group-telegram.com/glodenagenonpervert/894
Last Update:
لا يمكن لوم من مدح هذا العمل وأعلا من شأنه ووضعه مرتبة ليست كغيره، إذ ليس من المبالغة عدُّ Arcane تحفة فنية فلسفية تتجاوز كونه كرتونا ورسومات، فالمسلسل لا يقتصر على تقديم شخصيات أو حبكة متسقة، بل كأنه يعوز لأخذ الشخصيات والسرد وسيلة لطرح قضايا فلسفية وجودية، وسياسية.
ما يجعله عملا متفردا هو رفضه للثنائيات المبسطة، فلا وجود لخير مطلق، ولا لشر خالص، فلكي توجد الأشياء، لا بد أن يوجد نقيضها معها، ليس كخصم خارجي، بل كمكون جوهري في تعريفها، الهيكستك، الذي خُلق لحماية البشر، أصبح سريعا أداة للدمار، ليس لأن البشر أشرار بطبيعتهم، بل لأن كل شيء مشروط بازدواجيته، فالخير لا يوجد دون الشر، الحب لا يُفهم دون الكراهية، النور لا يُدرك دون الظلام، وهناك سحر في الطريقة التي يلتقط بها المسلسل جوهر الإنسانية هذا.
يبدأ المسلسل، باستدعائه للمسألة الأزلية: كيف ينبغي أن يُدار المجتمع؟ ومن يملك السلطة لتحديد مصائر الأفراد؟
ومن الصعب تجاهل أوجه الشبه بين بيلتوفر كما يعرضها، وجمهورية أفلاطون كما كتبها في القرن الرابع قبل الميلاد، في الجمهورية، قُسمت المدينة الفاضلة إلى ثلاث طبقات:
الحكام الفلاسفة، وهم المدفوعون بالعقل والحكمة.
المحاربون، وهم الذين تحركهم الروح والشجاع.
المنتجون وهم المحكومون بالشهوة والرغبات المادية.
في بيلتوفر، إعادة إنتاج لهذا النموذج، وإن كان بشكل أكثر حداثة وعلموية، فالعلماء والأكاديميون يقودون المجتمع، حاملين شعار التقدم، بينما تمثل قوات الأمن (المنفذون، ثم لاحقا النوكسوس) الطبقة العسكرية التي تمارس القوة لحفظ النظام، أما سكان زون، فهم طبقة المنتجين، الذين يُنظر إليهم على أنهم مدفوعون فقط بغرائزهم المادية، أشبه بالحرفيين والتجار في جمهورية أفلاطون.
لكن على عكس أفلاطون، الذي رأى أن تقسيم المجتمع بهذا الشكل يحقق العدالة، يتناول العمل الوجه المظلم لهذا النموذج وتداعياته، فلا يقتصر الصراع بين بيتلتوفر وزون على كونه نزاعا سياسيا واقتصاديا، بل وصل الأمر لأن تحرم الطبقات العليا الطبقات السفلى شروط العيش الأساسية، فتبحث عن خلاصها بأي وسائل، وهو ما أدى بشخصية سيلكو لاتخاذ سبل قد تبدو في خانة الشر، إلا أنها لا تصنف إلا بالمنطق البارد للقوة غير المقيدة، الذي رآه الشرط الوحيد لاستعادة حقوق مدينة زون وكرامتها، وشخصيته هي حصيلة نظام اجتماعي غير عادل وظلم كبير تعرض له، لأن الطبقة الحاكمة تخلق الظروف التي تجعلهم في وضع دائم من الاستغلال والحرمان، وسيلكو عكس صديقه فاندر الذي طالما كان يسعى لتحقيق توازن بطرق دبلوماسية بين زون وبيلتوفر، بينما سيلكو على النقيض، إذ يرى الثورة العنيفة هي السبيل الوحيد للتحرر.
غير أن الشخصية الأكثر تعقيدا برأيي هي فيكتور، فهو يشبه في طموحه الصانع في تيماوس لأفلاطون، الكائن الذي يسعى لخلق عالم أكثر كمالا، لكن تطلعات فيكتور تحتاج كتابات كاملة مستقلة لسبر أغوارها، وكذا أغلب الشخصيات.
واحدة من أكثر العبارات التي أعجبتني هي عندما يقول العالم سينجد وهو برأيي أفخم شخصية في المسلسل، بأن "لا أحد في السلطة بريء"، وهذه ربما هذه هي الحقيقة التي يواجهها المشاهد أن لا يوجد خير خالص ولا شر خالص، بل فقط أشخاص يتخذون قرارات، مدفوعين بمصالحهم وكل قرار، مهما بدا نبيلا، يحمل توابع من الظلم على أحد ما.
عامة، ما يجعل هذا العمل الفني استثنائيا هو عرضه العظيم لفلسفة الخير والشر، والتقدم ودورة الحضارة، والحتمية والإرادة الحرة، ومحاولة التأله والنقص البشري، والقوة والضعف، وكل شخصية هي فلسفة قائمة بنفسها، وكل قراراتها بناءا على فهمها الخاص للعالم وموقعها فيه، وهذا التعقيد في الشخصيات يجعلك تتعاطف معها وتتبنى بعض مواقفها، رغم أخطائها، وقدرة المسلسل على إظهار هذه الازدواجية في كل شخصية هي عجيبة بصراحة.
BY Groundless Ground

Share with your friend now:
group-telegram.com/glodenagenonpervert/894