group-telegram.com/ansarmagazine/3842
Last Update:
والثبات على الطاعة هو سُنَّة الحبيب محمد ﷺ، وفي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبيَّ كان إذا عمل عملاً أثبته، وفي الصَّحيحين من حديثها أيضًا أنَّها قالت: "ما كان رسول الله يَزِيد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة".
وعند مسلمٍ عن عائشةَ زوجِ النبيِّ ﷺ أنها كانت تقولُ: قال رسول الله ﷺ: "سَدِّدوا وقارِبُوا وأبشِروا، فإنَّه لن يُدخِل الجنَّةَ أحدًا عملُه". قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أنْ يتغمَّدني الله منه برحمةٍ، واعلموا أنَّ أحبَّ العمل إلى الله أدومُه وإنْ قلَّ".
وأخرج البخاريُّ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ ﷺ قال: "إنَّ الدِّين يسرٌ، ولن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه، فسدِّدوا، وقارِبوا، وأبشِروا، واستَعِينوا بالغدوة والروحة وشيءٍ من الدلجة".
قال ابن حجر: "قوله: (فسددوا) أي: الزَمُوا السدادَ؛ وهو الصواب بلا إفراطٍ ولا تفريطٍ، قال أهل اللغة: السداد التوسُّط في العمل، قوله: (وقاربوا)؛ أي: إنْ لم تستطيعوا الأخْذ بالأكمل فاعمَلُوا بما يقربُ منه، قوله: (وأبشروا)؛ أي: بالثواب على العمل الدائم وإنْ قلَّ، وأبهمَ المبشَّر به تعظيمًا له".
ونقل ابنُ حجرٍ عن النوويِّ قوله: "بدوامِ القليل تستمرُّ الطاعة بالذِّكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله، بخِلاف الكثير الشاقِّ، حتى ينمو القليل الدائم بحيث يزيدُ على الكثير المنقطِعِ أضعافًا كثيرة".
وقال ابن الجوزي: "إنما أحبُّ الدائم لمعنيَيْن:
أحدهما: أنَّ التارك للعمل بعد الدُّخول فيه كالمُعرِض بعد الوصل، فهو مُتعرِّض للذَّمِّ؛ ولهذا ورَدَ الوعيد في حقِّ مَن حفظ آيةً ثم نسيها، وإنْ كان قبلَ حفظِها لايتعيَّنُ عليه.
ثانيهما: أنَّ مُداوم الخير مُلازمٌ للخدمة، فليس من لازمِ الباب في كلِّ يوم وقتًا ما؛ كمَن لازَمَ يومًا كاملاً ثم انقطع".
وقال ابن حجر: "وقولها: "الدائم"؛ أي: المواظبة العرفيَّة".
وقال أيضًا: "والمداومة على العبادة وإنْ قلَّت أَوْلَى من جهد النفس في كثرتها، فالقليلُ الدائم أفضلُ من الكثيرِ المنقطع غالبًا".
وقال النووي: "قولها: "الدائم" فيه الحثُّ على القصد في العبادة، وأنَّه ينبغي للإنسان ألا يحتمل من العبادة إلا ما يطيقُ الدوام عليه، ثم يحافظ عليه".
وقال النوويُّ: باب فضيلة العمل الدائم من قِيام الليل وغيره: قوله ﷺ: "عليكم من الأعمال ما تطيقون"؛ أي: تُطِيقون الدَّوام عليه بلا ضررٍ، وفيه دليلٌ على الحثِّ على الاقتصاد في العبادة، واجتناب التعمُّق، وليس الحديث مختصًّا بالصلاة بل هو عامٌّ في جميع أعمال البر.
وقال ابن حجر: قوله: "واستعينوا بالغدوة"؛ أي: استَعِينوا على مُداوَمة العبادةِ بإيقاعها في الأوقات المنشطة، والغدوة بالفتح سير أوَّلِ النَّهارِ، وقال الجوهري: ما بين صلاة الغداة وطُلوع الشمس. والروحة بالفتح السير بعد الزَّوال، والدلجة بضمِّ أوَّله وفتحه وإسكان اللام سير آخِر الليل، وقيل: سير الليل كله؛ ولهذا عبَّر فيه بالتبعيض، ولأنَّ عمل الليل أشقُّ من عمل النهار، وهذه الأوقات أطيبُ أوقاتِ المسافر، وكأنَّه ﷺ خاطَبَ مُسافرًا إلى مقصد، فنبَّهَه على أوقاتِ نشاطه؛ لأنَّ المسافر إذا سافَر الليلَ والنهارَ جميعًا عجز وانقطع، وإذا تحرَّى السيرَ في هذه الأوقات المنشطة أمكنَتْه المداومة من غير مشقَّةٍ، وحسَّن هذه الاستعارة أنَّ الدنيا في الحقيقة دارُ نقلةٍ إلى الآخِرة، وأنَّ هذه الأوقات بخصوصها أروَحُ ما يكونُ فيها البدن للعبادة.
الثبات على الطاعة سببٌ لِحُسن الخاتمة
فإذا داومَ العبد على الطَّاعات، كان من أعظم الأسباب لتحقيق حُسْن الخاتمة، وقد جرَتْ سُنَّة الله في خلقه أنَّ من داوم على شيءٍ مات عليه، ومن مات على شيءٍ بُعِث عليه، وكما في الحديث الذي أخرجه مسلمٌ من حديث جابر رضي الله عنه: "يُبعث كلُّ عبد على مات عليه".
فهذا شأن المؤمن عمل ووجل، استمرار ورجاء، ثبات ونبات، فمن ثبت نبت، وهكذا كان سلفنا الكرام؛ قال عبدالعزيز بن أبي رواد رحمه الله أحد الأئمة العُباد: "أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهمّ، أيقبل منهم أم لا؟".
فهذا حالهم رضوان الله عليهم، فهل حالنا كحالهم، وعملنا كعملهم؟ أصلح الله أحوالنا!
ولا تزال أيها الحبيب متشبّثا بحبل الدّعاء من ربّ الأرض والسّماء ليثبت قلبك، ويبلغك أملك في مرضاته؛ فذلك دأب النّبيّ الحبيب ﷺ وأن تسأل الرّحمن الثبات على ذلك حتى الممات، فقد قيل لأمّ سلمة رضي الله عنها: "ما كان أكثر دعاء رسول الله ﷺ إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك، قالت: فقلت: يا رسول الله، ما أكثر دعاءك: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك؟ قال: يا أم سلمة، إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ".
BY مجلة أنصار النبي ﷺ
Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260
Share with your friend now:
group-telegram.com/ansarmagazine/3842