ربِّ ارحمهما كما ربّياني صغيرًا

إنَّ ضعفَ الوالدين في كِبَرِهما ليس ضعفَ الجسد وحده، بل ضعفُ النفس أشدُّ وأثقلُ وقعًا.
فهما في تلك المرحلة أحوجُ إلى الرعاية المعنويّة واللطف القلبيّ، من حاجتهما إلى الخدمة البدنيّة.
فالكلمة الطيّبة، والحنان الصادق، والرحمة الباذخة تُقيم النفس، وتُنعش الجسد معًا.

ألم يقل سبحانه: ﴿واخفض لهما جناح الذل من الرحمة﴾!
فجعل الرحمة أسمى صور البرّ، وأرفع مراتب العناية.

لم أعهد إنسانًا مهذّبًا إلا ورأيت خلف هدوئه آثار جراحٍ خفيّة وتجارب مريرة حفرت في أعماقه.
دائمًا ما يشدّني الفضول إلى ما وراء ستار هذا الجمال النادر، فإذا بي أكتشف أن الوجع هو من ربّى أرواحهم، وأن المعاناة صقلت ذواتهم، وأن الألم نقّى ضمائرهم حتى صاروا أنقى من كثيرٍ من حولهم.

قال ابنُ القَيِّم رحمهُ الله تعالى:

«التَّناسُبُ بينَ الأَرواحِ مِن أَقوى أَسبابِ المَحبَّة، فَكُلُّ امرِئٍ يَصبو إلى ما يُناسِبُه».

روضة المحبِّين (ص 67)

فكل صُحبة يدخلون الجنَّة سويًا
اللّهم اجعل أصحابي أصحابٌ حتى بالجنة.

قال النبيﷺ: أكثروا من الصلاة علي ليلة الجمعة ويوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي.

في حياة كل شخص من الابتلاءات ما يجعله يتضايق ويحزن ويكتئب لو ركز عليها ولم يرَ غيرها، وفي حياته أيضًا من النِّعم ما يجعله يُسرَّ ويفرح ويبتهج ويشعر بفضل الله عليه متى ما ركز عليها وأبرَزَها.

الأمر يرجع لطبع كل شخص، ورؤيته للأمور، وهل هو مسؤول مبادر يسعى بتوفيق الله للعمل على تطوير نفسه وتحسن حياته، أم يلعب دور الضحية الكئيب السوداوي الذي لا يرى من خلاله إلا الألم.

سبحان الله، المرءُ أسيرُ أفكاره ورُؤاه وتكوينه الشخصي الذي ربما لم يكن له دور في هذا التكوين ولكن حباه اللهُ الإرادة الحرة وأدوات تغيير وتطوير هذا التكوين لو استعانَه ثم انطلق.

- صدق المتنبي حين قال :

وتعظُمُ في عينِ الصغيرِ صِغارُها
وتصغُرُ في عينِ العظيمِ العَظائِمُ.

عندما ترى أو تعيش موقفًا فيه خطأ أو إساءة، ولكنك لا تستطيع أن تغيّره بالأسلوب الصحيح (بالنصح المباشر أو بالكلمة الطيبة أو بالتصرف الحسن)، فلا تزد الأمر سوءًا بأن تتحدث عنه في مجالس جانبية أو تغتاب الأشخاص أو تُظهر مجاملة زائفة ونفاقًا.

لأن مثل هذا “الكلام الجانبي” لا يغير الواقع، بل هو نوع من الفضفضة التي يوسوس بها الشيطان، وفي حقيقتها طعنة في ظهر المخطئ لا تنفعه ولا تصلحه، وفي الوقت نفسه تضرّك أنت، فتُحملك وزر الغيبة والجبن.

لذلك الأفضل أن ينشغل الإنسان بإصلاح نفسه أولًا، وأن يحرص على ما ينفعه، ويطلب العون من الله.

المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضَّعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، ثم احرص على ما ينفعُك، واستعنْ بالله، ولا تعجز..

- قالَ الحسن البصري رَحمهُ الله:

"العمَل بِالحسَنة نورٌ في القلبِ وقوةٌ في البَدَن، والعمَل بالسَّيئة ظُلمَةٌ في القلبِ ووَهنٌ في البَدَن".

- التوبة لـ ابن أبي الدنيا ص: ١٤١ | 📚🪞