Telegram Group Search
الشيخ:

للنواصب الجدد أزمة خانقة مع الحديث النبوي الشريف الذي يقول: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية» لأنه - كما قدّمنا - يهدم بنيانهم على رؤوسهم، فإنهم يجتهدون في تنزيه معاوية وفئته من البغي، وإلصاق ذلك في المقابل بأمير المؤمنين عليه السلام وفئته التي استشهد فيها عمار عليه الرحمة! لذا كان لا بد لهم من أن يعالجوا أزمتهم مع هذا الحديث بأي علاج يجعلهم في حِلٍّ منه، إذ الحديث الخطير هذا كالسيف المسلط على رقابهم، فطفقوا يلوونه ويلتوون كالأفاعي التي تفر من ضوء الشمس!

ولئن كان علاج بعضهم لا يستأهل إلا السخرية منه والاستهزاء بصاحبه إذ ادعى أن (عمار) مصحَّف (عثمان)! فإن بعضا آخر منهم تقمص ثوب العلم والتحقيق وأطلق فرقعة صوتية ظنها فتحا من الفتوح إذ زعم أن عبارة (تقتله الفئة الباغية) هي عبارة مكذوبة مدسوسة في أصل الحديث!

وحينما أراد الأخرق أن يقيم دليله على زعمه قال: إن نسخ البخاري المخطوطة خالية من هذه الزيادة في الحديث الذي ليس فيه سوى: «ويح عمار يدعوهم إلى الجنة [أو: إلى الله] ويدعونه إلى النار». والمراد هو ما كان بين عمار وكفار قريش في مكة! ولا علاقة لهذا الحديث بما كان بينه وبين معاوية وأصحابه في صفين!

وهذا الزعم يأنف منه من له أدنى تحصيل علمي في علم الحديث، وذلك للنقوض التالية:

أولا؛ إن ثمة نسخة مخطوطة من صحيح البخاري فيها الحديث بتمامه متضمنا قوله صلى الله عليه وآله: «تقتله الفئة الباغية»، وهي نسخة الصغاني وهي من أصح نسخ البخاري وأعلاها إسنادا، وقد ذكر أنه قابلها على نسخة الفربري كما وثق الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري. والصغاني معروف بالضبط والإتقان، كما يعتبر من المحدثين المتشددين بحسب الكتاني «وله رسالتان في بيان الأحاديث الموضوعة، جمع فيها كثيرا من الأحاديث التي لم تبلغ درجة الوضع، فعُدَّ من المتشددين كابن الجوزي، أثنى عليه كبار المحدثين والعلماء وأهل اللغة». ومثل هذا الرجل المتشدد لا تفوت هذه الزيادة عليه إن كانت موضوعة أو مدسوسة كما يزعم هؤلاء السفهاء.

ثانيا؛ إن أكثر نسخ البخاري الموثقة تتضمن هذه العبارة كما أكده الدكتور أحمد معبد عبد الكريم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، فإن له رسالة بعنوان: (إرشاد القاري إلى النص الراجح لحديث «ويح عمار» من صحيح البخاري)، خلص فيها بعد مقابلة النسخ والتدقيق فيها إلى قوله: «ومن كل ذلك يظهر لنا أن الراجح هو ثبوت عبارة (تقتله الفئة الباغية) عقب عبارة (ويح عمار) في صحيح البخاري، ضمن سياق حديث أبي سعيد الخدري، وذلك في كلا الموضعين اللذين أخرج البخاري الحديث فيهما، وذلك بناء على ثبوتها في أكثر روايات ونسخ الصحيح الموثقة المعروفة المتداولة. بناء على ما تقدم فإنه يكون القول بعدم ذكر البخاري إطلاقا لهذه العبارة في صحيحه، قولا مردودا على قائله، بما قدمته من الأدلة المعتمدة، وكذلك القول بأنها مدرجة في رواية البخاري هذه بواسطة غيره».

ثالثا؛ إن شيخ الناصبة ابن تيمية لعنه الله لم يسعه جحد كون هذه العبارة من أصل الحديث، مع أنه الذي نعلم في جحده لغير حديث وأثر من الأحاديث والآثار الصحيحة بل والمتواترة التي تخدم موقف أهل البيت الطاهرين صلوات الله عليهم وشيعتهم الصالحين، فلو كان في هذه العبارة أدنى شائبة؛ لوجدت ابن تيمية يرفع عقيرته، لكنه لم يجد! بل أنطقه الله بالحق إذ حكى إجماع علمائهم على تضمن الحديث لهذه العبارة، فقال في منهاج سنته متعرضا لخلو بعض نسخ البخاري من هذه الزيادة: «لكن في كثير من النسخ لا يُذكر الحديث بتمامه، بل فيها: (ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار). ولكن لا يختلف أهل العلم بالحديث أن هذه الزيادة هي في الحديث».

وأما دعوى النواصب الجدد أن الحديث إنما هو ناظر إلى ما كان بين عمار وكفار قريش في مكة إذ كان يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار؛ فدعوى باردة متهافتة، لأنها تعتمد على جعل الحديث منصرفا إلى ما وقع لعمار في الماضي، والحال أنه منصرف إلى ما سيقع لعمار في المستقبل، بقرينة قول عمار نفسه في آخر الحديث: «أعوذ بالله من الفتن». ولا نعلم فيما استُقبل من حروب وقعت بين المسلمين والكافرين أنه كان لعمار دور خِصّيص فيها بحيث يعد فيها رأسا ونِدًّا وفارقا، وإنما نعلم ذلك كله منه في حروب أمير المؤمنين عليه السلام بلا نزاع ولا خلاف، فتعيّن أن يكون مراده من قوله: «أعوذ بالله من الفتن» منصرفا إلى ما سيستقبله من فتن بين المسلمين، وهو الذي كان في الجمل وصفين. وعليه؛ فحتى لو جارينا النواصب الجدد في دعواهم خلو حديث البخاري من زيادة (تقتله الفئة الباغية) فإن ما بقي منه يكفي لإثبات أن فئة معاوية كانت تدعو إلى النار! فيما يدعوهم عمار إلى الجنة. وهذه أوقع من تلك لو كان هؤلاء البلهاء ينتبهون!
إن هؤلاء النواصب الجدد يعيشون وهم أن بمقدورهم تلميع صورة ابن آكلة الأكباد؛ إمام الدعاة إلى النار! ونزع صفة البغي عنه وعن أصحابه الفجرة الفسقة وإلصاقها بأطهر وأشرف من عرفته البشرية بعد المصطفى صلى الله عليه وآله! إمام الأتقياء وعظيم العظماء المرتضى علي صلوات الله عليه، الذي تعيش الأمة الإسلامية حزنها المتجدد على فقده شهيدا في محراب صلاته في مثل هذه الليلة من ليالي القدر. فـ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ). وسيبقى علي عليه السلام نورًا لهذه الأمة ينير دربها إلى الجنة، كما سيظل معاوية عليه اللعنة ظلمةً يتيه فيها عمي البصائر إلى النار! وما بينهما يبقى الحق دائما غالبا، والباطل سيظل دائما زاهقا، (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)!

وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.
الشيخ:

كل ما يطنطن به النواصب الجدد في إفكهم على أمير المؤمنين عليه السلام بأنه ومن معه كانوا - والعياذ بالله - هم الفئة الباغية لا معاوية ومن معه؛ يزهق عند مذبح قوله صلى الله عليه وآله: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية»!

والمذبوح كثيرا ما يُرى في آخر لحظاته يرتعش ويهذي في صراخ واستصراخ وكأنه يرقص على حافة السيف ملتقطًا أشلاء الأوهام يحسبها فتائل حبلٍ للنجاة! لكن أنّى له! فالسيف هاوٍ على أم رأسه على كل حال! وهكذا هي حال النواصب الجدد، فقد مرَّ معنا زعمهم أن البخاري لم يخرج (هذه الزيادة) لخلو بعض النسخ المخطوطة منها، فإذا بنا نرى ثبوتها في أكثر النسخ المصدَّقة المعروفة كما أثبته المتضلعون منهم في دراساتهم التحقيقية.

أما لماذا خلت بعض نسخ البخاري من هذه العبارة الخطيرة الحاسمة واقتصرت على قوله صلى الله عليه وآله: «ويح عمار يدعوهم إلى الجنة [أو: إلى الله] ويدعونه إلى النار. قال: يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن»؟

لهذا تفسيران، يبرئ أحدهما البخاري، ويدينه الآخر.

أما الذي يبرئه فيقول بكل سذاجة: إن (هذه الزيادة) لعلها لم تقع للبخاري! ولا يخفى أن ليس لعاقل تصديق ذلك بعد العلم بما كان عليه البخاري من تبحر في العلم بحديث القوم وطرقهم، حتى أنه يدعى أنه حفظ ثلاثمئة ألف حديث بما فيها ما لم يكن صحيحا! وأنه جمع ستمئة ألف حديث انتقى منها ما ضمّنه صحيحه! فمحالٌ مع السعة الكونية هذه أن لا يسمع بهذه العبارة وأن تفوته في طريقيْه مع كونها صحيحة مشهورة بل ومتواترة. والذي يصدق هذا التفسير الساذج لا بد له من تكذيب أن البخاري.. هو البخاري الذي نعرفه!

بقي إذن التفسير الآخر؛ وهو أن البخاري كان عالما بالحديث بتمام ألفاظه، وقد حدّث به وأملاه فحوته النسخ الخطية الأولى من صحيحه، إلا أنه لمّا أدرك ما يمثله هذه الحديث من أزمة للمذهب البكري؛ تصرَّف فيه فحذف (هذه الزيادة) عمدا!

والذين اعتبروا البخاري مشتَبَهًا به في ارتكاب هذه الجريمة ليسوا الرافضة حتى يقال أنهم متحاملون عليه ولا عبرة بما قالوا؛ وإنما هم أولياء البخاري من كبار كهنة المذهب البكري! فهذا الحافظ ابن حجر ينقل في (فتح الباري) كلام الحافظ الحميدي ابن أبي نصر، فيقول: «واعلم أن (هذه الزيادة) لم يذكرها الحميدي في الجمع، وقال: إن البخاري لم يذكرها أصلا، وكذا قال أبو مسعود. قال الحميدي: ولعلها لم تقع للبخاري، أو وقعت فحذفها عمدا»!

ولو رجعنا إلى (الجمع بين الصحيحين) للحميدي لوجدنا عبارته الأصلية هكذا: «في هذا الحديث (زيادة مشهورة) لم يذكرها البخاري أصلا في طريقيْ هذا الحديث، ولعلها لم تقع إليه فيهما، أو وقعت فحذفها لغرض قصده في ذلك»!

فيا ترى ما يكون غرض البخاري الذي ارتكب هذه الخيانة فحذف متعمدا هذه العبارة النبوية الساطعة في برهانها؟! أليس هو التستر على إمام الفئة الباغية؛ سيده معاوية؟! أليس هو خوف أن تكون كلمة النبي صلى الله عليه وآله خنجرا في صدر مذهب البخاري المهترئ؟!

وإن الذي تابع جلساتنا البحثية، واطلع على سلسلتنا بعنوان: (أهل السنة أم أهل الخدعة)؟ لن يكون له هذا الكلام صادما أو غريبا، فلقد كُشِفَ البخاري في هذه البحوث على حقيقته من شواهد كثيرة، وهو أنه رجل محتال دجال، يتلاعب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله كما يحلو له حتى يستر عورات ومثالب سادته وكبرائه الذين أضلوه السبيلا!

نعم؛ قد تبرّع ابن حجر بالترقيع له في هذه بكلام متهافت لسنا الآن في صدد التعرض لما فيه من بطلان خوف الإطالة، فلعلنا نرجئه إلى قريب بإذن الله تعالى. غير أن الذي يجدر أن نثبته هنا، أن النواصب الجدد أرادوا لها تكحيلا فأصابها العمى! فلولا أنهم ضربوا على طبل أن البخاري لم يخرج (هذه الزيادة) أملا في تكذيبها والتخلي عن صدق نطق النبي صلى الله عليه وآله بها؛ لما توفر الداعي لكشف جناية البخاري (المغرض) فيها إذ وقعت له وحدَّث بها ثم حذفها عمدا «لغرض قصده في ذلك»!

والحمد لله! فما زالت الناصبة تجني على نفسها كما جنت على نفسها براقش! وما ذلك إلا لأنها حسبت أن كلمات سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الطاهرين؛ تشبه - عياذا بالله - خيوط العنكبوت، ويمكن تقطيعها بمخالب الأهواء! هيهات هيهات! إنه ليغيب عن هؤلاء الحقراء أن الحق لا يدفن في رماد الخيانة والتلاعب، فمهما حذفوا من كلمات، ومهما لوَوْا من سياق، ومهما أوَّلوا من دلالات، ستظل (تقتله الفئة الباغية) لطمة على خد البكرية والناصبة إلى أبد الدهر! تذكِّرهم بأن معاوية وأتباعه هم سادة النار؛ وأن عليا وعمارا وأصحابهما عليهم السلام؛ هم سادة الجنة!

وللكلام صلة تأتي إن شاء الله تعالى.
الشيخ:

انقسمت الفرقة البكرية في التعامل مع الحديث النبوي الخطير الذي يقول: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية» إلى قسمين:

الأول؛ وهم الأكثر، اتجهوا إلى التهوين من دلالته بدعوى أنه لا يقدح بعدالة معاوية وأصحابه فهم عدول وإن كانوا بغاة! وكما يقال في المثل العامي الدارج: (عنزة ولو طارت)!

الآخر؛ وهم الأقل، اتجهوا إلى إنكار صدوره أصلا أو التشكيك في صحته وانطباقه! ومن هؤلاء مَن تطرَّف إلى حد قذف الأعراض! وهو إمامهم الثقة؛ قاضي الشام في زمانه، عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي المشهور بدُحَيم، فقد حدّثوا عنه أنهم لمّا ذكروا في مجلسه أن الفئة الباغية هم أهل الشام؛ انتفض فقال: «من قال هذا فهو ابن الفاعلة»!

ولا عجب أن تسمع هذا القذف القبيح من رجل كان مولى لبني أمية أخس البشر أخلاقا وأكثرهم دنسا ودناءة، إنما العجب غفلة كهنة البكرية عن شطب هذه الكلمة منه، لا لإبقاء وثاقته وعدالته التي اخترمت بهذه الكبيرة؛ بل لمنع الرافضة من اقتناص هذه الكلمة وصفعهم بها بالقول: هو ذا قاضيكم العدل دُحَيْم قد قضى على أئمتكم جميعا بأنهم أبناء زواني! ذلك لأنهم - كما ورد في (التذكرة للقرطبي) - أجمعوا على أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام مصيب في قتال أهل الجمل وأهل صفين، وأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له، ومن هؤلاء الأئمة المجمعين: أبو حنيفة ومالك والشافعي والأوزاعي، وهذا الأخير هو إمام دُحَيْم في المذهب!

أما دُحَيْم فهو شيخ البخاري! ومن هنا تعرف لماذا كان البخاري من الفريق الآخر حيث حدَّث أولا بحديث «ويح عمار» بتمامه، إلا أنه عاد وحذف «تقتله الفئة الباغية»! ذلك لأن الرجل متأثر بشيخه، وشيخه ذو نزعة ناصبية! فإن الذهبي في ترجمته عندما أتى على ذكر هذه الحكاية الشنيعة عنه في قذف الأمهات؛ قال: «قلتُ: هذه هفوة من نصب»!

والمهم هنا أن نقول: إن قوله صلى الله عليه وآله: «تقتله الفئة الباغية» إن كان هيِّنًا لا يسقط عدالة ذي الأستاه وحزبه من الطلقاء واللعناء؛ لما كان مثل البخاري يضطر إلى حذفه من صحيحه! فإنه لم يحذفه إلا لأنه وجد فشل كل محاولة تهوُّن من دلالته أو تخفف من وطأته، وأنه لا محالة يُخرج ابن آكلة الأكباد من دائرة العدل والاحترام.

وهكذا ينفعنا البخاري أيضا حتى حينما يبتر الأحاديث ويحرّفها! فإن هذه الأفعال المعيبة منه؛ هي بحد ذاتها تدل أولي الألباب على أن وراءها أمرا جللًا لا هيِّنا كما يقول السخفاء! وكيف يكون هيِّنًا والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله يقول: «يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار»؟! أترى الذي يدعو إلى النار يكون عدلًا تقيًّا؟! (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)؟ (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ)؟!

إن كهنة البكرية الذين تمرَّسوا في الكذب والتحريف كالبخاري؛ لا يعلمون أن أفعالهم هذه تغدو سهامًا ترجع إلى صدر مذهبهم! ولا يدركون أن الحق لا يُطوى، فإن نوره يتفجر من شقوق الكذب والتحريف كما يتفجر النبع من صدوع الصخور!

وللكلام صلة إن شاء الله تعالى.
الشيخ:

مما يؤكد أن البخاري الدجال قد حذف متعمدا «تقتله الفئة الباغية» من قول سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الطاهرين في عمار رضي الله عنه؛ أن أبا مسعود الدمشقي قال كما نقله عنه الحميدي: «لم يذكر البخاري هذه الزيادة، وهي في حديث عبد العزيز بن المختار، وخالد بن عبد الله الواسطي، ويزيد بن زريع، ومحبوب بن الحسن، وشعبة، كلهم عن خالد الحذاء. ورواه إسحاق بن عبد الوهاب هكذا. وأما حديث عبد الوهاب الذي أخرجه البخاري دون (هذه الزيادة) فلم يقع إِلينا من غير حديث البخاري».

فأنت ترى أن الحديث من دون عبارة «تقتله الفئة الباغية» لم يُعرف من غير رواية البخاري، فجميع هؤلاء الحفاظ والمحدثين رووه بتمامه مع (هذه الزيادة)، ولم يقع لهم هذا الذي انفرد به البخاري وشذ به، مع أنهم قد اتصلوا بشيوخه ورووا عنهم كما روى، فكيف سمعوا جميعا الحديث من هؤلاء وفيه «تقتله الفئة الباغية» فيما البخاري وحده لم يسمع ولم تقع له (هذه الزيادة) فصار الحديث عنده منقوصا مبتورا؟!

إن هذا يسقط احتمال أن البخاري لم تقع له (هذه الزيادة)، فلا يبقى إلا الاحتمال الآخر الشنيع، وهو أنه قد حذف (هذه الزيادة) عمدا! فقد مر معنا من قبل كلام الحميدي إذ قال: «ولعلها لم تقع للبخاري، أو وقعت فحذفها عمدا»!

وهذا ما يذهب إليه أيضا شارح صحيح البخاري؛ الحافظ ابن حجر العسقلاني، الذي أتانا بترقيع ممجوج لخيانة البخاري في التصرف بحديث خاتم النبيين صلى الله عليه وآله. قال: «قلت: ويظهر لي أن البخاري حذفها عمدا! وذلك لنكتة خفية، وهي أن أبا سعيد الخدري اعترف أنه لم يسمع هذه الزيادة من النبي صلى الله عليه وسلم، فدلَّ على أنها في هذه الرواية مدرجة، والرواية التي بيَّنت ذلك ليست على شرط البخاري، وقد أخرجها البزار من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد فذكر الحديث في بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة وفيه فقال أبو سعيد: (فحدثني أصحابي ولم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يابن سمية؛ تقتلك الفئة الباغية) انتهى. وابن سمية هو عمار، وسمية اسم أمه. وهذا الإسناد على شرط مسلم، وقد عيَّن أبو سعيد مَن حدثه بذلك، ففي مسلم والنسائي من طريق أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال : (حدثني من هو خير مني أبو قتادة، فذكره) فاقتصر البخاري على القدر الذي سمعه أبو سعيد من النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، وهذا دال على دقة فهمه وتبحره في الاطلاع على علل الأحاديث»!

ولنا مع ترقيع ابن حجر وتهوينه مما ارتكب البخاري؛ وقفات نقدية:

أما أولا؛ فإن هذا محض تبرع أخرجه ابن حجر من كيسه في توجيه تعمد البخاري حذف هذه العبارة الخطيرة من الحديث، فلم يؤثر عن البخاري أنه تعمد حذفها لعلة فيها أو لمخالفتها شرطه المزعوم.

وأما ثانيا؛ فإن الأمانة العلمية وأمانة النقل تقتضي من المحدث أن يحدث بالحديث كما تلقاه من شيوخه، وأن يؤدي كما سمع بلا زيادة ولا نقصان. فأما أن يتصرف بمتن الحديث على هواه فيحذف منه كلمات بذريعة مخالفتها لشرطه فتلك هي الخيانة العلمية بعينها! ولا سيما أن البخاري لم ينبه إلى حذفه وإعلاله، والشرط إنما يكون في السند؛ فإما أن يقبله المحدث فيحدث بمتن الحديث كما سمع، وإما أن لا يقبله فيترك الحديث إلا أن ينبّه. أترى يجوز لأحد الرافضة مثلا أن يأخذ حديثا من أحاديث البخاري يروق له بعضه ولا يروق له بعضه الآخر، فيرويه عنه بسنده نفسه مع أنه قد قطّعه أوصالا فأبقى مثلا: «علي في الجنة» وحذف «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة» ثم لمّا يعاتَب على ذلك يقول: قد خالفتْ البقية شرطي وهذه زيادات منكرة؟!

وأما ثالثا؛ فإن دعوى أن (هذه الزيادة) معتلة أو مخالفة لشرط البخاري دعوى باطلة، لأن إرسال الصحابة لا يضر بشرط الصحة لا عنده ولا عند غيره، فكيف وقد عيَّن أبو سعيد من حدثه بهذه العبارة ونصّ على أنه خير منه وهو أبو قتادة؟! وكلام ابن حجر يؤول إلى اتهام البخاري بأنه لا يرى عدالة جميع الصحابة لو كان ابن حجر يعقل ما يقول! لأن حذف البخاري لقوله: «تقتله الفئة الباغية» بدعوى أن أبا سعيد لم يسمعها مباشرة منه صلى الله عليه وآله وإنما سمعها من غيره عنه؛ معناه أن البخاري لا يلتزم بضرورة عدالة هذا الغير مع أنه لا محالة من الصحابة حتى وإن أعرضنا عن الرواية التي تسمي أبا قتادة! فانظر كيف يهدم كهنة البكرية مذهبهم بأنفسهم حين يرقّع بعضهم لبعض!

وأما رابعا؛ فقد اعترف ابن حجر بأن الرواية التي بينت عدم سماع أبي سعيد هذه العبارة مباشرة من النبي صلى الله عليه وآله ليست على شرط البخاري أصلا! فكيف رتَّب عليها الأثر فتلاعب بالحديث وتصرَّف فيه وحذف منه ما حذف؟!
وأما خامسا وأخيرا؛ فإن الذي يبدد ما افترضه ابن حجر من سبب لما ارتكب البخاري؛ أنّه لم يجرِ هذا الفعل الشنيع في غير هذا الحديث من صحيحه مع أن كثيرا منها مبتلاة بمثل هذه العلة المزعومة وزيادة! فهذا البخاري قد أخرج مثلا حديث عروة «أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك! فقال: أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال». هذا مع أن عروة كما هو معلوم؛ لم يدرك النبي صلى الله عليه وآله ولم يسمع منه مباشرة، فما بال البخاري أخرج هذا الحديث؟! فإن قلتَ: لأن هذا الانقطاع لا يضر فإن عروة إما أنه سمع من خالته عائشة أو سمع من أمه أسماء عن أبي بكر؛ والجميع عدول، قيل لك: وكذلك أبو سعيد الخدري! قد سمع من غيره من الصحابة العدول، وهو أولى من عروة لأنه صحابي لا تابعي؛ وقد عيّنت رواياته الأخرى من سمع منه وهو أبو قتادة!

إن علة الحذف العمدي واضحة، وهي الحرص على تحصين معاوية!

نعم؛ ليست العلة بالتي يدعيها ابن حجر زاعما «دقة فهم البخاري وتبحره في الاطلاع على علل الحديث»! وإلا فلماذا لم ترَ عين البخاري هذه العلة بعينها - وهي أكبر - في حديث عروة فأخرجه في صحيحه بطيب نفس وراحة بال؟! هل هذا إلا لأن حديث عروة يخدم المذهب البكري فيما حديث أبي سعيد يضره؟! فإن الأول في صالح أبي بكر فارتضى البخاري تخريجه في صحيحه، أما الآخر ففي ضرر معاوية وفئته الباغية فتلاعب به البخاري وبتره ولم يخرج منه إلا ما رأى أنه لا يضر!

وهكذا يظهر البخاري على حقيقته القبيحة؛ متعصبا للشجرة الملعونة في القرآن، محاميا عن ابن آكلة الأكباد ورؤوس البغي والفساد، خائنا للأمانة العلمية، مستغفلا لأبناء الأمة الإسلامية، يلعب بكلام سيد المرسلين صلى الله عليه وآله كما يلعب الورَّاقون بحروف الكتب، فحين تصادمت «تقتله الفئة الباغية» مع أصول مذهبه؛ اختار أن يقطع من الحديث قلبه ويتركه جثة بلا روح!

هكذا ظن المحتال الدجال أنه سيفلت بفعلته! ولكن هيهات! فههنا رجال الرافضة بالمرصاد لكل أفاك أثيم! (وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)!

وللكلام صلة إن شاء الله تعالى.
الشيخ:

حينما يطلع المرء على محاولات النواصب الجدد ومطاوَلاتهم؛ يتذكر بيت الأعشى المشهور:

كناطح صخرةٍ يومًا ليوهِنَها
فلَمْ يَضِرْها وأوهى قرنَهُ الوَعِلُ!

فهؤلاء الحقراء الأراذل تبوء بالفشل جميع محاولاتهم للتشكيك في مكانة أمير المؤمنين وسيد المسلمين صلوات الله عليه، كما تنتهي بالخيبة والزلل كل مطاوَلاتهم لتنزيه معاوية ذي الأستاه لعنات الله عليه. وقد رأيتَ كيف أنهم من افتقارهم المدقع للحجج والبراهين؛ لا يملكون إلا التشبث بقشة هنا أو قشة هناك! وكان آخرها مما تناولناه بالأمس؛ من استدلالهم البائس بما هو موضوعٌ على أحمد بن حنبل من أنه أنكر وجود حديث صحيح يقول فيه المصطفى صلى الله عليه وآله: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية»! والحال أن المروي عن أحمد خلافه تماما، وأنه يقر بصحة هذا الحديث بلا مرية.

ويزيدك يقينا بموقف أحمد المسلِّم بهذا الحديث، أنه لو لم يكن يراه صحيحا لما أخرجه بكثرة من طرق شتى، وفيها كلها هذه العبارة النبوية الخطيرة، فلم يفعل فعلة البخاري الدجال إذ أخرجه أولا ثم ندم فحذف هذه العبارة منه! فراجع بنفسك ما في مسند أحمد؛ تجد ما يربو على اثني عشر طريقا أو أكثر، وفي رجالها الشيوخ الثقات الأثبات الذين لا مغمز فيهم ولا مطعن عليهم إلا أن يتحامل متحامل مبتعدا عما يقتضيه العدل والإنصاف.

ثم إنك إذا تفحَّصت أحوال هؤلاء الشيوخ والرواة؛ علمتَ استحالة أن يكونوا متواطئين جميعا على الكذب والتقوُّل على رسول الله صلى الله عليه وآله! فما فيهم كذاب ولا وضاع يستحل مثل هذا عياذا بالله، والرؤوس منهم في طبقة التابعين ما كانت بينهم صلة حتى يُحتمل أخذ بعضهم عن بعض، فأية صلة بين عكرمة مثلا وعبد الرحمن بن زياد؟ أم بين عبد الرحمن بن يعقوب وأبي نضرة؟ أم بين الحسن البصري وحنظلة بن خويلد؟ فكلٌّ مستقلٌّ بالرواية عن صاحبه من أصحاب النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، ولا يعقل أن يسمع كل هؤلاء عن هؤلاء - وبينهم مفاوز - حديثا بهذه الألفاظ المتطابقة معنى؛ دون أن يكون الحديث صادرا حقا عن خاتم النبيين صلى الله عليه وآله الطاهرين.

ثم إنك إذا نظرت في ميول هؤلاء الرواة وأهوائهم؛ وجدتها بعيدة عن التشيع والرفض، فلا يمكن أن تُردَّ روايتهم باعتبار اتفاقها مع مشاربهم، أو أن يُبهتوا بوضعها لهوى مذهبي لهم فيها.

خذ مثلا خالد بن مهران الحذاء الراوي عن عكرمة، والراوي عنه شعبة وعبد العزيز بن المختار ومحبوب بن الحسن، فإن هذا الرجل كما نجده في (صحيح البخاري) يروي قوله صلى الله عليه وآله: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار»؛ فإنّا نجده في (صحيح البخاري) يروي أيضا عن عمرو بن العاص: «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة! فقلت: من الرجال؟ فقال: أبوها! قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب! فعَدَّ رجالا». ولا ترى في الحديث ذكرا لعلي عليه السلام، وهو كما ترى أبعد ما يكون عن التشيع والرفض!

كذلك نجد الحذاء في (سنن النسائي) يروي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر! وأشدهم في أمر الله عمر! وأصدقهم حياء عثمان! وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب! وأفرضهم زيد بن ثابت! وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل! ألا وإن لكل أمة أمينا، ألا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح»! أفهل ترى على هذا الحديث مسحة من تشيع أو رفض أم هو على النقيض تماما من ذلك؟!

بل إننا نجد الحذاء في (الطبقات الكبرى) يروي عن أبي قلابة قال: «بلغني أن عثمان بن عفان يُحَكَّمُ في قتلته يوم القيامة»! وهذا كما ترى؛ لا يمكن أن يقول به شيعي أو رافضي، إنما يقول به عثماني الهوى، وليس بعيدا أن يكون الحذاء من هؤلاء، فهو بصري، والبصرة يومئذ عثمانية.

بهذا يتبدد أي احتمال لأن تكون عبارة «تقتله الفئة الباغية» زيادة دسّها الشيعة في الحديث كما يزعم هؤلاء الأفاكون! فالحديث بتمامه منهم وإليهم، رواه من لا يُتَّهم بتشيع ولا رفض! في أصح الأسناد المتصلة بنقل الثقة العدل الضابط عن مثله، من أول السند إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة!

إنما الشذوذ والعلة في هؤلاء الشواذ المعتلين؛ الخارجين عن إجماع المسلمين؛ مبغضي أمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، الذين يحسبون أنهم بهذه الخربشات التافهة قادرون على ردم الحق! ولكن هيهات! متى أمكن ردم البحر بكفٍّ من رمل؟!

وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.
الشيخ:

إن سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله قد علم من وحي السماء أن أمته ستدب في ما بينها الفتنة حتى تتفرَّق فِرَقًا تتقاتل في ما بينها، ولذا ما كان له - وهو الحريص على هداية أمته ونجاتها - أن يتركها دون أن ينصب لها عَلَمًا ويحدد لها علامات، كي لا يختلط الحق بالباطل ويلتبس المحقون بالمبطلين.

أما العَلَمُ فهو إمام هذه الأمة وولي أمرها الذي أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيعته من عامة أمته يوم غدير خم رافعا يده وصوته الذي مازال صداه يتردد قائلا: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه». وأما العلامات فمن أبرزها قوله صلى الله عليه وآله: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار». وكلا هذين الحديثين متواتران صحيحان عند الخاصة والعامة كما هو معلوم.

هذا؛ والعلامات ترجع إلى العَلَمِ، بمعنى أنها تعتمد عليه وتُرشد إليه، إذ يستحيل أن تكون العلامة على الحق منفكة عن إمام الحق. ولذا ترى عمارا رضوان الله عليه ملازما لعلي صلوات الله عليه ومن أبرز شيعته، وهذا لما أوصاه به خاتم النبيين صلى الله عليه وآله الطاهرين إذ قال له: «إنه سيكون في أمتي بعدي هنات حتى يختلف السيف في ما بينهم، وحتى يقتل بعضهم بعضا! وحتى يبرأ بعضهم من بعض! فإذا رأيتَ ذلك؛ فعليك بهذا الأصلع عن يميني؛ علي بن أبي طالب. وإن سلك الناس كلهم واديا وسلك علي واديا، فاسلك وادي علي، وخلِّ عن الناس. إن عليا لا يرُدُّكَ عن هدى، ولا يدلك على ردى. يا عمار؛ طاعة علي طاعتي، وطاعتي طاعة الله».

وهكذا كانت شهادة عمار في صفين؛ علامة واضحة على أن أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته؛ على الحق والعدل والهدى، وأن ذا الأستاه معاوية وشيعته؛ على الباطل والطغيان والبغي والردى، لقوله صلى الله عليه وآله: «تقتله الفئة الباغية». فدم عمار عليه الرضوان؛ خطَّ خطًّا فاصلًا بين الحق والباطل؛ والحقيقة والخديعة إلى يوم القيامة!

ولهذه العلامة القوية؛ تشجع بعض مخالفينا للإقرار بحقيقة طغيان معاوية ومَن معه، فاقرأ مثلا ما في (شرح المشكاة) للقاري الحنفي ففيه: «(تقتلك الفئة الباغية) أي الجماعة الخارجة على إمام الوقت وخليفة الزمان. قال الطيبي: ترحم عليه بسبب الشدة التي يقع فيهما عمار من قبل الفئة الباغية، يريد به معاوية وقومه، فإنه قُتل يوم صفين. وقال ابن الملك: اعلم أن عمارًا قتله معاوية وفئته، فكانوا طاغين باغين بهذا الحديث، لأن عمارًا كان في عسكر علي وهو المستحق للإمامة فامتنعوا عن بيعته».

غير أن هؤلاء المخالفين اكتفوا بتجريم معاوية وتوقفوا عند هذا الحد، وقد كان يتوجب عليهم أن يسترسلوا في ما تقتضيه علامة شهادة عمار، بالنظر في الخلفيات والقَبْليات. فإنهم لو فعلوا - بمزيد من الشجاعة - لتوصلوا إلى تجريم عثمان أيضا والحكم بأنه كصاحبه في الطغيان! ذلك لأن صراع عمار لم يكن مع معاوية فحسب؛ بل كان من قبل مع عثمان! وسيف البغي الذي قُتِلَ به عمار إنما سُلَّ يوم الدار؛ يوم قُتل عثمان وحُمِّلَ عمار مسؤولية مقتله لأنه كان أكبر محرض عليه وشاتم له!
هذه الحقيقة الصادمة كشفها (صحابي) هو القاتل لعمار! وهو أبو الغادية الجهني لعنه الله، والخبر عنه في ذلك صحيح، فطالع ما في (الطبقات الكبرى) لابن سعد؛ تجد: «أخبرنا ربيعة بن كلثوم بن جبر قال: حدثني أبي قال: كنت بواسط القصب عند عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر فقلت: الإذن، هذا أبو غادية الجهني. فقال عبد الأعلى: أدخلوه، فدخل عليه مقطعات له فإذا رجل طوال ضرب من الرجال كأنه ليس من هذه الأمة، فلما أن قعد قال: بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: بيمينك؟ قال: نعم، وخطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العقبة فقال: يا أيها الناس؛ ألا إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ فقلنا نعم. فقال: اللهم اشهد. ثم قال: ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. قال: ثم أتبع ذا فقال: إنا كنا نعد عمار بن ياسر فينا من خيارنا، فبينا أنا في مسجد قباء إذ هو يقول: ألا إن نعثلا هذا! لعثمان! فألتفت فلو أجد عليه أعوانا لوطئته حتى أقتله! قال: قلت: اللهم إنك إن تشأ تمكنّي من عمار! فلما كان يوم صفين أقبل يستن أول الكتيبة رجلا حتى إذا كان بين الصفين فأبصر رجل عورة فطعنه في ركبته بالرمح فعثر فانكشف المغفر عنه، فضربتُه فإذا رأس عمار! قال: فلم أرَ رجلا أبين ضلالة عندي منه! إنه سمع من النبي عليه السلام ما سمع ثم قتل عمارا! قال: واستسقى أبو غادية فأُتي بماء في زجاج، فأبى أن يشرب فيها، فأُتي بماء في قدح فشرب. فقال رجل على رأس الأمير قائم بالنبطية: أوى يد كفتا! يتورع عن الشراب في زجاج ولم يتورع عن قتل عمار! قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا أبو حفص وكلثوم بن جبر عن أبي غادية قال: سمعت عمار بن ياسر يقع في عثمان يشتمه بالمدينة! قال: فتوعَّدْتُه بالقتل! قلت: لئن أمكنني الله منك لأفعلن! فلما كان يوم صفين جعل عمار يحمل على الناس، فقيل هذا عمار، فرأيت فرجة بين الرئتين وبين الساقين، قال فحملت عليه فطعنته في ركبته! قال: فوقع فقتلته، فقيل: قتلتَ عمار بن ياسر! وأخبر عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن قاتله وسالبه في النار! فقيل لعمرو بن العاص: هو ذا أنت تقاتله! فقال: إنما قال: قاتله وسالبه»!

وهذا مما تحتج به الناصبة فتقول: أي بغي في قتل عمار وقد كان يؤلب على عثمان حتى قُتِلَ فهو شريك في سفك دمه؟! والقاتل له رجل من أهل الجنة إذ هو صحابي من أهل بيعة الرضوان! إنه إن كان بغيا بطل دم عثمان وكانت للرافضة الحجة بذلك!

وهذه لعمري من أحرج الزوايا التي تُحشر فيها الطائفة البكرية، والتي لا مناص لها منها إلا بأحد أمرين: إما بتثبيت أن عثمان مبغي عليه فيكون قتل عمار مستحقا! وإما بتثبيت أن عمارا مبغي عليه فيكون قتل عثمان مستحقا! أما الحلول الوسطى التي يقدمها التقليديون من كهنة المذهب البكري؛ فإنها مصاديق للذي بدأنا به هذه السلسلة من المقالات؛ وهو الجمع بين المتناقضات والمتضادات والمتصادمات بما لا يمكن لعقل عاقل قبوله!

ولأهمية هذه النقطة وضرورة الإحاطة بها؛ نتوسع إن شاء الله تعالى في ما يأتي.
الشيخ:

كان سيدنا عمار بن ياسر رضي الله عنهما، شديدًا على الطاغية الثالث عثمان بن عفان عليه لعنة الله، وشخصية محورية في الثورة الإسلامية الكبرى التي قامت عليه حتى أراح الله العباد منه.

كان إيمان عمار وتفانيه في الإسلام يأبى عليه السكوت وهو يرى ابن عفان يعبث بدين محمد صلى الله عليه وآله ويُحْدِثُ فيه ويُلبِسه ثوبًا يهوديًّا عبر مستشاره المقرب الماكر كعب الأحبار! وكانت مبادئ عمار تحتم عليه التحرك وهو يرى طغيان حكومة أموية يتزعمها حمال الخطايا وقد تفشى فيها الفساد والنهب للثروات العامة والتجبر واضطهاد المسلمين المستضعفين بمن فيهم أكثرهم إخلاصا وتقى كأبي ذر رضوان الله عليه، ذلك الرجل العابد الزاهد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، الذي اضطهده عثمان ونفاه حتى استشهد مظلوما غريبا في منفاه!

نعم؛ ما كان لعمار - ذلك البطل المتألق - أن يهدأ وعينه ترى كل هذا الكفر والظلم وهو ابن ذلك البيت العظيم الذي سطع نجمه بأول من عرفه الإسلام عند شروق شمسه من الشهداء! إنهما العظيمان؛ ياسر وسمية سلام الله عليهما، اللذين وقفا - على ضعفهما - في وجه طغيان قريش وتجبرها حتى عُذِّبا ذلك العذاب المهول وسُفكت دماؤهما الطاهرة قرابين للحق والعدل.

إن عمارا هو ابن هذين العظيمين وثمرة تربيتهما الصالحة، ولقد كان يرى في عثمان وقومه من بني أمية ظلَّ قريشٍ الجاهلية التي قتلت والديْه، رآهم يتسللون هذه المرة كالأفاعي تحت جلد الإسلام! فرفع لواء المعارضة والتحدي، وأخذ يؤلب جماهير المسلمين على رأس الشجرة الملعونة في القرآن، وصار صوته كالرَّعد الصاعق لـ (نعثل)! ذلك الاسم الذي أوضع خلال عثمان إذ شبهه بيهودي كافر!

هذا ما جاء في الخبر الصحيح عند البكرية، والذي مرَّ معنا البارحة، وها نحن نعيد الجزء المهم منه، حيث يقول أبو الغادية لعنه الله وهو في سياق تبريره لقتل عمار: «بينا أنا في مسجد قباء إذ هو يقول: ألا إن نعثلا هذا! لعثمان! فالتفت فلو أجد عليه أعوانا لوطئته حتى أقتله»! وفي خبر آخر عن أبي غادية قال: «سمعت عمار بن ياسر يقع في عثمان يشتمه بالمدينة! قال: فتوعَّدْتُه بالقتل! قلت: لئن أمكنني الله منك لأفعلن»!

والأخبار التي تثبت تأليب عمار جماهير المسلمين على عثمان؛ عديدة، إلا أن بعض ألفاظها تعرض للحذف على عادة البكرية حين تقع في مآزق الآثار المحرجة! فالخبر السابق الذي ورد في (الطبقات الكبرى) نجده أيضا في (المعجم الكبير) للطبراني ولكن الجملة التي تثبت شتم عمار لعثمان وتسميته بنعثل والتأليب عليه؛محذوفة! فراجع بنفسك (ج22 ص864).

وكذا فعل ابن قتيبة في كتابه (المعارف) فإنه ذكر ما كان بين سعد بن أبي وقاص وعمار من مهاجرة وقطيعة، وأدرج هناك رواية فيها لوم الأول للأخير. قال: «سعد بن أبي وقاص كان مهاجرًا لعمار بن ياسر حتى هلكا. وقال له سعد: إن كنا لنعدك من أفاضل أصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حتى إذا لم يبق من عمرك إلا ظِمْءُ الحمار [وهو ما بين الشَّرْبتيْن، كنايةً عن القِصَر] أخرجتَ ربقة الإسلام من عنقك! ثم قال له: أيُّما أحبُّ إليك؛ مودة على دَخَلٍ أو مصارمةً جميلة؟ قال: بل مصارمة جميلة. فقال: لله عليَّ أن لا أكلمك أبدًا»!

والرواية كما ترى لا تبين سبب قطيعة سعد لعمار، إلا أن ابن قتيبة عاد وذكرها في كتابه الآخر (عيون الأخبار) بلفظ: «قال سعد بن أبي وقاص لعمار بن ياسر: إن كنا لنعدُّك من أكابر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، حتى إذا لم يبق من عمرك إلا ظِمْءُ الحمار فعلتَ وفعلتَ! قال: أيُّما أحبُّ إليك؛ مودَّةً على دَخَلٍ أو مصارمة جميلة؟ قال: مصارمة جميلة. قال: لله عليَّ ألّا أكلمك أبدًا».

وقوله: «فعلت وفعلت» معناه أن سعدا قد عدَّدَ أفعالًا ينقمها على عمار حتى آل الأمر إلى القطيعة بينهما. فما هي هذه الأفعال التي حذفوا التصريح بها؟

نكتشف ذلك حتى نقع على الرواية الأصلية غير المحرفة، والتي جاءت بسند صحيح في (تاريخ المدينة) لابن شبة عن ابن سعد بن أبي وقاص؛ محمد، إذ قال: «بعثني أبي إلى عمار رضي الله عنه حين قدم من مصر وبلغه ما كان من أمره، فأتيتُه، فقام وليس عليه رداء، وعليه قلنسوة من شعر، معتمٍّ عليها بعمامة وسخة، وعليه جبة فراء يمانية، فأقبل معي حتى دخل على سعد، فقال: يا أبا اليقظان! إن كنتَ عندنا لمن أهل الفضل، وكنت فينا مرجوا قبل هذا، فما الذي بلغني عنك من سعيك في فساد المسلمين والتأليب على أمير المؤمنين؟ فأهوى عمار بعمامته فنزعها عن رأسه. [إيماءً منه بخلع بيعة عثمان] فقال: ويحك يا عمار! أحين كبرت سنك ونفد عمرك واقترب أجلك خلعتَ بيعة الإسلام من عنقك وخرجت من الدين عريانا؟! فقام عمار مغضبا وهو يقول: أعوذ بالله من الفتنة! فقال سعد: (أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) ألا في الفتنة سقطت يا عمار»!
فها أنت ترى أن أفعال عمار التي نقمها سعد حتى تطاول عليه وهَجَره تمثلت في التأليب على عثمان! وعندما قال ابن سعد: «بعثني أبي إلى عمار رضي الله عنه حين قدم من مصر وبلغه ما كان من أمره» فإنه يعني ما كان من أمر عمار في مصر، فالحقيقة أنّ عمارا رحمه الله أشعل أهل مصر وجيَّشهم على عثمان جراء تأليبه المستمر عليه حتى جاءوا إلى المدينة فقتلوه! وهذا ما تكشفه لنا رواية أخرى صحيحة السند أيضا في (تاريخ المدينة) فيها: «خرج عمار إلى مصر وهو عاتب على عثمان رضي الله عنه، فألَّب الناس عليه، وأشعل أهل مصر على عثمان رضي الله عنه، فكتب ابن أبي سرح إلى عثمان رضي الله عنه: إن عمارا قدم علينا فأظهر القبيح، وقال ما لا يحل، وأطاف به قوم ليسوا من أهل الدين ولا القرآن، وكتب يستأذنه في عقوبته وأصحابه».

وهكذا كان معلوما لدى من لا يتغافل ولا يتعامى أن عمارا قتل عثمان بتأليبه عليه! لذا تجد ابن عبد ربه الأندلسي في (العقد الفريد) عندما نقل هذا الخبر نصَّ على أن تعريض سعد بعمار إنما هو «بقتل عثمان»! فقال: «وقال سعد بن أبي وقاص لعمار بن ياسر: لقد كنتَ عندنا من أفاضل أصحاب محمد، حتى إذا لم يبق من عمرك إلا ظِمْءُ الحمار فعلت وفعلت! يعرض له بقتل عثمان! قال عمار: أي شيء أحب إليك؛ مودة على دَخَلٍ أو هجر جميل؟ قال: هجر جميل! قال: فلله عليَّ أن لا أكلمك أبدًا».

وإذا كانت الأخبار الصحيحة متطابقة على أن عمارا رضوان الله عليه قد شرك في دم عثمان بالتأليب وإشعال الناس عليه؛ فما يكون موقفك أنت أيها المسلم؟ أترى أن عمارا - والعياذ بالله - كان ظالما باغيا على عثمان؟ أم ترى عثمان كسائر الطغاة الذين عرفهم التاريخ، قد أجهز عليهم طغيانهم بعدما ضاقت أممهم ذرعا وثارت؟

أجب بعد رَوِيَّةٍ تراجع فيها إيمانك. وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.
الشيخ:

ليس عجزا! وإنما هو الذي عانى منه أمير المؤمنين عليه السلام..

جاءَ عَدِيُّ بنُ حاتِمٍ يَلتَمِسُ عَلِيّا عَلَيْهِ السَّلامُ ما يَطأُ إلّا عَلى إنسانٍ مَيِّتٍ أو قَدَمٍ أو ساعِدٍ، فَوَجَدَهُ تَحتَ راياتِ بَكرِ بنِ وائِلٍ. قالَ: يا أميرَ المُؤمِنينَ! ألا نَقومُ حَتّى نَموتَ؟ فَقالَ عَلِيٌّ: اُدنُه! فَدَنا حَتّى وَضَعَ اُذُنَهُ عِندَ أنفِهِ، فقال:

وَيْحَكَ! إنَّ عامَّةَ مَن مَعي يَعصيني! وإنَّ مُعاوِيَةَ فيمَن يُطيعُهُ ولا يَعصيهِ!
الشيخ:

حينما يوقَف الفرد البكري على حقائق من قبيل التي مرت معنا في هذه السلسلة؛ فإنه يعيش صراعا نفسيا حادا، ذلك لأنه صُدِمَ بحقيقة أن سيدنا عمار بن ياسر رضي الله عنهما كان من قتلة عثمان بن عفان! وقد لُقِّنَ البكري من قبل أن قتلته ما هم سوى بغاة أوباش سبئية خارجون عن الإيمان، وعمار أحد أكابر «الصحابة» السابقين المشهود لهم بالجنة! وهذا يستدعي إعادة النظر في الموقف من عثمان، أو الموقف من قتلته بمن فيهم عمار.

فإلى أي ملاذ يتجه البكري؟ إنه في العادة يتجه إلى كهنته عسى أن يجد لديهم حلا لهذه المعضلة. وهؤلاء ليس في جعبتهم سوى مكررات غير مقنعة.

● يقولون له: دع عنك هذا فإن الله يقول: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)!
ويقال لهم: فلماذا لم تتركوه أنتم ولقَّنتمونا أن عثمان قُتِلَ مظلوما شهيدا وطعنتم على قتلته إلى أن فوجئنا بأن فيهم عمار! على أننا - نحن المسلمون - لسنا المخاطَبين بهذه الآية، وإنما المخاطَب بها اليهود والنصارى لإبطال احتجاجهم بأنهم أولى بإبراهيم وإسحاق ويعقوب والأنبياء عليهم السلام؛ وزعمهم: (كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا). وغاية ما يُستفاد من الآية إن سرَّينا الخطاب فيها إلينا أننا لن نساءَل عن أعمال مَن مضى، لا أنها تمنعنا من السؤال والتحري لتحديد الموقف الشرعي منهم.

● يقولون: فلم يصح أن عمارا قتل عثمان.
ويقال لهم: بلى! فأحاديث أبي الغادية صحيحة، وهي تثبت أن عمارا كان يشتم عثمان ويؤلب عليه ولذا توعده أبو الغادية بالقتل وقام بذلك فعلا ثأرا لدم عثمان! ثم هناك أحاديث سعد بن أبي وقاص، وهي أيضا صحيحة لغيرها، وتثبت أن عمارا قد أشعل أهل مصر على عثمان حتى قتلوه، ولذلك حلف سعد أن لا يكلم عمارا أبدا - أو العكس - ووقعت القطيعة التامة بين الطرفين.

● يقولون: إنما عنينا أن عمارا لم يباشر قتل عثمان بيده.
ويقال لهم: فابن سبأ المزعوم أيضا لم يباشر قتل عثمان بيده! وإنما كان المحرِّض والمؤلِّب، فكيف سمَّيتموه لعثمان قاتلا وصببتم لعناتكم عليه؟! وإذا كنتم لا تبرؤونه من دم عثمان فيلزمكم هذا في عمار، لأن فعلهما كان واحدا وهو التحريض والتأليب! كما أنكم اعتبرتم مفتيكم السابق في سوريا أحمد بدر الدين الحسون قاتلا وسجنتموه، مع أنه لم يباشر قتل أحد بيده، بل إنما كان يؤلب ويحرض نظام بشار على ذلك بزعمكم. ولقد نسب القرآن الحكيم لأهل الكتاب الذي كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله قتل الرسل في قوله: (قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)، مع أن هؤلاء ما باشروا قتل الرسل بأيديهم ولا كانوا في زمانهم أصلا! ومع ذلك عدَّهم القرآن قتلةً لرضاهم بما فعل القتلة من قبلهم. وهكذا كان عمار، إذ كان راضيا بقتل عثمان، فمع أنه نفى لأبي موسى الأشعري مباشرته قتل عثمان بيده؛ إلا أنه أكد على أن قتله لم يَسُؤْهُ! بل وأقر في جوابه لمسروق بن الأجدع أنه قد شَرَك في قتل عثمان لما قد ارتكبه من ظلم، والرواية في ذلك في (تاريخ الطبري) وفيها أن مسروق بن الأجدع «أقبل على عمار فقال: يا أبا اليقظان! على مَ قتلتم عثمان رضي الله عنه؟ قال: على شتم أعراضنا وضرب أبشارنا. فقال: والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لكان خيرا للصابرين. فخرج أبو موسى فلقي الحسن فضمَّه إليه، وأقبل على عمار فقال: يا أبا اليقظان! أعدوْت فيمن عدا على أمير المؤمنين فأحللتَ نفسك مع الفجار؟ فقال: لم أفعل، ولم يَسُؤْني»!

● يقولون: فعمار لم يكن راضيا بقتل عثمان وكان نادما على ما فرط منه إليه.
ويقال لهم: إنا لا نعرف شيئا صحيحا في الآثار من هذا الذي تدّعون! بل العكس هو الصحيح، فالمطالع للآثار لا يجد أي استعظام لدم عثمان من عمار، بل لا يجد منه سوى الاستخفاف والاستهانة! فلقد مرَّ تعبيره لأبي موسى الأشعري بأنه لم يَسُؤْه قتل عثمان، بل لقد كان يعتبر دم عثمان هدرًا لا قصاص فيه! والرواية في ذلك أخرجها البخاري في (التاريخ الأوسط) وهذا نصها: «حدثني موسى ثنا حماد، عن محمد بن عمر، عن أبيه، عن جده قال: كنا بعد عثمان، فقال أبو جهم: مَن بايعنا فإنا نُقِصُّ من الدماء. فقال عمار: أما من دم عثمان فلا! فقال: يابن سمية! أتقص من جلدات ولا تقص من دم عثمان»؟! فكيف بعد هذا يُزعم أن عمار كان نادما أو أنه لم يكن راضيا بقتل عثمان أو أنه استعظم سفك دمه؟! وهل هذا إلا افتئات على التاريخ؟!
2025/05/31 22:14:53
Back to Top
HTML Embed Code: