Telegram Group & Telegram Channel
=
قال السعد التفتازاني في شرح المقاصد في علم الكلام (2/ 246): "ليس لمجتهد أن يتعرض بالردع والزجر على مجتهد آخر في موضع الخلاف؛ إذ كل مجتهد مصيب في الفروع عندنا، ومن قال: إن المصيب واحد، فهو غير متعين عنده، وذكر في محيط الحنفية أن للحنفي أن يحتسب على الشافعي في أكل الضبع، ومتروك التسمية عمدًا، وللشافعي أن يحتسب على الحنفي في شرب المثلث، والنكاح بلا ولي".

فتأمل كيف أنه أرجع الأمر إلى مبحث كلامي (هل المصيب واحد) أو الحق يتعدد، وهذا عين كلام ابن تيمية في أن قاعدة (لا إنكار في المسائل الخلاف) عائدة إلى مبنى عقدي كلامي، وليست مسألة أصولية فقهية محضة.

والمرء إذا قال بتكافؤ الأدلة في الفقهيات فإن هذا يفتح الباب عليه في المسائل الأخرى الأكبر، ولهذا قال من قال (وآخره زندقة).

لأن المسائل العملية قد يكون فيها الدليل ظاهراً وقوياً، ويكون بعض الأئمة زل لعدم بلوغ الأدلة له، ولا يجوز تقليده مع احترامه، وهذا يقع في المسائل العلمية والعملية معاً. ومن هنا نقد ابن تيمية تقسيم المتكلمين للدين لمسائل أصول وهي العلمية، وفروع وهي العملية. ثم تجد قائلهم يقول: لا إنكار في مسائل الخلاف، ويعني العملية، وبعض هذه المسائل يضاهي مسائل علمية قوة، ولهذا تجد في بعض كتب المتقدمين في العقيدة ذكر مسائل فقهية قوي دليلها وإن خالف فيها فاضل، فتلك زلة عالم لا تتبع.

قال ابن تيمية كما في الفتاوى الكبرى (6/96): "وقولهم مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح فإن الإنكار، إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل أما الأول فإذا كان القول يخالف سنة، أو إجماعا قديما وجب إنكاره وفاقا، وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء، وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة، أو إجماع وجب إنكاره أيضا بحسب درجات الإنكار كما ذكرناه من حديث شارب النبيذ المختلف فيه، وكما ينقض حكم الحاكم إذا خالف سنة، وإن كان قد اتبع بعض العلماء".

هنا الشيخ بيّن ببراعة أنه لا يمكن أن يجتمع تقليد أحمد والشافعي ومالك والقول بأنه لا إنكار في مسائل الخلاف، لأنهم يرون الجلد في النبيذ المختلف فيه، وذلك من أشد الإنكار وقد انتبه لهذه النكتة العلمية تلميذه ابن مفلح.

قال ابن مفلح في الآداب الشرعية معلقاً على قول من يقول لا إنكار في مسائل الخلاف من الحنابلة: "وهذا الكلام منهم مع قولهم يحد شارب النبيذ متأولا ومقلدا أعجب، لأن الإنكار يكون وعظا وأمرا ونهيا وتعزيرا وتأديبا وغايته الحد، فكيف يحد ولا ينكر عليه أم كيف يفسق على رواية ولا ينكر على فاسق؟".

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أربع قواعد تدور عليها الأحكام: "إن أراد القائل مسائل الخلاف كلها، فهذا باطل يخالف إجماع الأمة، فما زال الصحابة ومن بعدهم ينكرون على من خالف وأخطأ كائنًا من كان، ولو كان أعلم الناس وأتقاهم، وإذا كان اللَّه بعث محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- بالهدى ودين الحق، وأمرنا باتباعه وترك ما خالفه، فمن تمام ذلك أن من خالفه من العلماء مخطئ يُنبه على خطئه، وينكر عليه. وإن أُريد بمسائل الاجتهاد مسائل الخلاف التي لم يتبين فيها الصواب، فهذا كلام صحيح، لا يجوز للإنسان أن ينكر الشيء؛ لكونه مخالفًا لمذهبه، أو لعادة الناس".

وهل هذا التأصيل من مفاريد ابن تيمية؟

تقدم معنا كلام التفتازاني وأمر النبيذ مشهور في كتب المذاهب، وسأزيد نقولات عن مذهبيين معتمدين عند المخالف:

قال النووي في المنهاج (2/23): "لم يزل الخلاف في الفروع بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم -رضي اللَّه عنهم أجمعين - ولا ينكر محتسب ولا غيره على غيره، وكذلك قالوا: ليس للمفتى ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصًّا أو إجماعًا أو قياسًا جليًّا".

تأمل القيد (إذا لم يخالف نصًّا أو إجماعًا أو قياسًا جليًّا) فمعناه إن وجدت واحدة من هذه جاز الإنكار.

وقال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم: "والمنكر الذي يجب إنكاره ما كان مجمعًا عليه، فأما المختلف فيه، فمن أصحابنا من قال: لا يجب إنكاره على من فعله مجتهدًا أو مقلدًا لمجتهد تقليدًا سائغًا، واستثنى القاضي في الأحكام السلطانية ما ضعف فيه الخلاف، وإن كان ذريعة إلى محظور متفق عليه، كربا النقد، فالخلاف فيه ضعيف، وهو ذريعة إلى ربا النساء المتفق على تحريمه، وكنكاح المتعة، فإنه ذريعة إلى الزنا".

والعجيب من أصحاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي جعلوا كلام أبي يعلى مناقضاً لكلام النووي، وليسا متناقضين.
=
1



group-telegram.com/alkulife/10856
Create:
Last Update:

=
قال السعد التفتازاني في شرح المقاصد في علم الكلام (2/ 246): "ليس لمجتهد أن يتعرض بالردع والزجر على مجتهد آخر في موضع الخلاف؛ إذ كل مجتهد مصيب في الفروع عندنا، ومن قال: إن المصيب واحد، فهو غير متعين عنده، وذكر في محيط الحنفية أن للحنفي أن يحتسب على الشافعي في أكل الضبع، ومتروك التسمية عمدًا، وللشافعي أن يحتسب على الحنفي في شرب المثلث، والنكاح بلا ولي".

فتأمل كيف أنه أرجع الأمر إلى مبحث كلامي (هل المصيب واحد) أو الحق يتعدد، وهذا عين كلام ابن تيمية في أن قاعدة (لا إنكار في المسائل الخلاف) عائدة إلى مبنى عقدي كلامي، وليست مسألة أصولية فقهية محضة.

والمرء إذا قال بتكافؤ الأدلة في الفقهيات فإن هذا يفتح الباب عليه في المسائل الأخرى الأكبر، ولهذا قال من قال (وآخره زندقة).

لأن المسائل العملية قد يكون فيها الدليل ظاهراً وقوياً، ويكون بعض الأئمة زل لعدم بلوغ الأدلة له، ولا يجوز تقليده مع احترامه، وهذا يقع في المسائل العلمية والعملية معاً. ومن هنا نقد ابن تيمية تقسيم المتكلمين للدين لمسائل أصول وهي العلمية، وفروع وهي العملية. ثم تجد قائلهم يقول: لا إنكار في مسائل الخلاف، ويعني العملية، وبعض هذه المسائل يضاهي مسائل علمية قوة، ولهذا تجد في بعض كتب المتقدمين في العقيدة ذكر مسائل فقهية قوي دليلها وإن خالف فيها فاضل، فتلك زلة عالم لا تتبع.

قال ابن تيمية كما في الفتاوى الكبرى (6/96): "وقولهم مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح فإن الإنكار، إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل أما الأول فإذا كان القول يخالف سنة، أو إجماعا قديما وجب إنكاره وفاقا، وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء، وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة، أو إجماع وجب إنكاره أيضا بحسب درجات الإنكار كما ذكرناه من حديث شارب النبيذ المختلف فيه، وكما ينقض حكم الحاكم إذا خالف سنة، وإن كان قد اتبع بعض العلماء".

هنا الشيخ بيّن ببراعة أنه لا يمكن أن يجتمع تقليد أحمد والشافعي ومالك والقول بأنه لا إنكار في مسائل الخلاف، لأنهم يرون الجلد في النبيذ المختلف فيه، وذلك من أشد الإنكار وقد انتبه لهذه النكتة العلمية تلميذه ابن مفلح.

قال ابن مفلح في الآداب الشرعية معلقاً على قول من يقول لا إنكار في مسائل الخلاف من الحنابلة: "وهذا الكلام منهم مع قولهم يحد شارب النبيذ متأولا ومقلدا أعجب، لأن الإنكار يكون وعظا وأمرا ونهيا وتعزيرا وتأديبا وغايته الحد، فكيف يحد ولا ينكر عليه أم كيف يفسق على رواية ولا ينكر على فاسق؟".

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أربع قواعد تدور عليها الأحكام: "إن أراد القائل مسائل الخلاف كلها، فهذا باطل يخالف إجماع الأمة، فما زال الصحابة ومن بعدهم ينكرون على من خالف وأخطأ كائنًا من كان، ولو كان أعلم الناس وأتقاهم، وإذا كان اللَّه بعث محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- بالهدى ودين الحق، وأمرنا باتباعه وترك ما خالفه، فمن تمام ذلك أن من خالفه من العلماء مخطئ يُنبه على خطئه، وينكر عليه. وإن أُريد بمسائل الاجتهاد مسائل الخلاف التي لم يتبين فيها الصواب، فهذا كلام صحيح، لا يجوز للإنسان أن ينكر الشيء؛ لكونه مخالفًا لمذهبه، أو لعادة الناس".

وهل هذا التأصيل من مفاريد ابن تيمية؟

تقدم معنا كلام التفتازاني وأمر النبيذ مشهور في كتب المذاهب، وسأزيد نقولات عن مذهبيين معتمدين عند المخالف:

قال النووي في المنهاج (2/23): "لم يزل الخلاف في الفروع بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم -رضي اللَّه عنهم أجمعين - ولا ينكر محتسب ولا غيره على غيره، وكذلك قالوا: ليس للمفتى ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصًّا أو إجماعًا أو قياسًا جليًّا".

تأمل القيد (إذا لم يخالف نصًّا أو إجماعًا أو قياسًا جليًّا) فمعناه إن وجدت واحدة من هذه جاز الإنكار.

وقال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم: "والمنكر الذي يجب إنكاره ما كان مجمعًا عليه، فأما المختلف فيه، فمن أصحابنا من قال: لا يجب إنكاره على من فعله مجتهدًا أو مقلدًا لمجتهد تقليدًا سائغًا، واستثنى القاضي في الأحكام السلطانية ما ضعف فيه الخلاف، وإن كان ذريعة إلى محظور متفق عليه، كربا النقد، فالخلاف فيه ضعيف، وهو ذريعة إلى ربا النساء المتفق على تحريمه، وكنكاح المتعة، فإنه ذريعة إلى الزنا".

والعجيب من أصحاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي جعلوا كلام أبي يعلى مناقضاً لكلام النووي، وليسا متناقضين.
=

BY قناة | أبي جعفر عبدالله الخليفي


Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260

Share with your friend now:
group-telegram.com/alkulife/10856

View MORE
Open in Telegram


Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

Markets continued to grapple with the economic and corporate earnings implications relating to the Russia-Ukraine conflict. “We have a ton of uncertainty right now,” said Stephanie Link, chief investment strategist and portfolio manager at Hightower Advisors. “We’re dealing with a war, we’re dealing with inflation. We don’t know what it means to earnings.” "There are several million Russians who can lift their head up from propaganda and try to look for other sources, and I'd say that most look for it on Telegram," he said. In the past, it was noticed that through bulk SMSes, investors were induced to invest in or purchase the stocks of certain listed companies. On December 23rd, 2020, Pavel Durov posted to his channel that the company would need to start generating revenue. In early 2021, he added that any advertising on the platform would not use user data for targeting, and that it would be focused on “large one-to-many channels.” He pledged that ads would be “non-intrusive” and that most users would simply not notice any change. Following this, Sebi, in an order passed in January 2022, established that the administrators of a Telegram channel having a large subscriber base enticed the subscribers to act upon recommendations that were circulated by those administrators on the channel, leading to significant price and volume impact in various scrips.
from ca


Telegram قناة | أبي جعفر عبدالله الخليفي
FROM American