group-telegram.com/aalwhebey/774
Last Update:
الوصْل غاية الوالِه، ومنتهى أمل العاشق، ولكن يد الأيام عنه -إلا ما شحّ- مغلولة، ولذا أتعس الغرام أهله. ولأجل ذاك كاد معظم شعر النسيب والغزل أن يكون تشوّقًا محضًا، ومديحًا مسهبًا للوصل، وهجاء طويلًا للعوائق الحائلة دونه، كالرقباء ونأي الديار وتعاكس الظروف. فإن استحكمت الفُرقة، واستحال اللقاء، كان ما تعرف من التفجّع المسترسل، والكآبة الداهمة. وهنا ذهب بعض الشعراء مذهبًا خاصًا، حيث وجدوا في يقينهم بالآخرة؛ ملاذًا يعلقون عليه آخر آمالهم بالوصال، ولم يكن ذلك إلا بعد ظهور شمس الشريعة ونور الإسلام، فانظر مثلًا لعروة بن حزام وقد أولع بمحبوبته عفراء ولعًا شديدًا، وبات يشهد حضورها في كل موضع، ويأمل مثولها في كل وجود، يقول:
ألا ليتَنا نحيَى جميعًا وليتَنا
إذا نحن مُتنا ضمَّنا كفنانِ
وإني لأهوى الحشرَ إذ قيل إنني
وعفراء يوم الحشر ملتقيانِ
فقد ذكر الموت، وسبقه إلى ذلك غيره، لكنه زاد وأربى وذكر هواه للحشر، ومعلوم أن الحشر موضع للفزع والخوف من هول المطلع، وشدة الحساب، إلا أن ما به أنساه ذلك كله، فإن كل موضع أو بقعة تسمح باللقاء فهي جديرة بالحبّ، وهذا مذهب لا أستحسنه. وفي هذا المعنى قول ابن زيدون في نونيته الخالدة وهو ألطف:
إن كان قد عز ّفي الدنيا اللقاء ففي
مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا
ولكن فاتهما ذكر الجنة، والطمع في اللقاء بها، فهي الغاية، وأحسن مواضع الاجتماع جملةً. وإذا ارتفعت بهذه المعاني إلى فوق سترى أن الموصوف آنفًا هو رمز لسائر أحوالك، فلا تنفك نفس عن وَلَه لمحبوب من الأناسي أو المحالّ أو الجاه أو المال، فلا بد لكل امرئٍ من إرادة متحركة ونزوع متجدد، ولا يتخلف ذلك إلا لعطب عارض، أو تلف لا حيلة فيه، وهو يرجو «اللقاء» يومًا ما، ولو يأس لترك، ولكن نفسه مفطورة على الأمل ومطبوعة على الرجاء في الجملة. وكلما كان المرجوّ داخلًا في الأهواء والمشتهيات القريبة كان الشقاء بطلبه أقبح، فإذا ارتفع الرجاء ليكون إلى العالم العلوي والأحوال الكاملة في النفس والجسد -مما لا يستطاع بلوغه في هيكل الطين- كان التعب في دركه أشرف وأنزه.
كتب هنري جيمس في روايته "رودريك هدسن": «لقد تعبت من نفسي، ومن أفكاري وشؤوني الخاصة، ومن صحبتي الدائمة لذاتي.. قيل لنا إن السعادة الحقيقية تكمن في أن يخرج المرء من ذاته؛ ولكن ليس المهم أن يخرج المرء من ذاته فحسب، بل يجب أن يبقى خارجًا؛ ولكي يبقى هناك يجب أن يكون لديه مهمة تستغرقه»، فلا بد من «الخروج» حتى تتهيأ النفس لـ«دخول» عالم القلوب السليمة، والنفوس الساطعة، التي تجعل مهمتها الخروج من هذا العالم بأقل الخسائر، وتعول على "اللقاء" هناك بكل المحبوبات.
BY عبدالله الوهيبي
Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260
Share with your friend now:
group-telegram.com/aalwhebey/774
