Telegram Group & Telegram Channel
في غُموضها سَكينة..

في مجالِس النِّساء، لا يلفتني الزِّحام حول المُثرثِرات، ولا يجذبني بريق الكلام المنمَّق الذي يكشف أدقّ التَّفاصيل عن الحياة الخاصَّة، إنَّما تُثير إعجابي تلك المرأة التي تتحلّى بالغُموض المريح، المرأة التي تُدير حضورها بحِكمة وصمتٍ ووقار. لا تتكلَّم عن زَوجها، ولا تفصِّل علاقتها بأبنائها، لا تشكو ضيقًا ولا تتفاخر بسَعة، تترك في النُّفوس أثرًا دون أن تُفرغ قلبها على الطاولة، وتكسب احترام من حولها دون أن تطلبه.

هذه المرأة تحفظ بيتها كما يُحفظ الكنز، وتُغلق عليه أبواب الحديث مهما اشتدّ الفُضول، فهي تفهم أنَّ البيت ميدان خاص، وأنَّ ما يجري بين جُدران البيت لا يُنشر بين جُدران المجالس؛ فلا تُكثر من الشَّكوى، ولا تنساق وراء أحاديث النِّساء التي تبدأ بريئة وتنتهي أحيانًا بسهام الحسد أو مقارنات موجعة.

تُدرك أنَّ كثرة الكلام عن تفاصيل حياتها لا تُضيف شيئًا إلى السَّامعين، بل قد تفتح عليهم أبواب الحسد والغيرة، وقد تفتح عليها أبواب البلاء، وتُدرك أيضًا أنَّ من أشدِّ صور الخيانة أن تُخرج صورة زوجها مشوّهةً إلى العلن، فتجعله أضحوكةً في أحاديث السَّهرات، من رجلٍ وقورٍ تُجِلُّه في البيت، إلى رجلٍ ساذجٍ يُسخَر منه في المجالس! كيف تطمئنّ امرأة إلى حُضن رجل كانت قبل ساعاتٍ تُطفئ من هيبته أمام صديقاتها؟! أيُّ أمانٍ تنتظره منه، وهي أول من هزَّ صورته في أعين النَّاس؟! إنها لا تسيء إليه وحده، بل تسيء إلى نفسها، حين تضعف أمام ضغط الفضفضة وتنسى أنَّ البيوت أعظم من أن تُختصر في نكتة، أو تُقاس بجملة استهزاء.

المرأة التي تُدير حياتها بكتمانٍ نبيل، تعيش بطمأنينة أكبر، لأنها لا تُقلق نفسها بتوقّع ردود الفعل، ولا تعاني من عواقب الانكشاف. وإن سُئلت عن حالها، أجابت بكلمات عامَّة رصينة، تلمِّح ولا تُصرِّح، تبعث الطمأنينة دون أن تفتح النوافذ كلها. هي التي تُدير علاقاتها بذكاء عاطفي، لا تُكثر اللوم على الزَّوج أمام النَّاس، ولا تُحدِّث بكلِّ صغيرة وكبيرة تقع في بيتها، فتكون محل تقدير، وهي لا تدري كم نجَّاها الله من أعين متربِّصة، وألسِنة حاقدة.

تلك هي المرأة التي لا تُربكها ضغوط التفاخر، ولا تُزعزعها المقارنات، ولا تحتاج إلى جمهور يُصفّق لنجاحها أو يُواسيها في عثراتها، لأنها تعلم أنَّ الأرزاق تُدار في السَّماء، وأنَّ السِّتر رحمة، وأنَّ كتمان النِّعمة أدعى لبقائها.
ولذلك، فكلما ازداد صَمتها الحكيم، ازدادت هيبةً ووقارًا في القلوب، وأصبحت حضورًا مميزًا لا يُنسى، رغم أنها لم تقل الكثير.


١١ مُحرَّم ١٤٤٧ هـ

#ركن_فتاة



group-telegram.com/rokonfattah/173
Create:
Last Update:

في غُموضها سَكينة..

في مجالِس النِّساء، لا يلفتني الزِّحام حول المُثرثِرات، ولا يجذبني بريق الكلام المنمَّق الذي يكشف أدقّ التَّفاصيل عن الحياة الخاصَّة، إنَّما تُثير إعجابي تلك المرأة التي تتحلّى بالغُموض المريح، المرأة التي تُدير حضورها بحِكمة وصمتٍ ووقار. لا تتكلَّم عن زَوجها، ولا تفصِّل علاقتها بأبنائها، لا تشكو ضيقًا ولا تتفاخر بسَعة، تترك في النُّفوس أثرًا دون أن تُفرغ قلبها على الطاولة، وتكسب احترام من حولها دون أن تطلبه.

هذه المرأة تحفظ بيتها كما يُحفظ الكنز، وتُغلق عليه أبواب الحديث مهما اشتدّ الفُضول، فهي تفهم أنَّ البيت ميدان خاص، وأنَّ ما يجري بين جُدران البيت لا يُنشر بين جُدران المجالس؛ فلا تُكثر من الشَّكوى، ولا تنساق وراء أحاديث النِّساء التي تبدأ بريئة وتنتهي أحيانًا بسهام الحسد أو مقارنات موجعة.

تُدرك أنَّ كثرة الكلام عن تفاصيل حياتها لا تُضيف شيئًا إلى السَّامعين، بل قد تفتح عليهم أبواب الحسد والغيرة، وقد تفتح عليها أبواب البلاء، وتُدرك أيضًا أنَّ من أشدِّ صور الخيانة أن تُخرج صورة زوجها مشوّهةً إلى العلن، فتجعله أضحوكةً في أحاديث السَّهرات، من رجلٍ وقورٍ تُجِلُّه في البيت، إلى رجلٍ ساذجٍ يُسخَر منه في المجالس! كيف تطمئنّ امرأة إلى حُضن رجل كانت قبل ساعاتٍ تُطفئ من هيبته أمام صديقاتها؟! أيُّ أمانٍ تنتظره منه، وهي أول من هزَّ صورته في أعين النَّاس؟! إنها لا تسيء إليه وحده، بل تسيء إلى نفسها، حين تضعف أمام ضغط الفضفضة وتنسى أنَّ البيوت أعظم من أن تُختصر في نكتة، أو تُقاس بجملة استهزاء.

المرأة التي تُدير حياتها بكتمانٍ نبيل، تعيش بطمأنينة أكبر، لأنها لا تُقلق نفسها بتوقّع ردود الفعل، ولا تعاني من عواقب الانكشاف. وإن سُئلت عن حالها، أجابت بكلمات عامَّة رصينة، تلمِّح ولا تُصرِّح، تبعث الطمأنينة دون أن تفتح النوافذ كلها. هي التي تُدير علاقاتها بذكاء عاطفي، لا تُكثر اللوم على الزَّوج أمام النَّاس، ولا تُحدِّث بكلِّ صغيرة وكبيرة تقع في بيتها، فتكون محل تقدير، وهي لا تدري كم نجَّاها الله من أعين متربِّصة، وألسِنة حاقدة.

تلك هي المرأة التي لا تُربكها ضغوط التفاخر، ولا تُزعزعها المقارنات، ولا تحتاج إلى جمهور يُصفّق لنجاحها أو يُواسيها في عثراتها، لأنها تعلم أنَّ الأرزاق تُدار في السَّماء، وأنَّ السِّتر رحمة، وأنَّ كتمان النِّعمة أدعى لبقائها.
ولذلك، فكلما ازداد صَمتها الحكيم، ازدادت هيبةً ووقارًا في القلوب، وأصبحت حضورًا مميزًا لا يُنسى، رغم أنها لم تقل الكثير.


١١ مُحرَّم ١٤٤٧ هـ

#ركن_فتاة

BY رُكنُ فَتَاة | مقالات


Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260

Share with your friend now:
group-telegram.com/rokonfattah/173

View MORE
Open in Telegram


Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

Crude oil prices edged higher after tumbling on Thursday, when U.S. West Texas intermediate slid back below $110 per barrel after topping as much as $130 a barrel in recent sessions. Still, gas prices at the pump rose to fresh highs. Friday’s performance was part of a larger shift. For the week, the Dow, S&P 500 and Nasdaq fell 2%, 2.9%, and 3.5%, respectively. "There are a lot of things that Telegram could have been doing this whole time. And they know exactly what they are and they've chosen not to do them. That's why I don't trust them," she said. And indeed, volatility has been a hallmark of the market environment so far in 2022, with the S&P 500 still down more than 10% for the year-to-date after first sliding into a correction last month. The CBOE Volatility Index, or VIX, has held at a lofty level of more than 30. "Someone posing as a Ukrainian citizen just joins the chat and starts spreading misinformation, or gathers data, like the location of shelters," Tsekhanovska said, noting how false messages have urged Ukrainians to turn off their phones at a specific time of night, citing cybersafety.
from us


Telegram رُكنُ فَتَاة | مقالات
FROM American