group-telegram.com/IbnFotoh/542
Last Update:
من أظرف السيمنارات التي درستها هذه السنة سيمنار عن عُملات الخلفاء من الأمويين للعثمانيين. وهو سيمنار مشترك بين تخصص التاريخ الإسلامي في معهدنا ومعهد دراسات الآركيولوجيا والآثار المسيحية. ويقع هذا الفرع ضمن ما يسمونه (التاريخ المادي) وهو الذي يُبالغ فيه المستشرقون أحيانا (بعضهم وليس جميعهم) حتى يعتبرونه أعظم أدلة التاريخ، وهو مثله مثل غيره من قرائن التصحيح ودلائل الترجيح، وليس ما وُجد فيه هو الفصل دوما في المختلف فيه، وكم طُويت آثار تاريخية للأمم والشعوب وبقيت أخبارها ناطقة في الكتب!
قُدر لي حضور هذا السيمنار والذي حضرت فيه أفضل تدريب عملي في مجال لم أكن أعرف فائدته على وجهها حتى دخلت فيه، وتدربت عمليا على يد إحدى أمهر أستاذات المجال. وعمليا هنا = ندخل المعمل/المتحف ونحلل المسكوكات ونراجع بياناتها على المراجع.
كم هو بديع أن تبحث عن عصر عبد الملك بن مروان في كتب التاريخ وتجد سطر "وضرب في جند أجنادين كذا وكذا من الدراهم بحمص" ثم تبحث تصنف المسكوكات فتستخرج بعض هذه المسكوكات والدراهم ضربها عبد الملك في حمص، أو في بعلبك، أو في دمشق، أو في حلب، أو في منبج، أو في أنطاكية!
تجد ذلك، ثم تُراجع البلاذري أو الطبري أو ابن الأثير أو ابن عساكر فتجده يقول: وضُرب في عصر فلان كذا وكذا، وضُرب في مدينة كذا باسم القاضي فلان (التنوخي مثلا)، فتنظر في مسكوكات المدينة فتجد حرف الـ[ت] والذي يرمز إلى توقيع القاضي (التنوخي) على السكة! تكامل مبدع، لمن يحب الرواق! وكم حدثني المتخصصون في المجال أنهم صوبوا (أو رجحوا) معلومات تاريخية ذُكرت في الكتب التاريخية بهذه الدراسات المادية المكملة.
كانت هذه هي أول مرة أفحص مسكوكات أو أراها في الطبيعة دون صور، والطريف أنني رأيت هذه المسكوكات في مجموع أوروبي جمع دراهم ودنانير وفلوسًا (جمع فِلس)، والآن هذا المجموع في طور تصنيفه ودراسته وإتاحته للباحثين.
وأما علم الآثار والسِكة الإسلامية (المسكوكات) فكانت أول معرفتي الحقيقية به من صديق غرفة تعرفت عليه العام الماضي في مؤتمر الدراسات المملوكية الذي تعقده مدرسة الدراسات المملوكية التاربعة لجامعة شيكاغو ضمن مؤتمرها السنوي، والذي عُقد العام الماضي في دار الآثار الإسلامية في الكويت، وكان صاحبنا أتم الدكتوراة في الآثار المادية للإسلام وعلى مدار أسبوع سمعت منه حكايات لا تنتهي عن هذا العلم، وكان ورقته عن آثار بناء وقفية (على ما أذكر) في عهد نور الدين محمود، وقد تعرف على تاريخ حاكم المدينة من آثار الوقفة التي حُفظت لنا للآن. وقد صادف ذلك عندي، أني وقتها كنت أسمع سلسلة صلاح الدين للشيخ أحمد السيد، وكان ثلثها الأول عن نور الدين محمود وعصره، وكنت أقول: كم في التاريخ من زوايا لا تنتهي!
ولعل لي عودة أوسع للحديث عن هذه التجربة وفائدتها العملية لاحقا إن قدر الله وأعان.
.
الصورة من المجموعة التي نعمل عليها وهي مجموعة تضم 3500 مسكوكة عربية في ولاية سكسونيا السفلى بألمانيا. وهذه الصورة لفلوس (جمع فِلس) ضربت في صدر الإسلام في عصر الأمويين، وفيها تطور الضرب ظاهر جدًا، بداية من الأشكال البيزنطية الصِرفة، إلى صورة القيصر البيزنطي مع الصليب/الصُلبان، ثم بداية دخول بداية الكلمات العربية (طيب - جائز - جيد ... إلخ)، وحتى استبدال صورة القيصر بصورة عبد الملك بن مروان (خليفة زمانه) وتوسع الضرب في بلاد المسلمين في ذلك الزمان (بلاد الشام)، ثم استبدال صورة عبد الملك بـ "لا إله إلا الله وحده" (على وجه) وسورة الإخلاص (على الآخر) مع بقية الأشكال المميزة للختم، ثم تعريب العملة كاملة (حوالي 72ل 76هـ). حتى جاء العباسيون واستبدلوا سورة الإخلاص بـ "محمد رسول الله" بالشكل المعروف على راية العقاب. أما العثمانيون، فلم نصل إلى دنانيرهم ودراهمهم بعد :)
BY قناة محمد فتوح

Share with your friend now:
group-telegram.com/IbnFotoh/542