Telegram Group & Telegram Channel
حرب غزة يوميات ومشاهدات [87]
(درس من غزوة أحد)

سبق الحديث في مقالة متقدمة عن سورة آل عمران، والسياق الذي نزلت فيه، والزلزلة التي أصابت الصحابة وقت نزولها.
ومن الآيات العظيمة الجديرة بالتأمل والتدبر: قوله تعالى -في سياق الكلام عن مصاب النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم يوم أحد، وما وقع لهم من القتل والجراح-: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا﴾ [آل عمران: 166-167].
الآيات تشير إلى أمرين ينبغي استحضارهما عند كل بلاء ينزل بأمة الإسلام:
الأول: أنه واقع بإذن الله وقدره ومشيئته.
والثاني: أنه واقع لحكم عظيمة جليلة، منها: ما يحصل من تمايز الناس؛ فيظهرُ المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب، والناصح من الخائن.
وهذا الذي نطقت به صراحةً سورة العنكبوت (سورة أهل الصبر والثبات في وجه الفتن والمحن).
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 3].
وقال سبحانه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾ [العنكبوت: 10-11].
فأول شيء ينبغي أن يتغرغر به قلب العبد في الشدائد: أن يعلم أنها واقعة بإذن الله ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن: 11].
ويتصل بذلك: أن تعلم أن هذا الحاصل بإذن الله لا يكون إلا خيرا، فكل قضاء (شرعيٍّ أو كونيٍّ) يقضيه الله لعبده تكون عاقبته حميدة -ولا بُد- إن عمل فيه بما يُوجبه الشرع، كما نطقت بذلك الأحاديث والأخبار.
وهذا يكون فيما يقدِّره الله ابتداء، أو يُجريه على يد أحد من خلقه مسلما كان أو كافرا، فكله تكون عاقبته إلى خير إنِ التفت الناس فيه إلى مراد الله تعالى وحِكَمه ومحابِّه.
ثم أشارت الآيات إلى ما يحصل من التمايز بين الخلق في الشدائد، كما حصل يوم الخندق، إذ اجتمعت الأحزاب، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وظُنَّت بالله الظنون، فقال أهل الإيمان واثقين بربهم: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 22]، فأين هذا من قَولة أهل الشك والنفاق ﴿مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [الأحزاب: 12].
وقد رأينا في حرب غزة من هذين الأمرين عجبا.
رأينا أناسا نزل بهم من البلاء والقتل والجراح والخوف والجوع ما لو نزل بالراسيات لاندكت، فلم ينكشفوا إلا عن ثبات وصبر وإيمان ويقين أذهل الدنيا. وكثير من هؤلاء من العامَّة الذين لا يُباليهم أكثرُ الناس ولا يَحْفِلونهم.
ورأينا -والعياذ بالله- من أظهر الردة والشك والنفاق والشماتة والتخذيل والإرجاف والسخرية والاستهزاء.
دول تنتسب إلى الإسلام تظاهر العدو وتُمده بالعدة والعتاد.
وأخرى ساكتة لا تَغلي مراجلها من أنهار الدماء الجارية على الأرض المباركة.
وقنوات لولا لسان مذيعيها ما شككتَ أنها عبرية يهودية.
ومشايخ يقول قائلهم -فضَّ الله فاه- عن المجاهدين إنهم كالفئران يختبؤون في جحورهم.
في سلسلة لا تنتهي يكشف الله بها معادن الناس، ويمحص قلوبهم، ويختبر ثباتهم وإيمانهم.
والسعيد من تجاوز المحن راضيا مرضيًّا، عاملا فيها بأمر الله ورسوله، واقفا موقفا يُحمَد عليه في الأرض والسماء، جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وكرمه، اللهم آمين.

✍🏻 بقلم فضيلة الشيخ د. بسام بن خليل الصفدي
الاثنين 28 ذو القعدة 1446



group-telegram.com/rabetaa/11048
Create:
Last Update:

حرب غزة يوميات ومشاهدات [87]
(درس من غزوة أحد)

سبق الحديث في مقالة متقدمة عن سورة آل عمران، والسياق الذي نزلت فيه، والزلزلة التي أصابت الصحابة وقت نزولها.
ومن الآيات العظيمة الجديرة بالتأمل والتدبر: قوله تعالى -في سياق الكلام عن مصاب النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم يوم أحد، وما وقع لهم من القتل والجراح-: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا﴾ [آل عمران: 166-167].
الآيات تشير إلى أمرين ينبغي استحضارهما عند كل بلاء ينزل بأمة الإسلام:
الأول: أنه واقع بإذن الله وقدره ومشيئته.
والثاني: أنه واقع لحكم عظيمة جليلة، منها: ما يحصل من تمايز الناس؛ فيظهرُ المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب، والناصح من الخائن.
وهذا الذي نطقت به صراحةً سورة العنكبوت (سورة أهل الصبر والثبات في وجه الفتن والمحن).
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 3].
وقال سبحانه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾ [العنكبوت: 10-11].
فأول شيء ينبغي أن يتغرغر به قلب العبد في الشدائد: أن يعلم أنها واقعة بإذن الله ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن: 11].
ويتصل بذلك: أن تعلم أن هذا الحاصل بإذن الله لا يكون إلا خيرا، فكل قضاء (شرعيٍّ أو كونيٍّ) يقضيه الله لعبده تكون عاقبته حميدة -ولا بُد- إن عمل فيه بما يُوجبه الشرع، كما نطقت بذلك الأحاديث والأخبار.
وهذا يكون فيما يقدِّره الله ابتداء، أو يُجريه على يد أحد من خلقه مسلما كان أو كافرا، فكله تكون عاقبته إلى خير إنِ التفت الناس فيه إلى مراد الله تعالى وحِكَمه ومحابِّه.
ثم أشارت الآيات إلى ما يحصل من التمايز بين الخلق في الشدائد، كما حصل يوم الخندق، إذ اجتمعت الأحزاب، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وظُنَّت بالله الظنون، فقال أهل الإيمان واثقين بربهم: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 22]، فأين هذا من قَولة أهل الشك والنفاق ﴿مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [الأحزاب: 12].
وقد رأينا في حرب غزة من هذين الأمرين عجبا.
رأينا أناسا نزل بهم من البلاء والقتل والجراح والخوف والجوع ما لو نزل بالراسيات لاندكت، فلم ينكشفوا إلا عن ثبات وصبر وإيمان ويقين أذهل الدنيا. وكثير من هؤلاء من العامَّة الذين لا يُباليهم أكثرُ الناس ولا يَحْفِلونهم.
ورأينا -والعياذ بالله- من أظهر الردة والشك والنفاق والشماتة والتخذيل والإرجاف والسخرية والاستهزاء.
دول تنتسب إلى الإسلام تظاهر العدو وتُمده بالعدة والعتاد.
وأخرى ساكتة لا تَغلي مراجلها من أنهار الدماء الجارية على الأرض المباركة.
وقنوات لولا لسان مذيعيها ما شككتَ أنها عبرية يهودية.
ومشايخ يقول قائلهم -فضَّ الله فاه- عن المجاهدين إنهم كالفئران يختبؤون في جحورهم.
في سلسلة لا تنتهي يكشف الله بها معادن الناس، ويمحص قلوبهم، ويختبر ثباتهم وإيمانهم.
والسعيد من تجاوز المحن راضيا مرضيًّا، عاملا فيها بأمر الله ورسوله، واقفا موقفا يُحمَد عليه في الأرض والسماء، جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وكرمه، اللهم آمين.

✍🏻 بقلم فضيلة الشيخ د. بسام بن خليل الصفدي
الاثنين 28 ذو القعدة 1446

BY رابطة علماء المسلمين


Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260

Share with your friend now:
group-telegram.com/rabetaa/11048

View MORE
Open in Telegram


Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

Pavel Durov, Telegram's CEO, is known as "the Russian Mark Zuckerberg," for co-founding VKontakte, which is Russian for "in touch," a Facebook imitator that became the country's most popular social networking site. "We as Ukrainians believe that the truth is on our side, whether it's truth that you're proclaiming about the war and everything else, why would you want to hide it?," he said. Since January 2022, the SC has received a total of 47 complaints and enquiries on illegal investment schemes promoted through Telegram. These fraudulent schemes offer non-existent investment opportunities, promising very attractive and risk-free returns within a short span of time. They commonly offer unrealistic returns of as high as 1,000% within 24 hours or even within a few hours. Telegram was founded in 2013 by two Russian brothers, Nikolai and Pavel Durov.
from it


Telegram رابطة علماء المسلمين
FROM American