group-telegram.com/jah_ed/2350
Last Update:
الأربعاء، 1 رجب 1446 هـ
"ما أعظم الدعوة إلى الله، وما أحسن أثرها في عباده، وفي قلب الداعية؛ تصوغه وتُعمر فؤاده، وتُحيي ما يندرس من معالم الإيمان في جوارحه.. فأعظم الناس فائدة من الدعوة: الدعاةُ إلى الله أولا.. ثم من ينتفع بكلام الإيمان الذي يبثوه".
هكذا افتتح أحد الفضلاءِ كلامه في الانطلاق مع بزوغ الصباح إلى ساحل الشام؛ دعوةً إلى الله، بباصين كبيرين؛ أحدهما للدعاة والآخر الداعيات، وسيارتين، بلغ عددناجميعًا أكثر من (50) أخًا وأختا، معهم عدتهم التي على رأسها: إخلاصهم لله، ولسانهم الذي يفيض حبًّا للمسلمين، وكتب ومطويات ورسائل مختصرة، وأشبالٌ للقرآن يتلون، وللشعر يُنشدون.. ونحو (350) لباسًا شرعيا عزموا ان يُعطوه لمن ترغب فيه، وسألوا الله أن يرجعوا خاوي الوفاض منه؛ فلا يبقى منه شيءٌ إلا وقد وُزع..
بعد ساعتين في السفر، وصلنا بانياس؛ فما أحسن استقبال أهلها، وما أجمل البحر المطلَّ على ثراها؛ لقد هيَّج في ذكرى غزة العزة.. نصرها الله؛ فكان أول ما قمنا به من عملٍ أن ألقينا الدروسَ في مساجد المدينة بعد صلاة الظهر، ثم كان في آخر الدرس: طلبُ الأنصار؛ من أهل البلد، ليسيروا معنا في الطرقات، ويدلونا على أهم الأماكن التي ينبغي أن يتوجه لها الدعاة.. فانقسم العاملون إلى (20) فريقًا ثلثهم فرق نسائية، ومع كل فريق اثنين أو أكثر من أهل البلد يسيرون معهم.
فيا لله؛ ما أعظمها من غزوة، وما أكثر بركتها، في ساعات معدودة؛ ما بقي موضعٌ في بانياس إلا جال عليه الدعاة،؛ فدخل الدعاة تجمعات الناس وأسواقهم ونواديهم وملاعبهم ومحالهم التجارية ومواضع اللعب واللهو، ونزلت فرقٌ عدة إلى شاطئ البحر فذكرت بالله جموعَ الشباب المتنزهين على عتباته؛ حتى لقينا بعضَ إخواننا الأكارم من الذين كانوا معنا في إدلب، فقال:
"والله إن هذا هو يوم الفتح.. ولفرحي والإخوة في حضوركم ودعوتكم أحب إلي من فرحي بأول يوم دخلنا فيه البلد".
وأما النسوة؛ فكان لهنَّ خبرًا عجيبًا، فلله درهنَّ، وجزاهنَّ الله عن الإسلام خيرًا؛ فقد درن بانياس، وتجولنَ فيها لا يجدن امرأة حتى يدعونها، وفُتحت لهن القلوب؛ فقد دخلنا البلد وليس فيها مختمرة، وخرجنا بعد أن لبست الباس الشرعي الكامل فيها مباشرة أكثر من (250) امرأة؛ سترهنَّ الله في الدنيا والآخرة..
وكانت مواقف عجيبة: رجلٌ يأتي بخطيبته وأخته ويبقى ساعات ينتظر حتى يحصل اللباس؛ فلما لبسنه قال: الآن فرحتٌ، الآن أمشي بحرية في الطريق؛ بلا خوف من نظر الذئاب البشرية لعرضي!
وأخرى لما رأته جعلت تبكي وتقول: اعتقلت أشهرًا عديدة يوم لبسته في الجامعة قبل ذلك.. الآن أعود إليه وكلي فخر أن الطاغية سقط.. وارتفعت معه رؤوس المسلمات عالية خفاقة.
ولم يكتفِ الدعاة والأخوات ببانياس؛ بل ذهبوا نحو القرى المحيطة بها كالبيضاء -التي كانت فيها مجزرة مشهورة في 2013 ارتقى فيها قرابة مئة مسلم جلهم من الأطفال والنساء-، والمِرقب ذات القلعة المشهورة وغيرها؛ فكان استقبال الناس فيها بفضل الله تعالى: حافلًا مشهودًا؛ كأن كلام الدعاة ماءً زلالا جاءهم على عطش؛ فاستقبلونا أحسن استقبال، وأكرموا وفادتنا.. جزاهم الله خيرًا.
وقُبيل المغرب تحركنا من بانياس حتى وصلنا جَبَلة -هكذا ضبطها بفتح الجيم: الشيخ سمير البحر؛ نقلا عن شيخه عبد القادر الأرنؤوط- ومع أذان المغرب دخلناها فتوزع الدعاة المجاهدون بلسانهم؛ إلى المساجد، وتوزعنا فرقًا كما فعلنا في بانياس، ومشى معنا الأنصارُ في الشوارع والأزقة، وما بقي شبرٌ من قراهم إلا سمعوا كلام أهل الدعوة إلى الله.. فالحمد لله على فضله العظيم.
وما أحببتُ مغادرة جبلة الأبية؛ حتى أزور مَن لهم علينا فضل في فلسطين، بل على الأمة كلها.. إنهم أحفاد الشيخ عز الدين القسام؛ فزرنا الأخ عز الدين القسام.. حفيد الشيخ القسام وَسَمِيُّه؛ فأحسن الاستقبال، ونقلنا له أحوال أهلنا في فلسطين ودعاءهم لجده الشيخ القسام، وكان موقفًا مهيبًا مشهودًا، فالحمد لله على فضله العظيم.
وكان العملُ في جبلةَ سهلًا يسيرًا؛ فقد توزَّع الإخوة في كل أنحائها، من مسجدها الكبير "أبي بكر" حتى بحرها، ورجعنا خاوي الوفاض من اللباس الشرعي؛ فقد أخذت منا جبلة (100) لباس بقيت معنا، وما عُدنا إلا بلباس يتيمٍ فقط؛ كان ضائعًا تحت كراسي السيارات..!
وبعد.. فقد وجدنا من أثرِ الدعوة ما لم نكن نظنه ولا نتوقعه؛ إنَّ الناس في عطشٍ كبير، وحاجة ماسة لسماع كلام أهل الإيمان.. إن دموعهم التي تبكي حين سماع كلامنا تحتاجُ منا أن نقبلَ عليهم فنعلمهم دين الله ونبين لهم عظمة الشريعة وكمال الإسلام، ونبين لهم حقيقة الفتح، وأنه العودة إلى دين الله؛ فبذلك تنجلي الغمة، وتزول عنا الظُّلمة.. والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات؛ فقد كانت خمس عشرة ساعة (9 ص - 12م) بذَل فيها الدعاة أوقاتهم تطوعًا في سبيل الله؛ فاللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم..
[قناة أبي عبد الرحمن الزبير]