Telegram Group & Telegram Channel
لقد تجسدت الفتنة حقًا بكل معانيها في الأحداث التي مازلنا نعايش وقائعها التي تدمي كل قلب حي ينبض بنبض الأيمان، إلا أن هذه المعاني قد تغيب على متلمس الهدى من عند غير الله، المعرض عن كلامه المشتمل على أسباب النجاة؛ فإنك تجد أكثر المحللين للأحداث يصفونها بأنها فتنة، إلا أنهم يختلفون في دلالة هذا الوصف أيما اختلاف…

وعند الاختلاف يجب الرجوع لله الحكم العدل، قال تعالى: ﴿وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِیهِ مِن شَیۡءࣲ فَحُكۡمُهُۥۤ إِلَى ٱللَّهِۚ﴾ [الشورى: ١٠]، فإذا رجعت إلى كتاب الله وجدت أن “الفتنة” من المصطلحات الشرعية، ذات الدلالات المحددة، النابعة من لسان العرب، والمحكومة بسياقاتها اللغوية… ومن معاني الفتنة واستعمالاتها في لسان العرب تتضح لنا أركان الفتنة كما يلي:

1- الفاتن
وهو فاعل الفتنة المريد لها، والفتنة إذا أسندت إلى الله فهي من أقداره الجارية على مقتضى الحكمة، لتمييز الصادق من الكاذب، والطيب من الخبيث؛ أما إذا أسندت إلى البشر فهي -في أشهر استعمالاتها- من أفعال الغواية والإضلال والإفساد في الأرض، المتوعد فاعلها بشديد العذاب وأليم العقاب.

2- سبب الفتنة أو ما يكون به الفتنة
ولما كانت بواعث الإرادة الإنسانية تدور على المحبة والخوف، كانت أسبابهما من أنواع الشرور التي يعمل الإنسان على دفعها عن نفسه وضروب الخيرات التي يجتهد في تحصيلها، هي أسباب الفتنة وبها يكون الابتلاء، قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء: 35]. والفتنة بالشر تشمل أنواع المكاره والمصائب… والفتنة بالخير تشمل أنواع الشهوات وسائر المحبوبات…

3- المفتون
وهو المكلف، ومحل الفتنة فيه قلبه؛ فعليه تعرض الفتن، وعليه يظهر أثرها، قال ﷺ: “تُعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا…”. والقلب له قوتان قوة علمية وقوة عملية، فعلى الأولى ترِد فتن الشبهات، وعلى الثانية ترد فتن الشهوات.

كما يمكن رؤية أهم المعالم النفسية والواقعية المحددة لمشاهد الفتنة المتكررة على مر الأزمان وتعاقب العصور، وهي كما يلي:

1- الاختلاط والالتباس
من أهم معالم الفتنة التباس الأمور واختلاط الصالح بالطالح، والخير بالشر، حتى قيل: الفتنة إذا أقبلت لا يعرفها إلا العالم، فإذا أدبرت عرفها كل أحد.

2 -الارتباك والاضطراب
من أهم معالم الفتنة اضْطِرَابِ الرَّأْيِ وارتباك أمور الناس، مِنْ جراء وقوع سبب الفتنة، فمثلًا حُصُولِ خَوْفٍ لَا يُصْبَرُ عَلَى مِثْلِهِ، يؤدي إلى اختلاف الناس واضطراب رأيهم وارتباك أحوالهم.

3- المحنة والشدة
المحنة والشدة من أخص معاني الفتنة، وألصقها بأصل مادتها، والمعبرة عن حقيقة ما يلم بنفس العبد، ولعل من أبلغ التعبيرات القرآنية في وصف حال العباد حال الابتلاء والفتنة ما جاء في قوله تعالى في سورة الأحزاب: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ جَاۤءَتۡكُمۡ جُنُودࣱ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِیحࣰا وَجُنُودࣰا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرًا * إِذۡ جَاۤءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠ * هُنَالِكَ ٱبۡتُلِیَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَزُلۡزِلُوا۟ زِلۡزَالࣰا شَدِیدࣰا﴾[الأحزاب: 9-11].

ووقوع البلاء بالمؤمنين وبلوغه ذلك التأثير النفسي البليغ الموصوف من قبل رب العالمين بالزلزال الشديد، حيث لا مبالغة من مبالغات البشر، وإنما هو وصف خالق البشر، العليم بذات الصدور، إن دل ذلك فإنما يدل على أن هذه المحنة والشدة من لوازم البلاء والفتنة، وإلا لنجى المؤمنون من ذلك، وتوطين العبد نفسه على ذلك من أهم أسباب ثباته وزيادة إيمانه، وهو حال الصحابة الكرام، حين تلقوا هذه الآيات، واستقرت معانيها في صدورهم، وواجهوا بها مواطن الشدة والمحنة.

4- الاختبار والتمييز
وهذا هو جماع معنى الفتنة والغاية من وراءها: اختبار الناس وتمييز صفوفهم، وكل ما يلاقيه العبد يهون من أجل هذه الغاية، فبالاختبار يتميز الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، قال تعالى: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ [آل عمران: 179].

وهذا التمييز في الصفوف بعد الالتباس، وثبات الصادقين بعد الاضطراب، وصفاء القلوب بعد ما لاقت من شدة ومحنة، هو الخير السامي الصافي، ومن سموه أنه لا يوصل إليه إلا بعد معاناة مشقة الصعود، ومن صفاءه أنه لا يخلص من كدر الشوائب إلا بعد الحرق بالنار، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[النور: 11].
👍118



group-telegram.com/ansarmagazine/3313
Create:
Last Update:

لقد تجسدت الفتنة حقًا بكل معانيها في الأحداث التي مازلنا نعايش وقائعها التي تدمي كل قلب حي ينبض بنبض الأيمان، إلا أن هذه المعاني قد تغيب على متلمس الهدى من عند غير الله، المعرض عن كلامه المشتمل على أسباب النجاة؛ فإنك تجد أكثر المحللين للأحداث يصفونها بأنها فتنة، إلا أنهم يختلفون في دلالة هذا الوصف أيما اختلاف…

وعند الاختلاف يجب الرجوع لله الحكم العدل، قال تعالى: ﴿وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِیهِ مِن شَیۡءࣲ فَحُكۡمُهُۥۤ إِلَى ٱللَّهِۚ﴾ [الشورى: ١٠]، فإذا رجعت إلى كتاب الله وجدت أن “الفتنة” من المصطلحات الشرعية، ذات الدلالات المحددة، النابعة من لسان العرب، والمحكومة بسياقاتها اللغوية… ومن معاني الفتنة واستعمالاتها في لسان العرب تتضح لنا أركان الفتنة كما يلي:

1- الفاتن
وهو فاعل الفتنة المريد لها، والفتنة إذا أسندت إلى الله فهي من أقداره الجارية على مقتضى الحكمة، لتمييز الصادق من الكاذب، والطيب من الخبيث؛ أما إذا أسندت إلى البشر فهي -في أشهر استعمالاتها- من أفعال الغواية والإضلال والإفساد في الأرض، المتوعد فاعلها بشديد العذاب وأليم العقاب.

2- سبب الفتنة أو ما يكون به الفتنة
ولما كانت بواعث الإرادة الإنسانية تدور على المحبة والخوف، كانت أسبابهما من أنواع الشرور التي يعمل الإنسان على دفعها عن نفسه وضروب الخيرات التي يجتهد في تحصيلها، هي أسباب الفتنة وبها يكون الابتلاء، قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء: 35]. والفتنة بالشر تشمل أنواع المكاره والمصائب… والفتنة بالخير تشمل أنواع الشهوات وسائر المحبوبات…

3- المفتون
وهو المكلف، ومحل الفتنة فيه قلبه؛ فعليه تعرض الفتن، وعليه يظهر أثرها، قال ﷺ: “تُعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا…”. والقلب له قوتان قوة علمية وقوة عملية، فعلى الأولى ترِد فتن الشبهات، وعلى الثانية ترد فتن الشهوات.

كما يمكن رؤية أهم المعالم النفسية والواقعية المحددة لمشاهد الفتنة المتكررة على مر الأزمان وتعاقب العصور، وهي كما يلي:

1- الاختلاط والالتباس
من أهم معالم الفتنة التباس الأمور واختلاط الصالح بالطالح، والخير بالشر، حتى قيل: الفتنة إذا أقبلت لا يعرفها إلا العالم، فإذا أدبرت عرفها كل أحد.

2 -الارتباك والاضطراب
من أهم معالم الفتنة اضْطِرَابِ الرَّأْيِ وارتباك أمور الناس، مِنْ جراء وقوع سبب الفتنة، فمثلًا حُصُولِ خَوْفٍ لَا يُصْبَرُ عَلَى مِثْلِهِ، يؤدي إلى اختلاف الناس واضطراب رأيهم وارتباك أحوالهم.

3- المحنة والشدة
المحنة والشدة من أخص معاني الفتنة، وألصقها بأصل مادتها، والمعبرة عن حقيقة ما يلم بنفس العبد، ولعل من أبلغ التعبيرات القرآنية في وصف حال العباد حال الابتلاء والفتنة ما جاء في قوله تعالى في سورة الأحزاب: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ جَاۤءَتۡكُمۡ جُنُودࣱ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِیحࣰا وَجُنُودࣰا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرًا * إِذۡ جَاۤءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠ * هُنَالِكَ ٱبۡتُلِیَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَزُلۡزِلُوا۟ زِلۡزَالࣰا شَدِیدࣰا﴾[الأحزاب: 9-11].

ووقوع البلاء بالمؤمنين وبلوغه ذلك التأثير النفسي البليغ الموصوف من قبل رب العالمين بالزلزال الشديد، حيث لا مبالغة من مبالغات البشر، وإنما هو وصف خالق البشر، العليم بذات الصدور، إن دل ذلك فإنما يدل على أن هذه المحنة والشدة من لوازم البلاء والفتنة، وإلا لنجى المؤمنون من ذلك، وتوطين العبد نفسه على ذلك من أهم أسباب ثباته وزيادة إيمانه، وهو حال الصحابة الكرام، حين تلقوا هذه الآيات، واستقرت معانيها في صدورهم، وواجهوا بها مواطن الشدة والمحنة.

4- الاختبار والتمييز
وهذا هو جماع معنى الفتنة والغاية من وراءها: اختبار الناس وتمييز صفوفهم، وكل ما يلاقيه العبد يهون من أجل هذه الغاية، فبالاختبار يتميز الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، قال تعالى: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ [آل عمران: 179].

وهذا التمييز في الصفوف بعد الالتباس، وثبات الصادقين بعد الاضطراب، وصفاء القلوب بعد ما لاقت من شدة ومحنة، هو الخير السامي الصافي، ومن سموه أنه لا يوصل إليه إلا بعد معاناة مشقة الصعود، ومن صفاءه أنه لا يخلص من كدر الشوائب إلا بعد الحرق بالنار، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[النور: 11].

BY مجلة أنصار النبي ﷺ


Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260

Share with your friend now:
group-telegram.com/ansarmagazine/3313

View MORE
Open in Telegram


Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

You may recall that, back when Facebook started changing WhatsApp’s terms of service, a number of news outlets reported on, and even recommended, switching to Telegram. Pavel Durov even said that users should delete WhatsApp “unless you are cool with all of your photos and messages becoming public one day.” But Telegram can’t be described as a more-secure version of WhatsApp. Telegram was founded in 2013 by two Russian brothers, Nikolai and Pavel Durov. Perpetrators of such fraud use various marketing techniques to attract subscribers on their social media channels. In December 2021, Sebi officials had conducted a search and seizure operation at the premises of certain persons carrying out similar manipulative activities through Telegram channels. The perpetrators use various names to carry out the investment scams. They may also impersonate or clone licensed capital market intermediaries by using the names, logos, credentials, websites and other details of the legitimate entities to promote the illegal schemes.
from nl


Telegram مجلة أنصار النبي ﷺ
FROM American