يستطيع الإنسان أن لا يكون عاديًا دون أن يتقلد منصبًا في حياته، أن يكون استثنائيًا في عطائه، في خلقه، في علمه، يؤلف كتابًا، يربي جيلًا، يصنع قيمًا، المناصب الدنيوية عائق، تصنع فارق ولكنها أمانة مكلفة ومرهقة وتأخذ بمقابل الأشياء التي تعطيها أشياء أخرى، المناصب تجبر الإنسان على فعل ما لا يريد، وما لا يحب، ولا يعني الزهد بها لمن رأى أنه أهل لها بل قد تكون مؤكدة على أحدنا فعليه حينها أن يحتسب هذا التكليف ويسأل المعونة، ولكن هي في أساسها مندمة لا تُبتغى لأجلها ولا تذهب النفس حسرات عليها.

ألا ليت المنابر الإسلامية لا يخطب عليها إلا رجال فيهم أرواح المدافع!

- الرافعي

ربوا أولادكم على حرب الصهاينة، ابنوا فيهم هذه العقيدة إيماناً واحتياجاً.

ليس علينا أن ننصاع للغرب في فلسفته للحياة لاسيما في هذه الفترة التاريخية التي أثبت فيها الغرب أنه ضحل الفلسفة ناقص الخبرة قليل القدرة على التعامل مع الإنسان وقليل الفهم للحياة وهذا ليس غريبا عليه لانفصاله عن مرجعية الحياة والإنسان " القرآن "

ليس علينا لأننا لسنا منهزمين بعد الآن، مستضعفون نعم، لسنا ممكنين نعم، لكن في الوقت نفسه لسنا عاجزين عن الافتخار في ثقافتنا العربية الإسلامية الأصلية التي اجتمع عليها الجميع بمختلف دياناتهم وتوجهاتهم لعقود طويلة لأنها ثقافة ومرجعية تتوافق قطعاً مع النظام البشري ونظام الحياة عموما.

لسنا منهزمين بعد هذه السنوات، ولسنا مساكين نقتات على حداثة الغرب وتطوره الشكلي، نحن أبناء عراقة وأصالة وأصحاب رؤية وهمة ومن استعان بالله لا يعجز.

يأسرني قول الله تعالى { وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر } أشعر بهذه الآية وكيف نحاكيها عندما نعالج أنفسنا فنقول لها " ماذا عليكي لو " أو عندما نخاطب الغير فنقول له " ماذا عليك، وماذا تخسر لو فعلت "، أي نداء حنون هذا يارب.. وماذا عليهم؟؟!! يا سبحان ألطافك

كما كنت أقولها هنا في سوريا ما قبل الفتح، ستنتصر سوريا ولكن الخزي سيكون على المسلمين المتقاعسين، وستنتصر غزة ولكن الخزي سيكون على المسلمين المتقاعسين، أما عن الاحتلال الغاشم ودولته الزائلة فإنها إلى زوال بوعد إلهي نسأل الله أن يعجل فيه ويجعل لنا يداً فيه.

ستكشف لنا الأيام ضرورة تربية الجيل الصاعد على المفاهيم والقيم الإسلامية، على ضرورة زرع قيم العطاء والبذل والكرامة، على ضرورة زرع بذرة الشجاعة والنبل، وعلى ضرورة محاربة التفاهة والشتات.. ستكشف لنا ذلك كما فعلت في جيل إدلب وكيف نحت التاريخ بأصابع صغيرة ناعمة وأمام وحوش مفترسة ثم انتصر!.

أنا على ثقة، وقلبي يحترق ساعة ثم يطمئن ساعات أن رحمات الله تحيط بغزة على شكل قذائف نعم!، وعلى شكل موت نعم!، وعلى شكل اصطفاء نعم!، على أشكال تعدها العقول المادية خسارة ويعدها ميزان القرآن ربح وفوز.. رحمات تتجلى في سحائب البلاء ثم لا يكاد يطول حتى ينقشع فيما بعد وتظهر شمس الأمل على الأرض المتعبة لينهض المسلمون من جديد فما بعد الكسر إلا جبر وما بعد السقوط إلا ارتفاع هكذا علمنا التاريخ

ولا عزاء للعلمانيين

ستعرف في النّهاية بعد أن ينتهي ضجيج الحياة أنّه لا أحد من الناس سبقك، لا الذي اشترى العقار، ولا الذي سافر للسّياحة، ولا الذي اشترك في النوادي الرّاقية، ولا الذي دخل البنك من باب كبار العملاء، لا أحد من الناس سبقك، إلّا الذي سبقكَ إلى الله.

نُقِل.

ناديناها بصدق أن قفي دمشق.. قفي وانهضي وتصبري فعقدنا العزم ونظمنا الصفوف وتهيأت القوات وملنا على عدونا..
- وانتصرنا بفضل اللـه

القائد/ أحمد الشّرع

مع الحبيب أسامة من أعلى قاسيون.

يظنُّ المرء أنَّهم بعد أكثر مِن ٥٠ ألف شهيد قد أَلِفوا الموت، إذْ يعلمون أنَّ أحدهم سيكون التَّالي؛ لكنَّك تجدهم في كلِّ مرَّة كأنَّهم أوَّلُ الفاقدين. كأنَّ حبيبَهم ذا لا حبيب غيره، كأنَّ فقيدَهم ذا لا فقيد قبله، كأنَّ أَلَمهُم ذا لا أَلَمَ مثله!
وهو كذلك حقًّا لا كأنَّه؛ لا يُخفَّفُ الألم بتكراره، ولا تقلُّ فجيعة الموت بانتشاره، وكذا لا فقدَ يُؤلَف وإن فُقد الأُلَّاف والآلاف!

في استدعاء لماض ليس ببعيد عمره أشهر قليلة، ذاك اليوم، ذاك الصباح، ذاك النداء كان اسمه ردع العدوان، وكان ندائي ونداء الكثير فيه { ادخلوا عليهم الباب } وهي آية قرآنية شعرت أنها ستكتب حقاً لينظر الله كيف نعمل.

كان الفتح، وكان التحرير، وكان النصر كمعجزة، بمعنى أننا نتأمل حتى اللحظة هذه الأمر بروح المادية فنقول نفنى كلنا عند أول نقطة محصنة عسكرية فكيف بدمشق وقاسيون وصحارى الدير وتدمر وسوريا كلها..، ليس لأننا ضعفاء فحسب ونحن كذلك، بل لأننا نقاتل عصبة متجذرة في الفساد، متوسعة في الحقد، ومجرمة من العيار الثقيل، ومجيشة لمئات الآلاف من الأشخاص.. بل ربما لأكثر من مليون إنسان كلهم مستعد أن يبيدنا عن بكرة أبينا ومع ذلك كله وأكثر منه ما لا يتسع المقام لذكره ولا الحرف لوصفه لشدته وقسوته نصرنا الله.

نصرنا، هو وحده بإرادته، بقوته، بالالتزام بطاعته بلا شك، وبالبعد عن معصيته بلا شك، ووضعنا بهذا النصر تحت اختبار { لننظر كيف تعملون }، ولاختبار آخر { الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر }، إذن فحقيقة النصر كما جاء { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً } وليس عمار الدنيا دوناً عن عمار الدين ولربما يعمر الإنسان دنياه ودينه معا ولربما احتسب في عمار دنياه صلاح دينه فنال الثواب في ذلك.

وليس هذا صلب حديثنا، بل صلب الحديث الذي لا أريد أن أحمله على شكل وعظ بارد فقط، بل على شكل رسالة عقلانية روحية أؤكد بها على ما سبق من آيات تنص تأكيد أنه علينا الاحتفاظ بالمادة العظيمة التي نصرنا الله لأجلها وهي الالتزام بدينه وترك مخالفته حتى لا نكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، وحتى لا يستبدلنا الله بعد أن أرانا ما نحب.

"عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ"

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"والنبي صلى الله عليه وسلم ميَّز أهل الشام بالقيام بأمر الله دائماً إلى آخر الدهر، وبأن الطائفة المنصورة فيهم إلى آخر الدهر، فهو إخبار عن أمر دائم ، مستمر فيهم، مع الكثرة والقوة.

وهذا الوصف ليس لغير أهل الشام من أرض الإسلام..؛ فلم يزل فيها العلم والإيمان، ومن يقاتل عليه، منصوراً مؤيداً، في كل وقت

مجموع الفتاوى

متعبة التفاصيل، رائعة التفاصيل، ثقيلة التفاصيل، جميلة التفاصيل.. ككل شيء لها وجهان، وجه متعب يروي حكاية متعبة، ووجه سعيد يحكي حكاية سعيدة، فعندما تدقق في التفاصيل تكون أحيانا على صواب وأحيانا أخرى يكون الصواب أن لا تدقق في التفاصيل، هذا مختصر الحكاية ولربما هذه أيضا بعض التفاصيل.

لطالما أسرني خاتم التسبيح في معصم أي أحد.. لطالما غبطت ذاك المسبح والذاكر لله طوال اليوم، لا أحد أكثر منه أجر ولا أحد أعظم منه تحصيل

مشكلة الشباب اليوم هو ارتداء ثوب لا يشبه ثوبهم الأساسي، وبالتالي نشاهد شباب اليوم كأنهم لا يشبهون أنفسهم ولا يشبهون آباءهم ولعلها واحدة من آثار انهزام نفسي ضارب في بنية كل شاب، ولا أقصد بالثياب الشكل أو الهندام وإنما التفكير والاعتقاد ونمط المعيشة والحياة.

أفي زمنٍ تُسفكُ فيه الدّماء، وتُهدمُ فيه البيوت على رؤوسِ ساكنيها؛ نجدُ أقوامًا غارقين في غياهبِ التّفاهة، يتمايلون على أنغامٍ فارغة، ويتسابقون لالتقاطِ صورةٍ فوقَ وجبةٍ زائفة أو رقصةٍ ممجوجة؟!
أيّ قلبٍ هذا الذي لم تهزّه صرخاتُ غزة؟
وأيّ عينٍ هذه التي لم تدمع لوداعِ طفلٍ خرج من تحت الركام ممزّق الجسد؟
أين أنتم؟! وكأنّكم خرجتم من رحمِ أمّةٍ لا تعرفُ النّخوة، ولا تعرفُ الغضب لأعراضٍ تُنتهك، وأرواحٍ تُزهق، وأقصى يُدنّس!
ما هذه القلوب التي تحجّرت؟!
أأنتم في كوكبٍ غير الذي نعيش فيه؟ أم أنّ الأرواح قد أُخمد فيها وهجُ الإيمان؟

إنّ الأمّة التي تُسرق قضاياها أمام عيون أبنائها، وهم صامتون، راقصون، متفرّجون؛ أمةٌ تُشبهُ جثّةً حيّةً تمشي بلا هدف، وتتنفّس بلا كرامة.

يا من تصنعون من التّفاهة فنًّا، ومن الضّياع مجدًا؛ عودوا إلى رشدِكم؛ فما خُلِقتم لتكونوا مجرّدَ متابعين لصرعاتِ الموضة، بل خُلقتم لتهزّوا الأرض إذا ظُلمت أقوامكم، وتصرخوا إذا دُمّرت مقدّساتكم.

عودوا.. فالوقت يمضي، والقضيّة تنادي، والموتُ لا ينتظرُ صحوةَ الغافلين.

"فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة"

بعد تلك السنوات، يتضح لك أن الحرب خدعة، ويتضح لك أن الواقع يضطرك لفعل ما تكره، لقول ما لا تريد، ولتبني ما لا تحب، ولمصافحة من تكره.. فإذا رأيتها من غيرك من أهل الصلاح فخذل عنه ما استطعت فإن الحرب خدعة

في رحاب المنفلوطي

ما كنتُ من عُشّاق الزهر، ولا من المفتونين بنسيم الفجر، حتى وقعتُ على كتب المنفلوطي، فإذا بي أتنفّس من حروفه حياةً لا يدركها إلا من ذاق جمال البيان. فكلما قرأتُ له، شعرتُ أنني لا أطالع كتابًا، بل أُصغي إلى روحٍ تحدّث قلبي.

لقد صارت كلماته سكنًا لفكري، ومأوى لوجداني، وما خطّ قلمي يومًا حرفًا إلا وفيه من عبيره ووقع أسلوبه. جلّ ما أكتبه، هو من روحه، ومن فيض بيانه، حتى خُيّل إليّ أنني تلميذ في مدرسته، أرتوي من نبله، وأهتدي بضياء قلمه.

تعلّمتُ منه رقّة الإحساس، وسموّ العبارة، وأن الحرف رسالة، لا زينة. كل قصة كتبها سكنت قلبي، وكأنها نُسجت من شعوري، أو كُتبت لأجلي.

إنّ المنفلوطي لم يكن كاتبًا فحسب، بل كان ضميرًا ناطقًا، وبيانًا يبكي حين يعجز الناس عن البكاء. وما زلتُ، كلما قرأتُ له، شعرتُ أنني أعود إلى نفسي.