة،
وما يخفف أوجاعنا ويواسي قلوبنا، أن الله اختاركم ورفعكم إلى جواره كرمًا وشرفًا.

دماؤكم الطاهرة، لن تذهب سُدى...
هي وقودٌ للثأر، ونارٌ تلتهب في وجداننا،
وعهدٌ علينا أن لا ننسى، ولا نغفر،
وأن تبقى لعناتنا تطارد كل صهيوني قاتل، جبان، ملعون.

سنحيا على ذكراكم، ونمضي بما تبقّى من قلوبنا،
لكننا لن نهدأ... حتى تعود الأرض، وحتى يعلو صوت الحق في سماء فلسطين.

الحمد لله على سلامة ام معين زوجة اخي ، وألف مبارك المولود الجديد "معين"، ابن أخي الغالي ابو معين الذي فقد ابناءه الثلاثة اكبرهم معين وجدهم معين .

في زمنٍ ثقيل بالفقد، شاء الله أن يولد "معين"، يحمل اسم من رحلوا، ويحيي فينا ما حسبناه انطفأ.
استُشهد معين الجد، واستُشهد معين الابن، وجاء معين الجديد... ليقول لنا: "اللي خلّف ما مات".

ولد ليكون امتدادًا للكرامة، وحاملًا لراية من سبقوه، أملًا جديدًا في عيون موجوعة، وروحًا تُنعش القلوب التي أنهكها الوداع.

اللهم اجعله قرة عينٍ لأهله، وبشارة خيرٍ لأيامهم القادمة، واملأ به دربهم نورًا ورحمة.

بكل حزن وقلوب مكلومة، نزف إلى أحبتنا خبر استشهاد شيخ الشباب، صاحب الابتسامة التي لم تعرف الغياب، ونور الوجوه الذي كان يملأ القلوب دفئًا وطمأنينة...
استُشهد اليوم ابن عمتي الحبيب، خليل أبو شميس (أبو إبراهيم)، في قصفٍ صهيونيٍ غادرٍ استهدف وسط قطاع غزة.

رحل خليل شهيدًا كما عاش كريمًا، ثابتًا، صادق الانتماء لوطنه، شامخ الروح كجبال فلسطين.
نم قرير العين يا من زرعت فينا الرجولة والصدق...
وإنا على فراقك لمحزونون،
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

قبل أن تشتعل نار الحرب في غزة بأسبوع واحد، كان والداي قد حصلا على تأشيرة سفر إلى تركيا في رحلة سياحية حُدد موعدها في 10 أكتوبر، أي بعد ثلاثة أيام فقط من السابع من أكتوبر. حينها كانت الطرق سالكة، والمعابر مفتوحة، والفرصة سانحة للرحيل. اقتربت من أبي وقلت بقلق يملأ قلبي: "يا أبي، الأوضاع تنذر بالخطر… تعال إلى تركيا قبل أن تُغلق هذه المعابر".

رفع رأسه ونظر إليّ بعينين يملؤهما الثبات والإيمان، ثم قال بصوت حاسم يقطر يقيناً: "أعوذ بالله أن أترك هذه الأرض… هذه أرض الرباط، هنا نحيا وهنا نموت". كان قراره قاطعاً… ألغى الرحلة، وفضّل مواجهة المجهول على أن يغادر شبراً من ترابها.

وبعد عشرين يوماً فقط من اندلاع الحرب، جاء القدر ليوثّق موقفه بدمه، فارتقى أبي وأمي وإخوتي وأخواتي وأبناؤهم جميعاً شهداء، يسكنون اليوم في باطن الأرض التي رفضوا تركها. رحلوا عن الدنيا واقفين كما عاشوا، متمسكين بغزة حتى النفس الأخير، وكأن الله كتب لهم أن يختتموا حياتهم في أقدس بقاع الرباط… غزة، فلسطين، عسقلان.

رحلوا، لكن قصتهم باقية، تروي للأجيال أن هناك رجالاً لا تخلعهم الحرب من أرضهم، وأن الشهادة قد تكون ثمرة موقف، وأن بعض الثبات يساوي الخلود.

كانت أول رحلة لأبي وأمي إلى مصر، وهناك عاشا أياماً لا تُنسى.
كان والدي يصفان لي جمال مصر وأصالة أهلها، وعن شوارع الإسكندرية التي تفوح بعبق البحر، وعن نهر النيل الذي يسقي الحياة، وعن الأسواق الشعبية المليئة بالألوان والضحكات، وعن الأطباء في مصر وحسن تعاملهم مع أهل غزة، وكيف كانوا يشعرون أنهم بين أهلهم وإخوانهم.

تجولا بين شوارع مصر في ضيافة الكثير من الكرماء، يحيطهم الحب أينما ذهبوا، وكانت تلك من أجمل الرحلات في حياتهم.

لكن، رغم جمال الرحلة وذكرياتها، شاء الله أن يكون ختام مسيرتهم في موطن العزة… في غزة، حيث ارتقت أرواحهم الطاهرة إلى بارئها، مختتمين حياتهم بثبات ورباط، ليكون حسن ختامهم في أرض البطولة والكرامة.

اخترقت شظايا صاروخٍ صهيوني وجه ابنة عمي، لتستقر في دماغها، وتمزّق أنفها إلى نصفين. فقدت إحدى عينيها، وأصيبت الأخرى بضرر بالغ، وحالتها ما زالت بين خطرة.

أرجوكم… لا تنسوها من دعائكم.

بقلوبٍ يملؤها الأسى والفاجعة، أنعى ابنة عمي الغالية سحر محمد محمود عياش ، التي ارتقت شهيدةً قبل قليل بعد أن مزّقت شظايا الصواريخ الصهيونية وجهها، واستقرت في دماغها، ففقدت عينًا وتضررت الأخرى. قاومت الألم أيامًا، لكن غياب العلاج وانعدام المستشفيات تحت الحصار حال دون نجاتها.

رحلت سحر، تاركةً وراءها وجعًا عميقًا، وزوجًا مفجوعًا، وأهلًا يعتصرهم الألم على فراقها.
رحلت شهيدة مظلومة، لتشهد دماؤها على قسوة الاحتلال وصمت العالم.

نسأل الله أن يتقبّلها في عليين، ويجعل مثواها الفردوس الأعلى، وأن يلهمنا وأهلها وزوجها الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون.