group-telegram.com/melhamy/8672
Last Update:
الجوع إلى البطولة..
أمسينا على صور سينمائية للأميرة سلمى بنت عبد الله (ملك الأردن)، وهي تشارك في عملية "إنزال جوي" قامت بها القوات الجوية الأردنية لإسقاط مستلزمات طبية في شمال غزة.. هكذا زعموا!
سأترك تفنيد الحقيقة من المزاعم للمراسلين والصحافيين، ذلك أني أريد الكلام عن أمر آخر..
في الأيام الماضية شُنَّت حملة شعواء على الملثم، محبوب الجماهير الإسلامية كلها، يزعم فيها أتباع الأنظمة أنه يقيم في فندق تركي أو قطري..
وبالمناسبة: لو تبين لي فعلا أنه يقيم في فندق فلست أرى في هذا أي بأس، فإن المحافظة على القادة وعلى الراية وعلى رموز المعركة هو من أولويات الحرب العظمى، فإن النكبة فيهم تكون نكبة عارمة، وتكون بمثابة قتل الشعوب وأفراد المقاومة.. بل الحقيقة أني أرى هذا نوعا من ذكاء المقاومة وإعدادها وحساباتها لكل الأحوال.
لكن السؤال هنا: لماذا يهاجمون هذا الملثم الذي تعلقت به قلوب الناس، مع أنه لم يذكر حكوماتهم بسوء؟!
والجواب: لأنه الذي يبث في هذه الجماهير حرارة البسالة، يشبع فيها الجوع إلى البطولة، يعطيها ما حُرِمَتْه من النصر على كثرة ما في بلادها من مظاهر الجيوش والعساكر والأسلحة!
رجل بلا نيشان يدفن في طلعته النياشين الخزفية المزيفة التي تغطي صدور الزعماء المهزومين!
على أني لن أتوقف هنا أيضا، أريد أن أدخل في موضوع آخر..
هل تذكرون قول الحسن البصري: إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين، فإن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم. أبى الله إلا أن يذل من عصاه؟
والمعنى: مهما مشى هؤلاء الكبراء في مواكب فارهة على خيول مطهمة مزينة، فإنهم في أنفسهم أذلاء صغار!
هؤلاء الذين يملؤون صدورهم بالنياشين، وتغني عليهم وسائل إعلامهم ليل نهار بأخبار بطولاتهم وحكمتهم وقوتهم وشجاعتهم.. يعرفون في قرارة أنفسهم أنهم ضعفاء حقراء لا يساوون شيئا!
ولذلك تراهم صامتين ساكتين وهم يسمعون تصريحات الصهاينة والأمريكان يصفونهم بالدواب، وبأنهم يحمون مؤخراتهم، وبأنهم يحسنون الخدمة... إلخ!
ومثل هؤلاء إذا ظهر في الناس أمثال الملثم فإنهم يكون عليهم كالصاعقة الحارقة الكاوية.. فمهما ضبط الملثم لسانه فإن الناس تقارن وتعرف وتحكم.
لهذا يلجأ السفاحون، الفارغون من القوة، إلى اصطناع المشاهد السينمائية لأنفسهم، يشبعون بها جوعهم إلى البطولة..
سفاح أوغندا عيدي أمين، أنتج فيلما لنفسه، مثَّل فيه دور البطل الذي يحارب التماسيح في أدغال إفريقيا.. وبعد هذا الفيلم اكتسحته القوات التنزانية، وهرب منها بحياته، ولجأ إلى السعودية حتى مات!
السادات كتب مذكراته بنفسه، ونشرها وهو رئيس للجمهورية، فجعل نفسه قطب الرحى في ثورة يوليو.. ومن فرط شهوته كان كمن نسي أنه هو الذي كتب "يا ولدي هذا عمك جمال"، حيث كان جمال عبد الناصر هو قطب الرحى! وكان بذلك أول رئيس -فيما أعلم- يصدر مذكراته لنفسه وهو في الحكم.
ولدينا عبد الفتاح السيسي، السفاح القزم، أشرف بنفسه على مسلسل يحكي قصته وهو في الحكم، فراجع نصه واختار ممثليه وشاهده مشهدا مشهدا قبل خروجه.. فعل هذا بنفسه وهو في الحكم!.. فعلها وهو الذي تآكلت منه مصر أرضا ومياها وغازا، وصار أول حاكم في تاريخ مصر يُسرق منه النيل ولا يفعل شيئا!!
والقذافي.. سفاح ليبيا، ملك النياشين وأسطورة العشق للمشاهد السينمائية الغرائبية، وهو الذي لم ينتصر مرة في معركة واحدة!
والملك عبد الله، ملك الأردن، ظهر بنفسه في فيلم أمريكي.. لا أتذكر اسمه الآن.. ثم ها هو يسمح بمقطع سينمائي لابنته!!
نعم، هذا هو الجوع إلى البطولة.. محاولة إشباع تلك الرغبة الدفينة، محاولة الخروج من ذلك الذل العميق القابع في أغوار القلوب.. فإن لم تكن حقا، كانت تمثيلا!!
وقديما ضرب العرب مثلا لهؤلاء برجل اسمه أبو حية النمري، كان يزعم لنفسه البطولة، فلما سمع حركة في بيته امتشق سيفه وألقى خطبة عصماء يهدد بها اللص المقتحم.. فلما تبين أنه فأرٌ تنهد قائلا: الحمد لله الذي أسخطك فأرا، وكفاني حربا!
ومرَّ المتنبي برجلين يفتخران بأنهما قتلا فأرا، فأنشد فيهما هذه الأبيات اللاذعة، يقول:
لقد أصبح الجرذ المستغير .. أسير المنايا صريع العطب
رماه الكناني والعامري .. وتلّاه للوجه فعل العرب
كلا الرجلين اتّلا قتله .. فأيكما غلّ حرّ السلب؟
وأيكما كان من خلفه .. فإني أرى عضّة في الذنب
BY قناة: محمد إلهامي
Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260
Share with your friend now:
group-telegram.com/melhamy/8672