فكلما قوي شرك العبد بُليَ بعشق الصور، وكلما قوي توحيده صُرِف ذلك عنه.

والنفس قد تكون تارة أمّارةً، وتارة لوامةً، وتارة مطمئنةً، بل في اليوم الواحد والساعة الواحدة يحصل فيها هذا وهذا وهذا، والحكم للغالب عليها من أحوالها، فكونها مطمئنةً وصفُ مدحٍ لها، وكونها أمّارةً بالسوء وصفُ ذمٍّ لها، وكونها لوامةً ينقسم إلى المدح والذم، بحسب ما تلوم عليه.

-إغاثة اللهفان

• سبّ شخص بالحمار أو الكلب أو خنزير؟


إن سبّ المسلم ووصفه بالحيوان كـ "يا حمار" أو "يا كلب" أو "يا خنزير" لا يجوز، وقد ورد في ذلك آثار عن السلف.


← عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال:

«لا تقل لصاحبك: يا حمار، يا كلب، يا خنزير، فيقول لك يوم القيامة: أتراني خُلِقت كلبًا أو حمارًا أو خنزيرًا؟».

📒المصنف لابن أبي شيبة (14/358)


← وعن مجاهد رحمه الله قال:

«استسقى موسى لقومه فقال: اشربوا يا حمير، فقال الله له: لا تسمِّ عبادي حميرًا».

📒المصنف لابن أبي شيبة (14/358)


وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال:

«كانوا يقولون: إذا قال الرجل للرجل: يا حمار، يا كلب، يا خنزير، قال له يوم القيامة: أتراني خلقت كلبًا أو حمارًا أو خنزيرًا؟».

📒المصنف لابن أبي شيبة (5/283)


ولهذا لا يجوز للمسلم أن يسبّ أخاه بهذه الألفاظ القبيحة، حتى لا يُسأل عنها يوم القيامة.

فكل نَفَسٍ من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا خَطَرَ لها، يمكن أن يُشترى به كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبدَ الآباد، فإضاعة هذه الأنفاس، أو اشتراء صاحبها بها ما يَجلِب هلاكَه: خسران عظيم، لا يَسمح بمثله إلا أجهلُ الناس وأحمقهم وأقلهم عقلًا، وإنما يظهر له حقيقة هذا الخسران يوم التغابن: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران: ٣٠].

📚إغاثة اللهفان

وقال تعالى: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: ٨].

فإذا سُئل الصادقون وحوسبوا على صدقهم فما الظن بالكاذبين؟

قال مقاتل: «يقول تعالى: أخذنا ميثاقهم؛ لكي يسأل الله الصادقين ــ يعني به النبيين ــ عن تبليغ الرسالة».

وقال مجاهد: «يسأل المبلِّغين المؤدِّين عن الرسل» يعني: هل بلَّغوا عنهم؟ كما يسأل الرسلَ: هل بلَّغوا عن الله؟

والتحقيق: أن الآية تتناول هذا وهذا، فالصادقون هم الرسل والمبلغون عنهم، فيسأل الرسل عن تبليغ رسالاته، ويسأل المبلِّغين عنهم عن تبليغ ما بلَّغتهم الرسل، ثم يسأل الذين بَلَغتهم الرسالة: ماذا أجابوا المرسلين؟ كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: ٦٥].

إغاثة اللهفان

وإذا تأمَّلت حال أكثر الناس وجدتهم بضد ذلك، ينظرون في حقهم على الله، ولا ينظرون في حق الله عليهم، ومن هاهنا انقطعوا عن الله، وحُجبت قلوبهم عن معرفته ومحبته، والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره، وهذا غاية جهل الإنسان بربه وبنفسه.

إغاثة اللهفان

ومن لم يعرف حق الله عليه فإن عبادته لا تكاد تُجدي عليه، وهى قليلة المنفعة جدًّا.

عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ قالوا: كيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن.

وما أحسنَ ما قال أبو أحمد الشيرازي: «كان الصوفية يَسْخَرون من الشيطان، والآن الشيطان يسخر منهم»

إغاثة اللهفان

وقال أبو حفص الكبير الشأن: «من لم يَزِنْ أفعاله وأحواله بالكتاب والسنة، ولم يَتّهم خواطره؛ فلا تَعُدّوه في ديوان الرجال»

إغاثة اللهفان

وقال أبو سعيد الخراز: «كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل»

ذكر ابن القيم رحمه الله ضمن سياق الحديث عن مكائد الشيطان في العبادات ملاحظة على ما يسلكه بعض الناس في شأن الصلاة على السجادة، قال:

"وكذلك ترى أحدَهم لا يصلي إلا على سجادة، ولم يُصلّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سجادة قط، ولا كانت السجادة تُفرش بين يديه، بل كان يصلي على الأرض، وربما سجد في الطين، وكان يصلي على الحصير، فيصلي على ما اتفق بَسْطُهُ، فإن لم يكن ثمة شيء صلى على الأرض."

إغاثة اللهفان