Telegram Group & Telegram Channel
كلمة حول التساهل في قبول الأحاديث:

واختلف مذاق علماء الحديث في هذا الشأن، فكان منهم الناقد ومنهم المسترسل وبينهما درجات.
فهذه جهة من الأمور البدهية التي تظهر بملاحظة الروايات وأحوال الرجال، ولكن في العصور المتأخرة اتسعت حركة الاسترسال في قبول الأحاديث، وساعد على ذلك بعض الشيء ما وقع في القرن العاشر من الحركة المعروفة بحركة الأخباريين الذين زعموا أنّ أخبار الكتب الأربعة قطعية وهي وافية في جميع الأحكام والمعارف، على أن بعضهم كان عنده باب المناقشة -في الجملة- بشأن بعض هذه الكتب مفتوحاً:
1- فقد ذكر صاحب الحدائق أنه لا يخلو حديث من الشك في "التهذيب" بأن يكون قد وقع فيه خطأ إما في الأسناد أو في المتن.
أي أن النظرة النقدية كانت موجودة حتى بالنسبة إلى الكتب الأربعة.
2-انظر مثلاً إلى صاحب الوسائل والمحدث المجلسـي وكذلك صاحب الحدائق ومن بعدهم حيث لم يعتمدوا على بعض الكتب الحديثية تشكيكاً في ثبوتها أو نقداً لمؤلفها نظير ما وقع من صاحب الحدائق لكتاب ابن أبي جمهور الأحسائي.
إنه لم يزل يوجد هامش من النقد عند بعض هؤلاء المشايخ الأجلاء.
3-وأيضا قد ذكر المحدث النوري في المستدرك انتقاداً شديداً للصدوق في بعض رواياته، دافع عنها السيد الخوئي -قدس سره- في المعجم، فرغم أن المحدث النوري كان من أصحاب المذاقات الوسيعة في قبول الحديث -كما هو عمله في خاتمة المستدرك- كان محل ثقة علماء الفقه والأصول كالمحقق الآخوند والمحقق النائيني والمحقق الحائري صاحب الدرر وغيرهم من بعض جمهور العلماء من الطبقة اللاحقة له وكانوا يعولون على جرحه وتعديله وتصحيحه وما إلى ذلك. وهو صاحب مذاق واسع، حتى أنه قبل بنسبة بعض المجاميع التي لا شك في وضعها مثل كتاب مصباح الشريعة الذي نقلت فيه كلمات عن بعض صوفية العامة.
فالذي ينبغي التنويه عليه : لا ينبغي فقط اطلاع طالب العلم على كتب الحديث والاهتمام بها في المرحلة المتقدمة من العلم بل عليه بأن يباكر في الاهتمام بها، ولكن ليس المقصود أن على طالب العلم في زمان قراءة الأدب مثلاً أن يهتم بكتب الحديث، بل بعد استكمال مستوى من علم الأصول والفقه عليه أن يهتم بكتب الحديث، بتأملها، والمقارنة بين أخبار الباب، والالتفات إلى المضامين المأنوسة، المضامين الغريبة، المضامين المكررة، المضامين المفردة، الزيادات التي ينفرد بها بعض الرواة، الغرائب والعجائب في الروايات ومصادرها، طبعاً ليس كل غريبة ترفض، ولكن يتوقف، ففي الدين والشـرع أيضاً توجد غرائب ولكن هذا لا يقتضـي ممن يتصدى للرواية أو للخطابة أو ما إلى ذلك أن يزيد في الغرائب والعجائب ما شاءت له نفسه لكي يلفت نظر الناس أو يزيد إيمانهم أو ما إلى ذلك، فهناك حدود مرعية عندما تأتي بعض الأمور العجيبة أو الغريبة من طريق راوٍ معين.
بالنتيجة يعرف المتتبع الممارس مواضع الضعف والقوة للرواة، فإن الراوي الكاذب ليس مكتوباً على ناصيته أنه كاذب، وإنما يعرف بمقارنة الروايات بعضها ببعض، وهذا دأب علماء الحديث وهو دأبنا في واقعنا المعاصر، أي نحن في الأمور التي تنقل بنحو حيوي في الحكايات المتعلقة بالأمور التي نعتني بها، نحن نتعامل بهذا المنهج: درجة ضبط النص، درجة مسامحة النص، من يوثق به، من لا يوثق به، العلامات التي لكل منهما، هذه أمور تظهر بالممارسة التي هي من قبيل الظواهر، ليست من قبيل القواعد المطردة، إنما هي من قبيل الظواهر التي يعرفها الإنسان بالمعايشة ككثير من الظواهر الاجتماعية.
إن هذه طرق معروفة بين أصحابنا واختلاف المناهج بين الأصحاب أيضاً أمر معروف قديماً وحديثاً، فلقد كان ابن الوليد شيخ الصدوق من نقاد القميين، وقد أسقط روايات كثيرة من كتب مشايخه كمحمد بن أحمد بن يحيى صاحب نوادر الحكمة الذي كان كتاباً مـعروفاً في قم للغاية في عهده، ومستثنيات نوادر الحكمة تنطبق بطبيعة الحال على سائر مشايخ ابن الوليد، مثل سعد بن عبدالله، محمد بن الحسن الصفار، وعبد الله بن جعفر الحميري، هؤلاء كلهم توجد جملة من مستثنيات نوادر الحكمة من رواياتهم، الذين كان ابن الوليد لا يستحل نقل هذه الروايات، أي إذا أجاز يستثني، والصدوق -رحمة الله عليه- الذي عاش في حياة ابن الوليد وكان متأثراً به ويجري على منهجه؛ لما عرف من تبحره من نقد وما إلى ذلك.
فنؤكد أن مراتب الرجال كما هي متفواتة في الثقة متفواتة في النقد الحديثي، وكثير من وجوه النقد لا تظهر إلا بالممارسات والمقارنات وتأمل خصائص الرجال وامتيازاتهم ومنفرداتهم، وما إلى ذلك، هذا شيء واضح وأمر معهود.



group-telegram.com/mbsistany/83
Create:
Last Update:

كلمة حول التساهل في قبول الأحاديث:

واختلف مذاق علماء الحديث في هذا الشأن، فكان منهم الناقد ومنهم المسترسل وبينهما درجات.
فهذه جهة من الأمور البدهية التي تظهر بملاحظة الروايات وأحوال الرجال، ولكن في العصور المتأخرة اتسعت حركة الاسترسال في قبول الأحاديث، وساعد على ذلك بعض الشيء ما وقع في القرن العاشر من الحركة المعروفة بحركة الأخباريين الذين زعموا أنّ أخبار الكتب الأربعة قطعية وهي وافية في جميع الأحكام والمعارف، على أن بعضهم كان عنده باب المناقشة -في الجملة- بشأن بعض هذه الكتب مفتوحاً:
1- فقد ذكر صاحب الحدائق أنه لا يخلو حديث من الشك في "التهذيب" بأن يكون قد وقع فيه خطأ إما في الأسناد أو في المتن.
أي أن النظرة النقدية كانت موجودة حتى بالنسبة إلى الكتب الأربعة.
2-انظر مثلاً إلى صاحب الوسائل والمحدث المجلسـي وكذلك صاحب الحدائق ومن بعدهم حيث لم يعتمدوا على بعض الكتب الحديثية تشكيكاً في ثبوتها أو نقداً لمؤلفها نظير ما وقع من صاحب الحدائق لكتاب ابن أبي جمهور الأحسائي.
إنه لم يزل يوجد هامش من النقد عند بعض هؤلاء المشايخ الأجلاء.
3-وأيضا قد ذكر المحدث النوري في المستدرك انتقاداً شديداً للصدوق في بعض رواياته، دافع عنها السيد الخوئي -قدس سره- في المعجم، فرغم أن المحدث النوري كان من أصحاب المذاقات الوسيعة في قبول الحديث -كما هو عمله في خاتمة المستدرك- كان محل ثقة علماء الفقه والأصول كالمحقق الآخوند والمحقق النائيني والمحقق الحائري صاحب الدرر وغيرهم من بعض جمهور العلماء من الطبقة اللاحقة له وكانوا يعولون على جرحه وتعديله وتصحيحه وما إلى ذلك. وهو صاحب مذاق واسع، حتى أنه قبل بنسبة بعض المجاميع التي لا شك في وضعها مثل كتاب مصباح الشريعة الذي نقلت فيه كلمات عن بعض صوفية العامة.
فالذي ينبغي التنويه عليه : لا ينبغي فقط اطلاع طالب العلم على كتب الحديث والاهتمام بها في المرحلة المتقدمة من العلم بل عليه بأن يباكر في الاهتمام بها، ولكن ليس المقصود أن على طالب العلم في زمان قراءة الأدب مثلاً أن يهتم بكتب الحديث، بل بعد استكمال مستوى من علم الأصول والفقه عليه أن يهتم بكتب الحديث، بتأملها، والمقارنة بين أخبار الباب، والالتفات إلى المضامين المأنوسة، المضامين الغريبة، المضامين المكررة، المضامين المفردة، الزيادات التي ينفرد بها بعض الرواة، الغرائب والعجائب في الروايات ومصادرها، طبعاً ليس كل غريبة ترفض، ولكن يتوقف، ففي الدين والشـرع أيضاً توجد غرائب ولكن هذا لا يقتضـي ممن يتصدى للرواية أو للخطابة أو ما إلى ذلك أن يزيد في الغرائب والعجائب ما شاءت له نفسه لكي يلفت نظر الناس أو يزيد إيمانهم أو ما إلى ذلك، فهناك حدود مرعية عندما تأتي بعض الأمور العجيبة أو الغريبة من طريق راوٍ معين.
بالنتيجة يعرف المتتبع الممارس مواضع الضعف والقوة للرواة، فإن الراوي الكاذب ليس مكتوباً على ناصيته أنه كاذب، وإنما يعرف بمقارنة الروايات بعضها ببعض، وهذا دأب علماء الحديث وهو دأبنا في واقعنا المعاصر، أي نحن في الأمور التي تنقل بنحو حيوي في الحكايات المتعلقة بالأمور التي نعتني بها، نحن نتعامل بهذا المنهج: درجة ضبط النص، درجة مسامحة النص، من يوثق به، من لا يوثق به، العلامات التي لكل منهما، هذه أمور تظهر بالممارسة التي هي من قبيل الظواهر، ليست من قبيل القواعد المطردة، إنما هي من قبيل الظواهر التي يعرفها الإنسان بالمعايشة ككثير من الظواهر الاجتماعية.
إن هذه طرق معروفة بين أصحابنا واختلاف المناهج بين الأصحاب أيضاً أمر معروف قديماً وحديثاً، فلقد كان ابن الوليد شيخ الصدوق من نقاد القميين، وقد أسقط روايات كثيرة من كتب مشايخه كمحمد بن أحمد بن يحيى صاحب نوادر الحكمة الذي كان كتاباً مـعروفاً في قم للغاية في عهده، ومستثنيات نوادر الحكمة تنطبق بطبيعة الحال على سائر مشايخ ابن الوليد، مثل سعد بن عبدالله، محمد بن الحسن الصفار، وعبد الله بن جعفر الحميري، هؤلاء كلهم توجد جملة من مستثنيات نوادر الحكمة من رواياتهم، الذين كان ابن الوليد لا يستحل نقل هذه الروايات، أي إذا أجاز يستثني، والصدوق -رحمة الله عليه- الذي عاش في حياة ابن الوليد وكان متأثراً به ويجري على منهجه؛ لما عرف من تبحره من نقد وما إلى ذلك.
فنؤكد أن مراتب الرجال كما هي متفواتة في الثقة متفواتة في النقد الحديثي، وكثير من وجوه النقد لا تظهر إلا بالممارسات والمقارنات وتأمل خصائص الرجال وامتيازاتهم ومنفرداتهم، وما إلى ذلك، هذا شيء واضح وأمر معهود.

BY آثار السيد محمد باقر السيستاني


Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260

Share with your friend now:
group-telegram.com/mbsistany/83

View MORE
Open in Telegram


Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

The SC urges the public to refer to the SC’s I nvestor Alert List before investing. The list contains details of unauthorised websites, investment products, companies and individuals. Members of the public who suspect that they have been approached by unauthorised firms or individuals offering schemes that promise unrealistic returns Now safely in France with his spouse and three of his children, Kliuchnikov scrolls through Telegram to learn about the devastation happening in his home country. For example, WhatsApp restricted the number of times a user could forward something, and developed automated systems that detect and flag objectionable content. "He has kind of an old-school cyber-libertarian world view where technology is there to set you free," Maréchal said. To that end, when files are actively downloading, a new icon now appears in the Search bar that users can tap to view and manage downloads, pause and resume all downloads or just individual items, and select one to increase its priority or view it in a chat.
from us


Telegram آثار السيد محمد باقر السيستاني
FROM American