group-telegram.com/yousefdomoky/2058
Last Update:
إياكم والتوقف عن جلد الذات والشعور العميق بالذنب، الذي يشعر بالعجز مع رغبة التحرك دون أن يهلك صاحبه، ويحضرني في هذا حديث النبي عن التداعي بالسهر والحمى، فمن لا يشعر بالذنب تجاه ما يحدث سيسهل عليه النوم بعد ركعتي ليلٍ، ثم يصحو فيقضي من حوائجه ما يقضي، وهكذا كلما آلمته نفسه سكَّنها، وذلك من حيَل البلادة، وانعزال المشاعر، وتخدير جذوة الفعل.
..
لماذا يجب أن يبقى الجمر متقدا؟ لأنه حين دنا يوم تبوك، ووعد النبي من جهز جيش العسرة بالجنة، أتى قوم تخلفوا عن الجهاد لأنه لا شيء يحملهم النبي عليه، وكذلك عجزوا عن الإنفاق لضيق حالهم، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا، كان منهم سيدنا رقيق القلب علبة بن زيد رضي الله عنه، يشقيه أنه لم يجاهد بنفسه ولا ماله، ويتحرق لإخوانه الذين سبقوه، ولوعد الجنة الذي فاته، حتى وقف بين يدي الله باكيا متضرعا، ولم يجد إلا التصدق بكل مظلمة أصابها منه مسلم، فبشره النبي في اليوم التالي: من المتصدق الليلة؟ فوالذي نفس محمد بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة.
..
ذلك الشعور بالحرقة للإخوة، والشعور بجلد النفس وتأنيبها على ما يعانيه أشقاء الدين والروح، هو ما دفع عمر رضي الله عنه إلى تغير لون وجهه، من شدة الجوع، تحرقًا من أجل المسلمين في عام الرمادة، وقد كان بيده أن يأكل السمن واللحم فقاطعهما، وهو ما دفع الأولياء الصالحين في شواهد كثيرة إلى الذوبان بكاءً وخشيةً وحرقةً لأجل أهلٍ لهم يعذبون في مواطن أخرى.
..
ذلك الشعور هو ما يبقي القلب حيا، ويبقي الجمر متقدا، في نفس المؤمن، حتى يدفعه إلى حركة، تلك الجمرة ذاتها التي بقيت في قلب محمد صلاح حتى جاوز الحدود وقتل العدو، ولو اكتفى بالصلاة والدعاء والصدقة لما أصاب ذبابةً بطرف بندقيته، وهو ما دفع ماهر الجازي إلى موقعة الشاحنة، وهو ما دفع شابا اليوم إلى عملية ميمونة في حيفا، وما دفع غيرهم في كل موطئ يغيظ العدو إلى تفريغ شحنة شعوره بالتقصير في عمل يجبره أمام الله.
..
ولأن قعود المسلمين اليوم ليس لأن الله يرفع عنهم التكليف، وإنما كان مناط التكليف هنا إرادتهم، فقال "ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة"، فلا يحيل أحدنا تقصيره في الإعداد إلى إرادة الله، حاشاه، والمعاذ به من التواكل عليه والتألي في أوامره. ولأن عدم إقدامك على واجب لخشيتك من أثمانه لا يعني إسقاط الواجب عنك، وإنما إسقاط شرف فعله حتى تفعله. ولأن تمام العبودية هو الانكسار لله في محرابه وحمل لوائه في ميدانه، أما التباكي وحده فليس إلا منقصة وعارا وفعل المتخلفين.
..
ولذا انفضوا عنكم الخطاب السقيم بالمظلومية، المغذَّى بالضعف وحده وشعور المسكنة والتسكين، وهو مهلك للعامة، ومغذٍّ للنطاعة وانعدام المسؤولية، وصحيح أن خطاب "التقطيم" دون وعي إيماني خطير، لكن ذلك أخطر منه، والصحيح أن تحتفظ بلومك وشعورك تجاه إخوانك، نحو ميادين العمل والحركة، دون ركون إلى الدعاء ونحوه فقط، ودون إنصات لخطاب مروجي المخدِّرات بأغلفة دينية، وإنما عليك بحميّة التفكير فيما هو أعظم، وفيما يجيِّش المشاعر، ويشمر السواعد.
..
فبالله لا تنصرفوا.. بالله لا تنصرفوا.. بالله لا تنصرفوا، وأبقوا الجمر متقدا، فلا تدرون بأيها تنجون عند الله يوم تبلى السرائر.
BY يوسف الدموكي
Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260
Share with your friend now:
group-telegram.com/yousefdomoky/2058