Telegram Group & Telegram Channel
جواب إشكال عن قبح قتل الأطفال عقلا..

قال بعض الملاحدة: قتل الأطفال إما أن يقبح لذاته أو لعارض، فإن قلتم لذاته لزمكم قبح الإماتة من الباري، وإن قلتم لعارض فما ذاك العارض الموجب للقبح؟

والجواب عن ذلك من وجوه:

الوجه الأول: فنلزم الخصم بمثل حجته، فنقول: قتل الحي من حيث هو إما قبيح لذاته أو لعارض. فإن زعمتم أنه قبيح لذاته لزمكم قبح قتل الحشرات والبهائم. وإن قلتم لعارض، فما ذاك العارض الذي يختص ببني آدم دون سائر الخلق؟ فإن التزم قبح قتل الدواب ألزمناه التسوية بين الأحياء كلها، وما من عاقل يلتزم ذلك.

الوجه الثاني - وهو الجواب الحق: اعلم أن النظر في حقيقة الموت يتباين بين أهل الإيمان وأهل الإلحاد تباينا عظيما، إذ هو متعلق بالنظر في المسائل الكبرى: من أين جئنا؟ ولم خلقنا؟ وإلى أين المصير؟ وبتغاير هذه التصورات تتغاير الأحكام.

فالقتل عند أهل الإيمان: نقل الروح من الدنيا إلى الآخرة. وأما عند الملاحدة: فما هو إلا إيقاف للعمليات الحيوية في الجسد. ولا ريب أن استحقاق البقاء يختلف بحسب التصور. فمن يعتقد في تصوره الميتافيزيقي: أن البشر ملعونون لذنوب سالفة، فله أن يسلبهم الحياة وفق معتقده!

والمقصود: أنا - معاشر المسلمين - نقر أن القتل ضربان: قتل بحق وهو محمود، وقتل بباطل وهو مذموم. ومرد ذلك إلى استحقاق المقتول للبقاء. ومنشأ الاستحقاق رجحان المصلحة في بقائه، أي تحقيق الغاية من الوجود وهي طاعة المعبود. ولذا كان قتل الأنبياء أشنع الجرائم لعظم المصلحة في بقائهم. وأما استحقاق الفناء فمنشؤه رجحان المفسدة من البقاء، والقتل حينئذ محمود بلا شك.

فإذا علمت هذا = علمت وجه قبح قتل الصبيان، فإن الصبي: بريء لم يأتي ذنبا يستحق به العقوبة، ضعيف لا يملك الدفاع عن نفسه، مجهول المآل قد يكون صالحا أو عالما أو نافعا، وموضع الرحمة الفطرية في القلوب السليمة. فقتله يجمع:
- الظلم لعدم الاستحقاق، فلم يأت ما يستوجب به الفناء، فقتله ظلم ووضع للشيء في غير موضعه، بل تعدٍّ من المخلوق على ما لا يملك فعله أصلا، وإنما هو تصرف في ملك الغير كالقول في السرقة.
- ومخالفة الفطرة المجبولة على الرأفة بالصغار والحنو عليهم، فالداعي إلى قتلهم لا يتصور أن يكون حسنا؛ وإنما يكون قبيحا كالخوف من الفقر ونحوه.

وأما إماتة الباري لخلقه فلا قبح فيها أصلا، إذ هو الواهب للحياة ابتداء من غير استحقاق من الحي، بل محض فضل وإحسان. ورفع الفضل ليس بقبيح في موازين العقول. وهذا كخلق الناس متفاضلين في الحسن والغنى، فنقص حظ الأدنى ليس ظلما له، على حكمة بالغة في التفاضل الحاصل.

فالباري جل وعلا هو المنشئ للحياة من العدم، والممد لها في كل لحظة، والعالم بالمصالح والمفاسد، والحكيم الذي لا يفعل إلا لحكمة بالغة، فإنه سبحانه إن سلب حياة طفل لم يكن إلا لحكمة مشروطة بها. وأما البشر: فليسوا منشئين للحياة، ولا مالكين لها حقيقة، ولا عالمين بالعواقب من فعلهم، ولا دواعي حسنة لهم من فعلهم. فكيف يقاس تصرف المخلوق الجاهل العاجز على تصرف الخالق العليم القدير؟
39🔥7❤‍🔥5🍓21



group-telegram.com/adambno78/5480
Create:
Last Update:

جواب إشكال عن قبح قتل الأطفال عقلا..

قال بعض الملاحدة: قتل الأطفال إما أن يقبح لذاته أو لعارض، فإن قلتم لذاته لزمكم قبح الإماتة من الباري، وإن قلتم لعارض فما ذاك العارض الموجب للقبح؟

والجواب عن ذلك من وجوه:

الوجه الأول: فنلزم الخصم بمثل حجته، فنقول: قتل الحي من حيث هو إما قبيح لذاته أو لعارض. فإن زعمتم أنه قبيح لذاته لزمكم قبح قتل الحشرات والبهائم. وإن قلتم لعارض، فما ذاك العارض الذي يختص ببني آدم دون سائر الخلق؟ فإن التزم قبح قتل الدواب ألزمناه التسوية بين الأحياء كلها، وما من عاقل يلتزم ذلك.

الوجه الثاني - وهو الجواب الحق: اعلم أن النظر في حقيقة الموت يتباين بين أهل الإيمان وأهل الإلحاد تباينا عظيما، إذ هو متعلق بالنظر في المسائل الكبرى: من أين جئنا؟ ولم خلقنا؟ وإلى أين المصير؟ وبتغاير هذه التصورات تتغاير الأحكام.

فالقتل عند أهل الإيمان: نقل الروح من الدنيا إلى الآخرة. وأما عند الملاحدة: فما هو إلا إيقاف للعمليات الحيوية في الجسد. ولا ريب أن استحقاق البقاء يختلف بحسب التصور. فمن يعتقد في تصوره الميتافيزيقي: أن البشر ملعونون لذنوب سالفة، فله أن يسلبهم الحياة وفق معتقده!

والمقصود: أنا - معاشر المسلمين - نقر أن القتل ضربان: قتل بحق وهو محمود، وقتل بباطل وهو مذموم. ومرد ذلك إلى استحقاق المقتول للبقاء. ومنشأ الاستحقاق رجحان المصلحة في بقائه، أي تحقيق الغاية من الوجود وهي طاعة المعبود. ولذا كان قتل الأنبياء أشنع الجرائم لعظم المصلحة في بقائهم. وأما استحقاق الفناء فمنشؤه رجحان المفسدة من البقاء، والقتل حينئذ محمود بلا شك.

فإذا علمت هذا = علمت وجه قبح قتل الصبيان، فإن الصبي: بريء لم يأتي ذنبا يستحق به العقوبة، ضعيف لا يملك الدفاع عن نفسه، مجهول المآل قد يكون صالحا أو عالما أو نافعا، وموضع الرحمة الفطرية في القلوب السليمة. فقتله يجمع:
- الظلم لعدم الاستحقاق، فلم يأت ما يستوجب به الفناء، فقتله ظلم ووضع للشيء في غير موضعه، بل تعدٍّ من المخلوق على ما لا يملك فعله أصلا، وإنما هو تصرف في ملك الغير كالقول في السرقة.
- ومخالفة الفطرة المجبولة على الرأفة بالصغار والحنو عليهم، فالداعي إلى قتلهم لا يتصور أن يكون حسنا؛ وإنما يكون قبيحا كالخوف من الفقر ونحوه.

وأما إماتة الباري لخلقه فلا قبح فيها أصلا، إذ هو الواهب للحياة ابتداء من غير استحقاق من الحي، بل محض فضل وإحسان. ورفع الفضل ليس بقبيح في موازين العقول. وهذا كخلق الناس متفاضلين في الحسن والغنى، فنقص حظ الأدنى ليس ظلما له، على حكمة بالغة في التفاضل الحاصل.

فالباري جل وعلا هو المنشئ للحياة من العدم، والممد لها في كل لحظة، والعالم بالمصالح والمفاسد، والحكيم الذي لا يفعل إلا لحكمة بالغة، فإنه سبحانه إن سلب حياة طفل لم يكن إلا لحكمة مشروطة بها. وأما البشر: فليسوا منشئين للحياة، ولا مالكين لها حقيقة، ولا عالمين بالعواقب من فعلهم، ولا دواعي حسنة لهم من فعلهم. فكيف يقاس تصرف المخلوق الجاهل العاجز على تصرف الخالق العليم القدير؟

BY آدَم بْن مُحَمَّد المَالِكِي | أبُو أُسَامَة


Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260

Share with your friend now:
group-telegram.com/adambno78/5480

View MORE
Open in Telegram


Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

The news also helped traders look past another report showing decades-high inflation and shake off some of the volatility from recent sessions. The Bureau of Labor Statistics' February Consumer Price Index (CPI) this week showed another surge in prices even before Russia escalated its attacks in Ukraine. The headline CPI — soaring 7.9% over last year — underscored the sticky inflationary pressures reverberating across the U.S. economy, with everything from groceries to rents and airline fares getting more expensive for everyday consumers. In 2018, Russia banned Telegram although it reversed the prohibition two years later. "There are several million Russians who can lift their head up from propaganda and try to look for other sources, and I'd say that most look for it on Telegram," he said. The S&P 500 fell 1.3% to 4,204.36, and the Dow Jones Industrial Average was down 0.7% to 32,943.33. The Dow posted a fifth straight weekly loss — its longest losing streak since 2019. The Nasdaq Composite tumbled 2.2% to 12,843.81. Though all three indexes opened in the green, stocks took a turn after a new report showed U.S. consumer sentiment deteriorated more than expected in early March as consumers' inflation expectations soared to the highest since 1981. "This time we received the coordinates of enemy vehicles marked 'V' in Kyiv region," it added.
from us


Telegram آدَم بْن مُحَمَّد المَالِكِي | أبُو أُسَامَة
FROM American