بدأ الشيخ إبراهيم السكران أولى تعبيراته في كتابه بـ"سطوة القرآن"، وأخذ يُعدد ما يمكن أن يفعله القرآن في النفس البشرية حتى وإن كانت لا تتكلم العربية، وتأثير هذا الذِكر والترتيل على النفس حتى وإن لم تكن مسلمة، فوضح بصور متعددة ما للقرآن من تأثير عميق في تغيير الإنسان، وتوجيهه، وحمله على التقوى والهدى. فيُصلح القلوب، ويُقوم العقول.

ثم أخذ محورًا آخر يتكلم فيه عن فئة من الناس لا تتأثر بهذا الذِكر! ولا يكن لكلام الله سطوة عليهم، ولا تتغير قلوبهم ولا أفكارهم، إلى آخره من عدم تحقق ثمرة تنزيل كلام الله -سبحانه وتعالى- على نبيه ﷺ فيهم. وذكر قوله سبحانه وتعالى: "فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ".

وهنا وقفة:

ماذا فعل هذا الإنسان في نفسه حتى يقسى قلبه؟ وهنا لا نتكلم عن سطوة الشيطان، بل عن سطوة الإنسان على نفسه!

فنرى أُناسًا تخلّوا عن اتباع النصوص الشرعية بإرادتهم وليس كرهًا، يُجادلون ما أتى فيها، وتتعالى نفوسهم على معانيها، آخذين بذلك سبيلًا للترويج بما يسمونها "الحرية الشخصية"، ويتعاملون في هذا الكون وكأنهم سادة أنفسهم، وهم في حقيقة الأمر لم يكونوا إلّا عُبادًا لشهواتهم وهواهم، ثم نرى جميعًا مآلات أفكارهم وسوآت أنفسهم، فلم يعدوا قادرين على جَمح فسادهم وقذائرهم.

لماذا ..؟!
الإنسان إن لم يرَ حقيقة حريته بعيني الوحي، سينصدم بلا شك مع غرائزه البشرية، فتميل نفسه وتزيغ إلى كل ما هو غائب عنها ومُحرّم عليها، مناديةً للتمرد على هذا الوحي الذي أراد أن يقومها، معللةً أنه يجمحها! متناسية لقول الله تعالى: "وَمَن أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا"، فلا تعرف أنها تهلك نفسها بنفسها.

على الوجه الآخر، نرى أنه بمقدار تحقيق الإنسان العبودية لله والتوكل عليه، والاعتصام به سبحانه وتعالى، بمقدار ما تحرر من سطوة نفسه وهواه، ومن سطوة غرائزه وسلطتها عليه، وحتى وإن صعُبت حياته، لا تصعب معيشته!

وهذا هو سر "سطوة القرآن":
من سيعرفك أكثر من خالقك؟ يعرف -سبحانه وتعالى- مُدخلاتك، تقلبات هواك، خفاياك، وأسرارك، يعرف ما الذي يشغلك، وما يهمُك، هو الذي سواك على ما أنت عليه، وهو الذي فطرك على ما أنت عليه.

فيأتي القرآن بكلام رب الناس، يرشدهم في جميع سياقات حياتهم، ويعطيهم حلولًا لجميع قضاياهم على مر الأزمان، ويرسم لهم الخطة المنهجية الصحيحة، إن تبعوها سلموا! وإن لم يتبعوها هلكوا!

ويأتي الإنسان وهو يسمع كلام ربه لأول مرة فيقول: "والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق"!، يُغير أمة بأكملها، ويعبر بهم من قمة الجاهلية إلى عز الحضارة الإسلامية، فقط بالتسليم له والعمل به!

.. فأقبل على كتاب الله بقلب المُستهدي، وبعمل المُحب، امسك كتاب الله وأترك له المجال يُقوّم نفسك، ثم أعطها بعض الوقت لتسمع وتنصت لمعاني كلام ربك، هدأها، وروضها، واصبر، واطلب من الله الهداية.

~اللهم اجعلنا من أهل القرآن، اللهم أحيِ قلوبنا بالقرآن، اللهم اجعلنا ممن إذا استمعوا للقرآن اقشعر جلدهم ثم لانت قلوبهم، وسلمت أنفسهم لكلامك، اللهم اجعلنا ممن إذا تُليت عليهم آياتُك خروا سُجدًا وبُكيًا، اللهم إنا نلتجئ إليك ونعتصم بجنابك أن لا تجعلنا من القاسية قلوبهم من ذكر الله.

#الطريق_إلى_القرآن ٢