group-telegram.com/AbuJaberAlOtaibi/144
Last Update:
وإذا كان المراد لذاته هو القدر المشترك بينهما،
لزم أن يكون ما يختص به أحدهما ليس مراداً لذاته، وإذا لم يكن مراداً لذاته،
لزم أن يكون ما يختص به كل منهما ليس مراداً لذاته.
والكلي لا وجود له في الأعيان إلا معيناً،
فإذا لم يكن في المعينات ما هو مراد لذاته،
لم يكن في الموجودات الخارجية ما هو مراد لذاته، فلا يكون فيها ما يجب أن يألهه أحد،
فضلاً عما يجب أن يألهه كل واحد.
فتبين أنه لا بد من إله معين، هو المحبوب لذاته من كل حي، ومن الممتنع أن يكون هذا غير الله،
فلزم أن يكون هو الله،
وعلم أنه لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا،
وأن كل مولود ولد على محبة هذا الإله،
ومحبته مستلزمة لمعرفته،
فعلم أن كل مولود ولد على محبته ومعرفته،
وهو المطلوب.
وهذا الدليل يصلح أن يكون مستقلاً، وهذا بخلاف ما يراد جنسه كالطعام والشراب، فإنه ليس في ذلك ما هو مراد لذاته، بل المراد دفع ألم الجوع والعطش، أو طلب لذة الأكل والشرب.
وهذا حاصل بنوع الطعام والشراب، لا يتوقف على معين بخلاف ما هو مراد ومحبوب لذاته، فإنه لا يكون إلا معيناً."
أقول: وهذا الدليل المذكور نافع وعظيم، تنشق منه عدة أبواب، منها باب الأصل في النوايا الإنسانية،
وأنها مفطورة على الخير بل مصدر الخير،
ولذلك أفعال بني آدم كلها مبنية على نية وإرادة فيها قدر من الخيرية بالضرورة،
وقد ذكر الإمام أحمد ما فيه إشارة لذلك،
كما جاء في المشيخة البغدادية لأبي طاهر السلفي:
"مِنْ حَدِيثِ الْبَرْمَكِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ
قُرِئَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الْحُسَيْنِ الطُّيُورِيِّ، وَأَنَا أَسْمَعُ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، أنا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ صَاحِبُ أَبِي بَكْرٍ الْخَلالِ، إِجَازَةً، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُكْرَمٍ، سَمِعْتُ مُهَنَّا بْنَ يَحْيَى، قَالَ:
قُلْتُ لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: مَا أَفْضَلُ الأَعْمَالِ؟
قَالَ: طَلَبُ الْعِلْمِ لِمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ،
قُلْتُ: وَأَيْشِ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ؟
قَالَ: يُنْوَى بِتَوَاضُعٍ فِيهِ، وَيُنْفَى عَنْهُ الْجَهْلُ"
أقول: تنبه كيف أنه ذكر نية التواضع ونفي الجهل مما يساعد في تصحيح النية لتكون خالصة لله عز وجل،
ومعلوم أن التواضع للحق ونفي الجهل من جنس الخير،
فذكر الإمام ما هو من جنس الخير الأعم لتحصيل الخير الأخص،
ذلك أن النية الخيرية ضرورية في أعمال بني آدم لا ينفكون عنها بفطرتهم،
فإن كل بني آدم يطلب ويريد ما هو من جنس الخير حتى لو كان أكفر الخلق وأشدهم عنادا،
ففرعون كان يريد العلو في الأرض،
والعلو من صفات الخير، خلاف الدنو،
لكنه سلك طريقا فاسدا مذموما بسبب جهله وكبره،
وإيضاح ذلك أن خلاف الخير هو الشر،
ومعلوم أن الشر المحض من كل وجه هو العدم المحض،
والعدم المحض لا يمكن أن يُراد أو يُنوى فهو لا شيء،
ذلك أن النية أو الإرادة تتعلق بالموجود،
إما وجودا خارجيا أو ذهنيا،
فإذا فهمت هذا، عرفت أن نية المشرك أو الكافر وغيره من العُصاة خاصة أصحاب الكبائر وإن كان فيها خيرية فإنها لا تشفع لهم،
فإن من يقصد الكفر تقصدا هذا أندر أنواع الكفر،
وحتى هذا المتعمد لعين الكفر فيه قدر من طلب الخير بالضرورة؛
إما أن يرى أن العناد هذا من جنس القوة أو العلو أو غيرها من صفات الخير،
وذلك أن الله عز وجل جعل الأوامر والنواهي علامات ومظاهر ودلائل لحقائق الأمور،
والدليل قد يتأخر ويتراخى عن مدلوله،
فلا يلزم أن يطابق الدليل مدلوله تمام التطابق،
فهذا نوع خاص من الدلالة وهي دلالة المطابقة،
وهناك دلالة التضمن ودلالة اللزوم،
لذلك لا يزال هناك قدر من احتمالية خلاف الدليل،
ولكن هذا لا ينفي دلالة الأمر على الحقيقة خاصة إن غلبت وانتفت الموانع،
فإن الدلائل كذلك تتفاوت في قوة دلالتها،
فدلالة فعل الشرك الأكبر أقوى وأظهر على كفر العبد من دلالة فعل كبيرة من الكبائر على ذلك،
وقد قال تعالى:
(بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَیِّئَةࣰ وَأَحَـٰطَتۡ بِهِۦ خَطِیۤـَٔتُهُۥ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ)
(وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ)
ومن الآية نستنتج أن فاعل الخطيئة وهي الكبيرة - كما فسرها السلف - فيه قدر من قبح النية لكونها مقابلة للصالحات والتي من أصولها حسن النية،
وبحسب كبر الكبيرة يكون قبح نية فاعلها،
فإن أقبح النوايا نوايا أهل الشرك،
ولإيضاح الأمر أكثر،
من مرادفات النية القصد والتوجه،
فإن النية - كما فسر بعض السلف - بمنزلة القبلة والتوجه،
كما هو مأثور عن سهل التستري:
«اللَّهُ قِبْلَةُ النِّيَّةِ، وَالنِّيَّةُ قِبْلَةُ الْقَلْبِ، وَالْقَلْبُ قِبْلَةُ الْبَدَنِ، وَالْبَدَنُ قِبْلَةُ الْجَوَارِحِ، وَالْجَوَارِحُ قِبْلَةُ الدُّنْيَا»
BY مدونة | أبي جابر محمد العتيبي
Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260
Share with your friend now:
group-telegram.com/AbuJaberAlOtaibi/144