Telegram Group & Telegram Channel
إن النقاد دائماً سواء عندنا أوعند أهل الحديث أو عند أهل السنة هم قلة بالقياس إلى المسترسلين في الاعتماد على الأحاديث، فكثير من أهل الحديث كانوا مسترسلين على أن لهم مذاقات عجيبة وربما نحن نتعجب منها، مثلاً: الصدوق -رحمة الله عليه- ربما يعمد إلى حديث مرفوع إلى الإمام، فيقول أن الراوي غلط في هذا الموضع؛ لأن هذا لا يوافق مذهبه، كما أبدى ذلك في شأن علل الفضل بن شاذان التي رفعت إلى الإمام الرضا -عليه السلام- حسب ما رواه الصدوق نفسه فإذا به في بعض المقاطع يعلق بأنه غلط الفضل، فيظهر منه أنه تلقى ( أي رفع الفضل هذه الأمور إلى الرضا -عليه السلام-، كأنه غير مرفوع وإنما هو كأنه موقوف في هذه المقاطع على الفضل)، فعلى كلّ كانت لهم أحوال ومذاقات مختلفة، وكذا الحال في بعض العصور المتأخرة توجد هذه الخلافات واختلاف المذاقات وما إلى ذلك كله حتى ينتهى إلى أن كل ما ورد في بحار الأنوار من الأحاديث صحيح، وهذا خطأ فـاحش للغاية، فإن كثيراً منه أحاديث آحاد وأخبار موضوعة ونفس المجلسي لم يشهد بصحة جميعها.
إن هذا كله ينشأ عن تغليب ذهنية العامية بأن ما نسب إلى أكابر الدين فبطبيعة الحال هو معتد، إذ الأصحاب مثلاً أجلّ وأهل العلم أو أهل الحديث أجلّ من أن ينسبوا إلى أكابر الدين (أئمة أهل البيت) ما لم يصدر منهم، وهذا استرسال عجيب وسذاجة بالغة؛ فمن وقف على أحوال أهل الدين منذ أن خلق الله -سبحانه وتعالى- آدم يعلم أحوالهم واختلافهم وكيفية نسبة بعضهم بعضا المضامين إلى رؤساء الأديان، وليس أصحاب الأئمة بدعاً من ذلك.
لقد جاء في الكشي في حديث صحيح: عن يونس بن عبد الرحمن قال: "عرضت أصحاب أبي عبد الله على الرضا -عليهما السلام- فـأنكر منها أحاديث كثيرة".
إن يونس بن عبد الرحمن أدرك أبا عبدالله الصادق -عليه السلام- حدثا وقد تلمذ عند أصحابه، ومع ذلك يقول إن الرضا -عليه الصلاة والسلام- أنكر أحاديث من كتب أصحاب أبي عبد الله -عليه السلام- وأن أصحاب أبي الخطاب دسوا في كتب أصحاب أبي عبدالله أحاديث، مع التنبيه على أن بعض أصحاب أبي الخطاب كانوا يوالونه بشكل معلن وبعضهم كانوا في السـر معه، وفي العلن -وحسب الاقتضاءات الاجتماعية- مع عامة أصحابنا، فكانوا يأخذون الكتب ويدسون فيها، وفي هذا ما يدل على سبق الاعتماد على الوجادة في تلك الأزمنة، ولهذا إن لم يكن هنالك اعتماد على الوجادة في هذه الطبقة لم يمكن الدس في كتب أصحاب أبي عبد الله.
فلأجل ذلك يظهر أن هناك حاجة شديدة إلى الممارسة في الاطلاع على الأحاديث وأنسها وفرزها بنظرة الباحث الناقد الذي يفرز بين الأمور المتشابهة، يميز الظواهر المأنوسة، الظواهر الغريبة، ما ينفرد به بعض الرواة في الباب، الزيادة التي ينفرد بها بعض الرواة في الحديث، الأجواء التي كان فيها بعض الرواة، بعض الرواة الذين يمتازون بأحاديث عجيبة عن بعض أساتيذهم المشاهير مما يعلم الباحث أو يحدس بحسب مقياس النقد المتعارف عن العقلاء من حيث لو كان هذا الشـيء المروي موجوداً لاطلع عليه غيره من الرواة.
إن الظواهر الموجودة في الحديث ظواهر لا تظهر إلا بالممارسة، فمن لا يعرف وينظر من بُعْدٍ يعتقد أن توجيه نقد ما إلى عالم ما من علماء الحديث يستوجب انهيار التراث بالكامل، وهذا غلط ناشئ من عدم قرب الصورة.
إن الباحث الذي يعتقد أن إثبات الخطأ على عالم ما لا يصلح الرجوع إليه -وإن كان هذا الخطأ قد أبداه في علم الأنساب مثلاً- إن هذا الاعتقاد نزعة عامية ليس لها وجه، فإن خطأه في هذا العلم ليس فيه ما يدل على سقوطه وانهيار الثقة به تماماً ولقد اختلف كثير من العلماء في الفتن الاجتماعية و في الشبهات التي تطرأ حتى وصلوا أحياناً إلى طرفي نقيض، وكان كل منهم يعتقد أنه معه الحق، كما وقع بين السيد الطباطبائي صاحب العروة وصاحب الكفاية.
إن هذه النزعات العامية وهذا الاعتقاد بأن التراث ينهار بالتمام إذا ناقشنا في رجل معين أو شبه ذلك، ليس صحيحاً؛ فإذا اقترب الباحث من الصورة سيعرف مواضع النقد ومواضع الصحة، مواضع القوة ومواضع الضعف، هذه بطبيعة الحال تحتاج إلى الممارسة، أما البعيد عن الممارسة فهو يضطر إلى التعميم الخاطئ، فإما يوغل في الشك ويسخط التراث بالكامل كما يتفق لبعض الباحثين، وإما يعمم في الثقة ويبني على صدور كل شيء كما هو مذاق جمع آخر.
فالمقصود أن الاطلاع على كتب الحديث والممارسة في الأحاديث، و مقارنة أحاديث الباب وملاحظة منفردات الرجال واستحصال انطباع موضوعي... وأحوالهم و العيوب التي يمكن أن تتعرض لها الأحاديث، هذه الأمور من أهم العلوم التي لابد أن تكون شائعة في الحوزة، وبغير هذه الطريقة لا تزال الأمور تتحرك إلى الاسترسال و التساهل وما إلى ذلك.

محكي عن سماحة السيد محمد باقر السيستاني حفظه الله تعالى.
5



group-telegram.com/mbsistany/84
Create:
Last Update:

إن النقاد دائماً سواء عندنا أوعند أهل الحديث أو عند أهل السنة هم قلة بالقياس إلى المسترسلين في الاعتماد على الأحاديث، فكثير من أهل الحديث كانوا مسترسلين على أن لهم مذاقات عجيبة وربما نحن نتعجب منها، مثلاً: الصدوق -رحمة الله عليه- ربما يعمد إلى حديث مرفوع إلى الإمام، فيقول أن الراوي غلط في هذا الموضع؛ لأن هذا لا يوافق مذهبه، كما أبدى ذلك في شأن علل الفضل بن شاذان التي رفعت إلى الإمام الرضا -عليه السلام- حسب ما رواه الصدوق نفسه فإذا به في بعض المقاطع يعلق بأنه غلط الفضل، فيظهر منه أنه تلقى ( أي رفع الفضل هذه الأمور إلى الرضا -عليه السلام-، كأنه غير مرفوع وإنما هو كأنه موقوف في هذه المقاطع على الفضل)، فعلى كلّ كانت لهم أحوال ومذاقات مختلفة، وكذا الحال في بعض العصور المتأخرة توجد هذه الخلافات واختلاف المذاقات وما إلى ذلك كله حتى ينتهى إلى أن كل ما ورد في بحار الأنوار من الأحاديث صحيح، وهذا خطأ فـاحش للغاية، فإن كثيراً منه أحاديث آحاد وأخبار موضوعة ونفس المجلسي لم يشهد بصحة جميعها.
إن هذا كله ينشأ عن تغليب ذهنية العامية بأن ما نسب إلى أكابر الدين فبطبيعة الحال هو معتد، إذ الأصحاب مثلاً أجلّ وأهل العلم أو أهل الحديث أجلّ من أن ينسبوا إلى أكابر الدين (أئمة أهل البيت) ما لم يصدر منهم، وهذا استرسال عجيب وسذاجة بالغة؛ فمن وقف على أحوال أهل الدين منذ أن خلق الله -سبحانه وتعالى- آدم يعلم أحوالهم واختلافهم وكيفية نسبة بعضهم بعضا المضامين إلى رؤساء الأديان، وليس أصحاب الأئمة بدعاً من ذلك.
لقد جاء في الكشي في حديث صحيح: عن يونس بن عبد الرحمن قال: "عرضت أصحاب أبي عبد الله على الرضا -عليهما السلام- فـأنكر منها أحاديث كثيرة".
إن يونس بن عبد الرحمن أدرك أبا عبدالله الصادق -عليه السلام- حدثا وقد تلمذ عند أصحابه، ومع ذلك يقول إن الرضا -عليه الصلاة والسلام- أنكر أحاديث من كتب أصحاب أبي عبد الله -عليه السلام- وأن أصحاب أبي الخطاب دسوا في كتب أصحاب أبي عبدالله أحاديث، مع التنبيه على أن بعض أصحاب أبي الخطاب كانوا يوالونه بشكل معلن وبعضهم كانوا في السـر معه، وفي العلن -وحسب الاقتضاءات الاجتماعية- مع عامة أصحابنا، فكانوا يأخذون الكتب ويدسون فيها، وفي هذا ما يدل على سبق الاعتماد على الوجادة في تلك الأزمنة، ولهذا إن لم يكن هنالك اعتماد على الوجادة في هذه الطبقة لم يمكن الدس في كتب أصحاب أبي عبد الله.
فلأجل ذلك يظهر أن هناك حاجة شديدة إلى الممارسة في الاطلاع على الأحاديث وأنسها وفرزها بنظرة الباحث الناقد الذي يفرز بين الأمور المتشابهة، يميز الظواهر المأنوسة، الظواهر الغريبة، ما ينفرد به بعض الرواة في الباب، الزيادة التي ينفرد بها بعض الرواة في الحديث، الأجواء التي كان فيها بعض الرواة، بعض الرواة الذين يمتازون بأحاديث عجيبة عن بعض أساتيذهم المشاهير مما يعلم الباحث أو يحدس بحسب مقياس النقد المتعارف عن العقلاء من حيث لو كان هذا الشـيء المروي موجوداً لاطلع عليه غيره من الرواة.
إن الظواهر الموجودة في الحديث ظواهر لا تظهر إلا بالممارسة، فمن لا يعرف وينظر من بُعْدٍ يعتقد أن توجيه نقد ما إلى عالم ما من علماء الحديث يستوجب انهيار التراث بالكامل، وهذا غلط ناشئ من عدم قرب الصورة.
إن الباحث الذي يعتقد أن إثبات الخطأ على عالم ما لا يصلح الرجوع إليه -وإن كان هذا الخطأ قد أبداه في علم الأنساب مثلاً- إن هذا الاعتقاد نزعة عامية ليس لها وجه، فإن خطأه في هذا العلم ليس فيه ما يدل على سقوطه وانهيار الثقة به تماماً ولقد اختلف كثير من العلماء في الفتن الاجتماعية و في الشبهات التي تطرأ حتى وصلوا أحياناً إلى طرفي نقيض، وكان كل منهم يعتقد أنه معه الحق، كما وقع بين السيد الطباطبائي صاحب العروة وصاحب الكفاية.
إن هذه النزعات العامية وهذا الاعتقاد بأن التراث ينهار بالتمام إذا ناقشنا في رجل معين أو شبه ذلك، ليس صحيحاً؛ فإذا اقترب الباحث من الصورة سيعرف مواضع النقد ومواضع الصحة، مواضع القوة ومواضع الضعف، هذه بطبيعة الحال تحتاج إلى الممارسة، أما البعيد عن الممارسة فهو يضطر إلى التعميم الخاطئ، فإما يوغل في الشك ويسخط التراث بالكامل كما يتفق لبعض الباحثين، وإما يعمم في الثقة ويبني على صدور كل شيء كما هو مذاق جمع آخر.
فالمقصود أن الاطلاع على كتب الحديث والممارسة في الأحاديث، و مقارنة أحاديث الباب وملاحظة منفردات الرجال واستحصال انطباع موضوعي... وأحوالهم و العيوب التي يمكن أن تتعرض لها الأحاديث، هذه الأمور من أهم العلوم التي لابد أن تكون شائعة في الحوزة، وبغير هذه الطريقة لا تزال الأمور تتحرك إلى الاسترسال و التساهل وما إلى ذلك.

محكي عن سماحة السيد محمد باقر السيستاني حفظه الله تعالى.

BY آثار السيد محمد باقر السيستاني


Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260

Share with your friend now:
group-telegram.com/mbsistany/84

View MORE
Open in Telegram


Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

For tech stocks, “the main thing is yields,” Essaye said. Now safely in France with his spouse and three of his children, Kliuchnikov scrolls through Telegram to learn about the devastation happening in his home country. Since January 2022, the SC has received a total of 47 complaints and enquiries on illegal investment schemes promoted through Telegram. These fraudulent schemes offer non-existent investment opportunities, promising very attractive and risk-free returns within a short span of time. They commonly offer unrealistic returns of as high as 1,000% within 24 hours or even within a few hours. Such instructions could actually endanger people — citizens receive air strike warnings via smartphone alerts. In addition, Telegram now supports the use of third-party streaming tools like OBS Studio and XSplit to broadcast live video, allowing users to add overlays and multi-screen layouts for a more professional look.
from us


Telegram آثار السيد محمد باقر السيستاني
FROM American