group-telegram.com/sharefmg/1312
Last Update:
حين أعيد قراءة الأستاذ سيد قطب رحمه الله هذه الأيام، أدرك إلى أي مدى كان مصيبا في حديثه عن جاهلية مجتمعاتنا، التي لا تعني بطبيعة الحال تكفير أفرادها، والقصد: هيمنة القيم والأنظمة الجاهلية على أنشطة الحياة العامة على وجه الخصوص، وتبعًا لذلك تأثّرت معايير الناس وموازينهم بهذه الهيمنة.
تأمّل هذا النص له وانظر إلى حال المجتمعات اليوم وأين هي من معايير الشريعة في مختلف المجالات؟
يقول رحمه الله في سياق تفسير آية في التحريم من سورة المائدة:
"طول عزلة الإسلام عن أن يحكم الحياة - كما هو شأنه وحقيقته - قد جعل معاني العبارة تتقلص ظلالها عن مدى الحقيقة التي تعنيها في القرآن الكريم وفي هذا الدين. ولقد جعلت كلمة "الحلال" وكلمة "الحرام" يتقلص ظلهما في حس الناس، حتى عاد لا يتجاوز ذبيحة تُذبح، أو طعاما يُؤكل، أو شرابا يُشرب، أو لباسا يُلبس، أو نكاحا يُعقد.. فهذه هي الشئون التي عاد الناس يستفتون فيه الإسلام ليروا: حلال هي أم حرام!
فأما الأمور العامة والشئون الكبيرة فهم يستفتون في شأنها النظريات والدساتير والقوانين التي استُبدلت بشريعة الله! فالنظام الاجتماعي بجملته، والنظام السياسي بجملته، والنظام الدولي بجملته؛ وكافة اختصاصات الله في الأرض وفي حياة الناس، لم تعد مما يستفتى فيه الإسلام!
والإسلام منهج للحياة كلها. من اتبعه كله فهو مؤمن وفي دين الله. ومن اتبع غيره ولو في حكم واحد فقد رفض الإيمان واعتدى على ألوهية الله، وخرج من دين الله. مهما أعلن أنه يحترم العقيدة وأنه مسلم. فاتباعه شريعة غير شريعة الله، يكذب زعمه ويدمغه بالخروج من دين الله" (في ظلال القرآن).
وقد صدق رحمه الله، وهو يقصد بالاتباع العدول عن حكم الله إلى حكم غيره كما قال ابن كثير، وهو تبديل الشريعة، أي رفض ما شرع الله وقبول شرع غيره. ولا يقصد الوقوع في معصيةٍ لشهوة.
ولقد رأيتُ ناسًا من المسلمين يعلّقون محتفين بتغيير زعيم مسلم لإحدى الدول في أفريقيا (بصرف النظر عن صحة الخبر) حكمَ السجن للسارق إلى عمل يقوم به لصالح الدولة حتى يسدّ المال الذي سرقه.. فهم مبتهجون بهذا الحكم الجديد، داعين له بالعون والتوفيق بالعبارات الإسلامية! وكأنّه لا يوجد عندنا قرآن نتحاكم إليه ويوضّح لنا بأنّ كلا الحكمين تبديلٌ للشريعة، لأنّ الله في عليائه قد حكم بقطع يد السارق، في آية يقرؤونها مع كل ختمة للقرآن الكريم!
وانظر كيف يتعامل الناس اليوم مع القوانين، إذ يغيب عن وعيهم وهم يناقشون القوانين التي تنظّم مسائل الدماء والأموال والأعراض أنّ الشريعة جاءت لتنظيم ذلك كله، وأنها معطّلة، وأنّهم مسلمون لا ينبغي أن يرضوا بهذا! ولكن "الحلال والحرام" في حسّهم منصرف لقضايا التعبّد وبعض المعاملات الفردية اليومية. ولهذا تحتاج الدعوة اليوم إلى بيان اتساع مساحة الحلال والحرام، وأن المجتمع حين يرضى بالتحاكم إلى غير شريعة الله في أوضاعه الجماعية، وحين يرضى بتجاهلها وتعطيلها، يكون قد وقع في منكر عظيم كالذي وقع فيه أهل الكتاب الذين حدثنا القرآن عنهم.
ويجدر بالدعاة المشغولين بتدريس التوحيد والعقائد، أو المشغولين بتحفيظ القرآن والسنّة، أو المشغولين بتعليم الفقه أن يلتفتوا إلى هذا الباب، ويعطوه من أولوياتهم في الدعوة والبيان ليقوموا بواجبهم تجاه دينهم وتجاه أمتهم. فالتقصير فيه يمس بأصل التوحيد، ويصادم نصوص القرآن والسنّة، ويُهدر المعمار الفقهي الذي يدرسونه في كتب الفقه الإسلامي كل يوم!
BY شريف محمد جابر
Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260
Share with your friend now:
group-telegram.com/sharefmg/1312
