🍃واذكر ربــك إذا نســـيت 🍃

يسألونك أ.د. حسام الدين عفانة

" تجارةُ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ وتلبيس إبليس فيما يسمونه حجَّ البدلِ !؟"

أولاً: مَشْرُوعِيَّةُ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ: وردت أدلة كثيرة من سنة النبي تدل على جواز الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ منها:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ امْرَأَةً مِن جُهَيْنَةَ جاءَتْ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حتَّى ماتَتْ؛ أفَأَحُجُّ عَنْها؟ قالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْها؛ أرَأَيْتِ لو كانَ علَى أُمِّكِ دَيْنٌ أكُنْتِ قاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ؛ فاللَّهُ أحَقُّ بالوَفاءِ.) رواه البخاري.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانَ الفَضْلُ رَدِيفَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِن خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهَا وتَنْظُرُ إلَيْهِ، فَجَعَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصْرِفُ وجْهَ الفَضْلِ إلى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقالَتْ: إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ أدْرَكَتْ أبِي شيخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ علَى الرَّاحِلَةِ، أفَأَحُجُّ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ وذلكَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ) رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية لمسلم :(قالت: يا رسول الله إنَّ فَرِيضَةَ اللهِ علَى عِبَادِهِ في الحَجِّ، أَدْرَكَتْ أَبِي شيخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ علَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ، وَذلكَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ).

وعن أبي رزين العقيلي أنه قال :(يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيعُ الحجَّ ولا العُمرةَ ولا الظَّعنَ قال: فحُجَّ عن أبيكَ واعتمِرْ) رواه النسائي، وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن النسائي 2/556، والظعن أي الارتحال والسفر. وغير ذلك من الأحاديث.

وقد أخذ جمهور أهل العلم بمقتضى هذه الأحاديث، وقالوا بمَشْرُوعِيَّةِ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ وَقَابِلِيَّتِهِ لِلنِّيَابَةِ، فأجازوا الحجَّ عن الميت، وأجازوا الحج عن المريض مرضاً لا يرجى برؤُه، ولا يستطيع تحمُّل مشاق السفر، وكذلك الكبير الذي لا يحتمل مشاق السفر، وهذا قول الشافعية والحنابلة والأوزاعي وإسـحاق بـن راهـويه وغيرهم، كـمـا قال الشيخ ابن قدامة المقدسي في المغني 3/235.

قال الإمام أبو إسحق الشيرازي:[ ولأنه -أي الحج-حقٌّ تدخله النيابة لزمه في حال الحياة فلم يسقط بالموت كديْن الآدمي، ويجب قضاؤهُ عنه من الميقات، لأن الحجَّ يجب من الميقات ويجبُ من رأس المال؛ لأنه ديْن واجب، فكان من رأس المال كديْن الآدمي] المهذب مع شرحه المجموع 7/109.

فيجوز الحجُّ عن هؤلاء بشرط أن يكون النائبُ -وهو من يحجُّ عن غيره- قد حجَّ عن نفسه، ويدل على هذا الاشتراط حديث ابن عباس رضي الله عنهما:( أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سمِع رجُلًا يقولُ: لبَّيْكَ عن شُبْرُمةَ، قال: مَن شُبْرُمةُ ؟ قال: أخٌ لي، أو: قريبٌ، قال: أحجَجْتَ عن نفسِكَ ؟ قال: لا، قال: حُجَّ عن نفسِكَ، ثمَّ حُجَّ عن شُبْرُمةَ) رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان والبيهقي، وقال البيهقي:(هذا إسناد صحيح ليس في هذا الباب أصح منه) وصححه الألباني في إرواء الغليل 4/171. وقال بعض المحدثين: الصحيح أنه موقوفٌ على ابن عباس، ولا يثبتُ رفعهُ.

وَذَهَبَ الإمام مَالِكٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي مَذْهَبِهِ إِلَى أَنَّ الْحَجَّ لاَ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ، لاَ عَنِ الْحَيِّ وَلاَ عَنِ الْمَيِّتِ، مَعْذُورًا أَوْ غَيْرَ مَعْذُورٍ. وَقَال المالكيةُ: إِنَّ الأَْفْضَل أَنْ يَتَطَوَّعَ عَنْهُ وَلِيُّهُ بِغَيْرِ الْحَجِّ، كَأَنْ يُهْدِيَ أَوْ يَتَصَدَّقَ عَنْهُ، أَوْ يَدْعُوَ لَهُ.

ثانياً: ظهر في زماننا " تجارةُ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ أو ما يسمونه حج البدل !؟" وقد انتشر ذلك بشكلٍ كبيرٍ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وصار أناسٌ كثيرون يتكسبون منها، بحيث إن هذه التجارة صارت تجارةً موسميةً في الحج، وتجارةً دائمةً في العمرة، وقد كثرت الإعلاناتُ عن هذه التجارة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتنافس هؤلاء التجار في أسعار الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ أو ما يسمونه حج البدل، وصار الحجُ والعمرةُ ميدانا للتنافس التجاري ومزاداً للأسعار مع الأسف الشديد، وقد فتح ذلك باباً واسعاً للتحايل على الناس، ومن أمثلة ذلك أن شخصاً واحداً يتقاضى المال من أكثر من شخص بدعوى أنه يحجُ عنهم جميعاً، ثم يحجُ عن واحدٍ فقط، ويستأجرُ من الهنود والبنغال والباكستانيين أو غيرهم من يحجُ عمَّن أخذ أموالهم ويدفعُ لهؤلاء الأجراء أجراً يسيراً، ويأخذُ هو معظم المال الذي جمعه، وهذا العملُ باطلٌ، لأن الإنابةَ في الحج لا تقعُ إلا عن واحدٍ فقط، وهذا التاجرُ أوهمهم أنه يحج عن كل مَنْ أخذ منه مالاً.

www.group-telegram.com/pl/kawateriemany.com/186904

120 viewsسلسبيل, Apr 11 at 07:39

يسألونك أ.د. حسام الدين عفانة

" تجارةُ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ وتلبيس إبليس فيما يسمونه حجَّ البدلِ !؟"

أولاً: مَشْرُوعِيَّةُ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ: وردت أدلة كثيرة من سنة النبي تدل على جواز الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ منها:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ امْرَأَةً مِن جُهَيْنَةَ جاءَتْ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حتَّى ماتَتْ؛ أفَأَحُجُّ عَنْها؟ قالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْها؛ أرَأَيْتِ لو كانَ علَى أُمِّكِ دَيْنٌ أكُنْتِ قاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ؛ فاللَّهُ أحَقُّ بالوَفاءِ.) رواه البخاري.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانَ الفَضْلُ رَدِيفَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِن خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهَا وتَنْظُرُ إلَيْهِ، فَجَعَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصْرِفُ وجْهَ الفَضْلِ إلى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقالَتْ: إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ أدْرَكَتْ أبِي شيخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ علَى الرَّاحِلَةِ، أفَأَحُجُّ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ وذلكَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ) رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية لمسلم :(قالت: يا رسول الله إنَّ فَرِيضَةَ اللهِ علَى عِبَادِهِ في الحَجِّ، أَدْرَكَتْ أَبِي شيخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ علَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ، وَذلكَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ).

وعن أبي رزين العقيلي أنه قال :(يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيعُ الحجَّ ولا العُمرةَ ولا الظَّعنَ قال: فحُجَّ عن أبيكَ واعتمِرْ) رواه النسائي، وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن النسائي 2/556، والظعن أي الارتحال والسفر. وغير ذلك من الأحاديث.

وقد أخذ جمهور أهل العلم بمقتضى هذه الأحاديث، وقالوا بمَشْرُوعِيَّةِ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ وَقَابِلِيَّتِهِ لِلنِّيَابَةِ، فأجازوا الحجَّ عن الميت، وأجازوا الحج عن المريض مرضاً لا يرجى برؤُه، ولا يستطيع تحمُّل مشاق السفر، وكذلك الكبير الذي لا يحتمل مشاق السفر، وهذا قول الشافعية والحنابلة والأوزاعي وإسـحاق بـن راهـويه وغيرهم، كـمـا قال الشيخ ابن قدامة المقدسي في المغني 3/235.

قال الإمام أبو إسحق الشيرازي:[ ولأنه -أي الحج-حقٌّ تدخله النيابة لزمه في حال الحياة فلم يسقط بالموت كديْن الآدمي، ويجب قضاؤهُ عنه من الميقات، لأن الحجَّ يجب من الميقات ويجبُ من رأس المال؛ لأنه ديْن واجب، فكان من رأس المال كديْن الآدمي] المهذب مع شرحه المجموع 7/109.

فيجوز الحجُّ عن هؤلاء بشرط أن يكون النائبُ -وهو من يحجُّ عن غيره- قد حجَّ عن نفسه، ويدل على هذا الاشتراط حديث ابن عباس رضي الله عنهما:( أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سمِع رجُلًا يقولُ: لبَّيْكَ عن شُبْرُمةَ، قال: مَن شُبْرُمةُ ؟ قال: أخٌ لي، أو: قريبٌ، قال: أحجَجْتَ عن نفسِكَ ؟ قال: لا، قال: حُجَّ عن نفسِكَ، ثمَّ حُجَّ عن شُبْرُمةَ) رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان والبيهقي، وقال البيهقي:(هذا إسناد صحيح ليس في هذا الباب أصح منه) وصححه الألباني في إرواء الغليل 4/171. وقال بعض المحدثين: الصحيح أنه موقوفٌ على ابن عباس، ولا يثبتُ رفعهُ.

وَذَهَبَ الإمام مَالِكٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي مَذْهَبِهِ إِلَى أَنَّ الْحَجَّ لاَ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ، لاَ عَنِ الْحَيِّ وَلاَ عَنِ الْمَيِّتِ، مَعْذُورًا أَوْ غَيْرَ مَعْذُورٍ. وَقَال المالكيةُ: إِنَّ الأَْفْضَل أَنْ يَتَطَوَّعَ عَنْهُ وَلِيُّهُ بِغَيْرِ الْحَجِّ، كَأَنْ يُهْدِيَ أَوْ يَتَصَدَّقَ عَنْهُ، أَوْ يَدْعُوَ لَهُ.

ثانياً: ظهر في زماننا " تجارةُ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ أو ما يسمونه حج البدل !؟" وقد انتشر ذلك بشكلٍ كبيرٍ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وصار أناسٌ كثيرون يتكسبون منها، بحيث إن هذه التجارة صارت تجارةً موسميةً في الحج، وتجارةً دائمةً في العمرة، وقد كثرت الإعلاناتُ عن هذه التجارة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتنافس هؤلاء التجار في أسعار الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ أو ما يسمونه حج البدل، وصار الحجُ والعمرةُ ميدانا للتنافس التجاري ومزاداً للأسعار مع الأسف الشديد، وقد فتح ذلك باباً واسعاً للتحايل على الناس، ومن أمثلة ذلك أن شخصاً واحداً يتقاضى المال من أكثر من شخص بدعوى أنه يحجُ عنهم جميعاً، ثم يحجُ عن واحدٍ فقط، ويستأجرُ من الهنود والبنغال والباكستانيين أو غيرهم من يحجُ عمَّن أخذ أموالهم ويدفعُ لهؤلاء الأجراء أجراً يسيراً، ويأخذُ هو معظم المال الذي جمعه، وهذا العملُ باطلٌ، لأن الإنابةَ في الحج لا تقعُ إلا عن واحدٍ فقط، وهذا التاجرُ أوهمهم أنه يحج عن كل مَنْ أخذ منه مالاً.

BY 🍃واذكر ربــك إذا نســـيت 🍃