Telegram Group & Telegram Channel
في المجتمع الديموقراطي عادة يكون الجديد أو غير المتوقع، وحتى المستفز أو الجدالي المتعمد، أو يجب أن يكون مرحباً به بوصفه جوهر الجدال والخلاف اللذين يتفرع عنهما فهم أكبر وتصحيح في نهاية المطاف للأرثوذكسية السائدة إن كانت خاطئة. لكن ذلك لا يصح ربما بالنسبة إلى الصراع العربي - الإسرائيلي بقدر ما يصح بالنسبة إلى أي موضوع آخر تقريباً، أو أن ذلك ينطبق على الأقل على أولئك –أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة- الذين يهيمنون على النقاش ويجعلون مهمتهم تشكيل الأرثوذكسية والحفاظ عليها.
في هذه الظروف، ربما كان من قبيل حسن الحظ أن (البندقية وغصن الزيتون) لاقى طريقه إلى النشر، بغض النظر عن مقدار الفشل الذي واجهه آنذاك. وفي زمن صدوره، كان المعلق اليهودي الشهير، أ. ف. ستون، يعبر عن حزنه للصعوبة الشديدة التي أصبحت تواجهها أي وجهة نظر بديلة حول الشرق الأوسط في الحصول على أي أذن صاغية. وقبل ثلاثين سنة كان ستون قد فاز بمكانة بطولية بين اليهود الأميركيين لتغطيته المباشرة لفرار اليهود الأوروبيين إلى فلسطين بعد الحرب، ونال عليها ميدالية من هاغاناه، الميليشيا الصهيونية السابقة لقيام الدولة.
لكنه اضطر في السبعينيات إلى أن يكتب ما يلي: "لا تلاقي حرية النقاش حول الشرق الأوسط تشجيعاً؛ لا نحظى نحن المنشقين إلا نادراً بصوت سريع الزوال في الصحافة الأميركية... إن إيجاد دار نشر أميركية مستعدة لنشر کتاب يبتعد عن الخط الإسرائيلي المعياري يوازي سهولة بيع شرح عميق للإلحاد للمرصد الروماني في مدينة الفاتيكان".
ما من شك في أن الصهاينة تاريخياً لاقوا في كل مكان نجاحاً استثنائياً إلى حد كبير في الفوز بالتأييد الدولي لوجهة نظرهم وفي الحفاظ عليه، لكن ذلك لا يصح على أي مكان بقدر ما يصح على الولايات المتحدة حيث تمتعت إسرائيل كل الوقت بميل فريد إلى مصلحتها.

لقد نبع هذه العطف من خزان الموارد العاطفية والثقافية نفسها القائمة في أي مكان آخر في الغرب، والتي تتراوح بين الإيمان المسيحي -والفكرة العاطفية القائلة بأن عودة اليهود إلى أرض أسلافهم ستشكل تحقيقاً لنبوءة توراتية- وشعور الأغيار بالذنب لاضطهادهم اليهود عبر الأزمنة. لكنه كان هناك أقوى منه في أي مكان آخر، وكان المجتمع اليهودي الأميركي فاعلاً بشكل خاص في تحويله إلى دعم حكومي.
في كتابها (إدراك فلسطين)، تجادل كاثلين كريستيسون، المحللة السابقة في (سي. أي. آي)، أن "معظم الولايات المتحدة وقع في غرام إسرائيل".
وقال آخرون إن "الأميركيين والإسرائيليين كانوا يرتبطون معاً ليس كمثل أي شعبين سيدين آخرين"، أو إن التماثل كان قريباً إلى درجة أن إسرائيل "شاركت في وجود المجتمع الأميركي". كانت إسرائيل "واحدة منا"، موقعاً متقدماً للحضارة الغربية قلعة للديموقراطية، وحليفاً أساسياً في منطقة غريبة ومعادية ومضطربة غالباً.
وفيما اعتنقت الولايات المتحدة من دون تردد الرواية التاريخية الصهيونية، راحت ترى إسرائيل كما كانت إسرائيل ترى نفسها إلى هذا الحد أو ذاك. فولادتها كانت تعويضاً عن المحرقة، تلك الكارثة الكونية الكبرى، ونصراً للروح الإنسانية على عداء رهيب. وكانت "حرب الاستقلال" التي خاضتها، ذلك النضال الملحمي ضد عقبات هائلة شديدة الإيحاء بحيث إن نائب الرئيس آل غور تمكن بعد خمسين سنة من أن يقول، في سيل بلاغي لم يكن غير نمطي: "يشعر الأميركيون أن روابطنا بإسرائيل أبدية. لقد قام مؤسسونا، كمؤسسيكم برحلة في البرية بحثاً عن صهيون جديد. وكان نضالنا كنضالكم، إلهياً كما كان بشرياً. وقد أخبرنا أنبياؤنا، وأنبياؤكم، أن لديهم حلماً وقد جمعونا بحلمهم لخوض هذا النضال من أجل العدالة والسلام".

لكن ما بدا للمعجبين الأميركيين سامياً وراقياً كان بالنسبة إلى الفلسطينيين نكبة. والواقع أنهم يطلقون على ذلك بكل بساطة كلمة "النكبة" منذ وقوعه. فالواقع أن الدولة اليهودية، بغض النظر عن كونها في حد ذاتها حلماً محترماً، كانت كذلك في أساسها وولادتها ونموها اللاحق مشروعاً استعمارياً. ربما كانت تختلف في نبضها الأول عن تلك الحركة العريضة من الاستعمار الأوروبي في القرن التاسع عشر الذي تفرعت عنه، لكنها في الوسيلة والنتائج كانت جزءاً منها بشكل لا فكاك منه، ولم تقلّ عنها ظلماً أو قساوة في تأثيرها في سكان الأرض التي استعمرتها.

هذه هي الحقيقة التاريخية التي أقام عليها (البندقية وغصن الزيتون) حُـجته المركزية. فالعنف المستمر في الشرق الأوسط يتخذ مظهراً مختلفاً تماماً عن ذلك الذي تسبغه عليه الأرثوذكسية السائدة، ولو عُريت جذوره لتبين كذلك أن أكبر عمل من أعمال العنف في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي (حرب الاستقلال الإسرائيلية) كان في الحقيقة عملاً واسع النطاق من أعمال التطهير الإثني قد قرره الصهاينة واستعدوا له منذ أن وطئوا أرض فلسطين.
👍5



group-telegram.com/ansarmagazine/4931
Create:
Last Update:

في المجتمع الديموقراطي عادة يكون الجديد أو غير المتوقع، وحتى المستفز أو الجدالي المتعمد، أو يجب أن يكون مرحباً به بوصفه جوهر الجدال والخلاف اللذين يتفرع عنهما فهم أكبر وتصحيح في نهاية المطاف للأرثوذكسية السائدة إن كانت خاطئة. لكن ذلك لا يصح ربما بالنسبة إلى الصراع العربي - الإسرائيلي بقدر ما يصح بالنسبة إلى أي موضوع آخر تقريباً، أو أن ذلك ينطبق على الأقل على أولئك –أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة- الذين يهيمنون على النقاش ويجعلون مهمتهم تشكيل الأرثوذكسية والحفاظ عليها.
في هذه الظروف، ربما كان من قبيل حسن الحظ أن (البندقية وغصن الزيتون) لاقى طريقه إلى النشر، بغض النظر عن مقدار الفشل الذي واجهه آنذاك. وفي زمن صدوره، كان المعلق اليهودي الشهير، أ. ف. ستون، يعبر عن حزنه للصعوبة الشديدة التي أصبحت تواجهها أي وجهة نظر بديلة حول الشرق الأوسط في الحصول على أي أذن صاغية. وقبل ثلاثين سنة كان ستون قد فاز بمكانة بطولية بين اليهود الأميركيين لتغطيته المباشرة لفرار اليهود الأوروبيين إلى فلسطين بعد الحرب، ونال عليها ميدالية من هاغاناه، الميليشيا الصهيونية السابقة لقيام الدولة.
لكنه اضطر في السبعينيات إلى أن يكتب ما يلي: "لا تلاقي حرية النقاش حول الشرق الأوسط تشجيعاً؛ لا نحظى نحن المنشقين إلا نادراً بصوت سريع الزوال في الصحافة الأميركية... إن إيجاد دار نشر أميركية مستعدة لنشر کتاب يبتعد عن الخط الإسرائيلي المعياري يوازي سهولة بيع شرح عميق للإلحاد للمرصد الروماني في مدينة الفاتيكان".
ما من شك في أن الصهاينة تاريخياً لاقوا في كل مكان نجاحاً استثنائياً إلى حد كبير في الفوز بالتأييد الدولي لوجهة نظرهم وفي الحفاظ عليه، لكن ذلك لا يصح على أي مكان بقدر ما يصح على الولايات المتحدة حيث تمتعت إسرائيل كل الوقت بميل فريد إلى مصلحتها.

لقد نبع هذه العطف من خزان الموارد العاطفية والثقافية نفسها القائمة في أي مكان آخر في الغرب، والتي تتراوح بين الإيمان المسيحي -والفكرة العاطفية القائلة بأن عودة اليهود إلى أرض أسلافهم ستشكل تحقيقاً لنبوءة توراتية- وشعور الأغيار بالذنب لاضطهادهم اليهود عبر الأزمنة. لكنه كان هناك أقوى منه في أي مكان آخر، وكان المجتمع اليهودي الأميركي فاعلاً بشكل خاص في تحويله إلى دعم حكومي.
في كتابها (إدراك فلسطين)، تجادل كاثلين كريستيسون، المحللة السابقة في (سي. أي. آي)، أن "معظم الولايات المتحدة وقع في غرام إسرائيل".
وقال آخرون إن "الأميركيين والإسرائيليين كانوا يرتبطون معاً ليس كمثل أي شعبين سيدين آخرين"، أو إن التماثل كان قريباً إلى درجة أن إسرائيل "شاركت في وجود المجتمع الأميركي". كانت إسرائيل "واحدة منا"، موقعاً متقدماً للحضارة الغربية قلعة للديموقراطية، وحليفاً أساسياً في منطقة غريبة ومعادية ومضطربة غالباً.
وفيما اعتنقت الولايات المتحدة من دون تردد الرواية التاريخية الصهيونية، راحت ترى إسرائيل كما كانت إسرائيل ترى نفسها إلى هذا الحد أو ذاك. فولادتها كانت تعويضاً عن المحرقة، تلك الكارثة الكونية الكبرى، ونصراً للروح الإنسانية على عداء رهيب. وكانت "حرب الاستقلال" التي خاضتها، ذلك النضال الملحمي ضد عقبات هائلة شديدة الإيحاء بحيث إن نائب الرئيس آل غور تمكن بعد خمسين سنة من أن يقول، في سيل بلاغي لم يكن غير نمطي: "يشعر الأميركيون أن روابطنا بإسرائيل أبدية. لقد قام مؤسسونا، كمؤسسيكم برحلة في البرية بحثاً عن صهيون جديد. وكان نضالنا كنضالكم، إلهياً كما كان بشرياً. وقد أخبرنا أنبياؤنا، وأنبياؤكم، أن لديهم حلماً وقد جمعونا بحلمهم لخوض هذا النضال من أجل العدالة والسلام".

لكن ما بدا للمعجبين الأميركيين سامياً وراقياً كان بالنسبة إلى الفلسطينيين نكبة. والواقع أنهم يطلقون على ذلك بكل بساطة كلمة "النكبة" منذ وقوعه. فالواقع أن الدولة اليهودية، بغض النظر عن كونها في حد ذاتها حلماً محترماً، كانت كذلك في أساسها وولادتها ونموها اللاحق مشروعاً استعمارياً. ربما كانت تختلف في نبضها الأول عن تلك الحركة العريضة من الاستعمار الأوروبي في القرن التاسع عشر الذي تفرعت عنه، لكنها في الوسيلة والنتائج كانت جزءاً منها بشكل لا فكاك منه، ولم تقلّ عنها ظلماً أو قساوة في تأثيرها في سكان الأرض التي استعمرتها.

هذه هي الحقيقة التاريخية التي أقام عليها (البندقية وغصن الزيتون) حُـجته المركزية. فالعنف المستمر في الشرق الأوسط يتخذ مظهراً مختلفاً تماماً عن ذلك الذي تسبغه عليه الأرثوذكسية السائدة، ولو عُريت جذوره لتبين كذلك أن أكبر عمل من أعمال العنف في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي (حرب الاستقلال الإسرائيلية) كان في الحقيقة عملاً واسع النطاق من أعمال التطهير الإثني قد قرره الصهاينة واستعدوا له منذ أن وطئوا أرض فلسطين.

BY مجلة أنصار النبي ﷺ


Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260

Share with your friend now:
group-telegram.com/ansarmagazine/4931

View MORE
Open in Telegram


Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

But Kliuchnikov, the Ukranian now in France, said he will use Signal or WhatsApp for sensitive conversations, but questions around privacy on Telegram do not give him pause when it comes to sharing information about the war. DFR Lab sent the image through Microsoft Azure's Face Verification program and found that it was "highly unlikely" that the person in the second photo was the same as the first woman. The fact-checker Logically AI also found the claim to be false. The woman, Olena Kurilo, was also captured in a video after the airstrike and shown to have the injuries. Stocks dropped on Friday afternoon, as gains made earlier in the day on hopes for diplomatic progress between Russia and Ukraine turned to losses. Technology stocks were hit particularly hard by higher bond yields. Artem Kliuchnikov and his family fled Ukraine just days before the Russian invasion. "Your messages about the movement of the enemy through the official chatbot … bring new trophies every day," the government agency tweeted.
from us


Telegram مجلة أنصار النبي ﷺ
FROM American