أحد المجالات القرآنية التي لم تأخذ حقّها من الدراسة التدبّرية هو دراسة قصص أهل الكتاب في القرآن.
فمساحة هذه القصص والأحوال والأخبار، وخصوصا بني إسرائيل، واسعة جدّا في كتاب الله. وهو ما فتح باب طعن الجهلة الذين زعموا تأثّر القرآن بكتب اليهود والنصارى، ولكن الحقيقة أنّ هذه المساحة الكبيرة لها دلالة عظيمة: أنّ المقصود من هذه القصص أنتم يا أمة الإسلام، كي لا تقعوا فيما وقعوا فيه.
وتأتي سورة الفاتحة التي نقرؤها كل يوم مرارًا ودعاؤها الأخير {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} لتؤكّد مركزية هذه المعرفة في بناء الأمة، أي معرفة ما يضاد الصراط المستقيم من أفعال أهل الكتاب المبسوطة في القرآن لاجتنابها.
وأحسب على ضوء ما يجري في هذه الأمة اليوم أنّ مداخل فشلنا وخيبتنا وتعثّرنا راجعة كلها إلى وقوعنا فيما وقعوا فيه من نقض الميثاق وما يتفرّع عنه، حتى وإنْ لم يكن بالدرجة نفسها من الانحراف، لكن الدروس القرآنية تناولت مختلف الجوانب الحيوية التي جعلت منهم أمّةً ذهب ريحها، وأعني هنا بني إسرائيل، وهي الجوانب الحيوية نفسها التي تجعلنا اليوم أمة عاجزة عن حماية نفسها فضلا عن ريادة الأمم، وتأمل هذه الجوانب التي تناولها القرآن بخصوص أهل الكتاب وتحديدا بني إسرائيل:
- نقض الميثاق: وهو العمل بالتوراة
- تحريف الكلِم عن مواضعه
- كتم العلم
- تعطيل الشرائع أو تبديلها أو التحاكم إلى الهوى
- تولّي الذين كفروا
- القول على الله بغير علم والخوض في الغيب بلا دليل
- التنطّع والتدقيق (البقرة)
- عبادة الأهواء
- الاغترار بالقومية والتمنّي بلا عمل
- أكل الربا واستحلاله
- الاحتيال في الشرائع (أصحاب السبت)
- الاهتمام بالاتباع الظاهري وإهمال إصلاح الباطن والمقاصد
وغير ذلك من الجوانب الخطيرة التي ضربت مسار أمّتهم فأذهبت ريحها.. ومن تأمل في حال هذه الأمة وجد أنها وقعت مع الأسف في الكثير من ذلك وإنْ بمستويات انحراف مختلفة. ويقيني أنّ الله عزّ وجلّ لن يصلح أحوال هذه الأمة ما لم تعد إلى كتابه وتتعلّم هذه الدروس وتنابذ هذه الانحرافات وتصحّحها.
بل أزعم أننا نحتاج بعد ذلك إلى دراسة تاريخ بني إسرائيل لاحقًا، ونحن نعلم مثلا أنّهم أقاموا دولة فاشلة لم تعمّر طويلًا أيام السلوقيين، وهي ثورة المكابيين الذين أقاموا مملكة الحشمونائيم، والتي سرعان ما دبّ الصراع على الحكم بين مكوّناتها، وتولّى بعضهم الرومان واستعانوا بهم مما أفقدهم استقلالهم.
ثم كان لهم كيان تابع لروما أيام هيرودس وأبنائه، وقد كان كيانًا استبداديا يأتمر بأمر روما ويمارس طغيانه على اليهود.
ثم محاولة يائسة لإحياء دولة يهودية إبّان ثورة باركوخڤا في القرن الأول الميلادي. ورغم بطولية هذه المحاولة انتهت بالفشل وبمجزرة هائلة وتشريد كبير، وتشكّل بناءً عليها المزاج اليهودي الذي عرفناه في القرون المتأخرة، وهو المزاج الذي يرفض العودة إلى فلسطين وإقامة دولة وبناء الهيكل! (فهو ليس مزاجا أصيلا كما يظنّ بعض المتحدثين اليوم، بل هو ردّ فعل).
أما دولتهم الحديثة فهي جزء من منظومة الهيمنة الغربية على العالم العربي والإسلامي، وبسببٍ من ضعفنا وهواننا وتشرذمنا.
لكنا في حاجة فعلا إلى الاعتبار من دروس أهل الكتاب في القرآن، والاعتبار من التاريخ الذي يخبرنا بحقائق كثيرة.
فمساحة هذه القصص والأحوال والأخبار، وخصوصا بني إسرائيل، واسعة جدّا في كتاب الله. وهو ما فتح باب طعن الجهلة الذين زعموا تأثّر القرآن بكتب اليهود والنصارى، ولكن الحقيقة أنّ هذه المساحة الكبيرة لها دلالة عظيمة: أنّ المقصود من هذه القصص أنتم يا أمة الإسلام، كي لا تقعوا فيما وقعوا فيه.
وتأتي سورة الفاتحة التي نقرؤها كل يوم مرارًا ودعاؤها الأخير {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} لتؤكّد مركزية هذه المعرفة في بناء الأمة، أي معرفة ما يضاد الصراط المستقيم من أفعال أهل الكتاب المبسوطة في القرآن لاجتنابها.
وأحسب على ضوء ما يجري في هذه الأمة اليوم أنّ مداخل فشلنا وخيبتنا وتعثّرنا راجعة كلها إلى وقوعنا فيما وقعوا فيه من نقض الميثاق وما يتفرّع عنه، حتى وإنْ لم يكن بالدرجة نفسها من الانحراف، لكن الدروس القرآنية تناولت مختلف الجوانب الحيوية التي جعلت منهم أمّةً ذهب ريحها، وأعني هنا بني إسرائيل، وهي الجوانب الحيوية نفسها التي تجعلنا اليوم أمة عاجزة عن حماية نفسها فضلا عن ريادة الأمم، وتأمل هذه الجوانب التي تناولها القرآن بخصوص أهل الكتاب وتحديدا بني إسرائيل:
- نقض الميثاق: وهو العمل بالتوراة
- تحريف الكلِم عن مواضعه
- كتم العلم
- تعطيل الشرائع أو تبديلها أو التحاكم إلى الهوى
- تولّي الذين كفروا
- القول على الله بغير علم والخوض في الغيب بلا دليل
- التنطّع والتدقيق (البقرة)
- عبادة الأهواء
- الاغترار بالقومية والتمنّي بلا عمل
- أكل الربا واستحلاله
- الاحتيال في الشرائع (أصحاب السبت)
- الاهتمام بالاتباع الظاهري وإهمال إصلاح الباطن والمقاصد
وغير ذلك من الجوانب الخطيرة التي ضربت مسار أمّتهم فأذهبت ريحها.. ومن تأمل في حال هذه الأمة وجد أنها وقعت مع الأسف في الكثير من ذلك وإنْ بمستويات انحراف مختلفة. ويقيني أنّ الله عزّ وجلّ لن يصلح أحوال هذه الأمة ما لم تعد إلى كتابه وتتعلّم هذه الدروس وتنابذ هذه الانحرافات وتصحّحها.
بل أزعم أننا نحتاج بعد ذلك إلى دراسة تاريخ بني إسرائيل لاحقًا، ونحن نعلم مثلا أنّهم أقاموا دولة فاشلة لم تعمّر طويلًا أيام السلوقيين، وهي ثورة المكابيين الذين أقاموا مملكة الحشمونائيم، والتي سرعان ما دبّ الصراع على الحكم بين مكوّناتها، وتولّى بعضهم الرومان واستعانوا بهم مما أفقدهم استقلالهم.
ثم كان لهم كيان تابع لروما أيام هيرودس وأبنائه، وقد كان كيانًا استبداديا يأتمر بأمر روما ويمارس طغيانه على اليهود.
ثم محاولة يائسة لإحياء دولة يهودية إبّان ثورة باركوخڤا في القرن الأول الميلادي. ورغم بطولية هذه المحاولة انتهت بالفشل وبمجزرة هائلة وتشريد كبير، وتشكّل بناءً عليها المزاج اليهودي الذي عرفناه في القرون المتأخرة، وهو المزاج الذي يرفض العودة إلى فلسطين وإقامة دولة وبناء الهيكل! (فهو ليس مزاجا أصيلا كما يظنّ بعض المتحدثين اليوم، بل هو ردّ فعل).
أما دولتهم الحديثة فهي جزء من منظومة الهيمنة الغربية على العالم العربي والإسلامي، وبسببٍ من ضعفنا وهواننا وتشرذمنا.
لكنا في حاجة فعلا إلى الاعتبار من دروس أهل الكتاب في القرآن، والاعتبار من التاريخ الذي يخبرنا بحقائق كثيرة.
❤49👍17
لقد كان ذلك بالأمس.. منذ أربعينيات القرن الماضي
أقمنا دولًا، وفرحنا بالتحرير والاستقلال، وجعلنا هذه الأيام ذكرى نحتفل بها في كل عام.
لقد كان كل شيء مشابهًا لما يحدث اليوم إلى حد كبير، الأحلام والآمال والطموحات والشعارات مع تعديلات طفيفة.. ولكنا وقعنا بعد تلك "الاستقلالات" و"التحريرات" سريعًا في براثن أنظمة أوغلتْ في الطغيان والمظالم والاستبداد والافقار والتخلف والتبعية.
ما أريد قوله إننا نعيد الكرّة بلا تعلُّم من درس الماضي القريب..
نمضي مع القوالب نفسها.. مع الوصفة نفسها.. دولة جديدة وعلم جديد ودستور جديد وهوية وطنية وقانون وطموح لديمقراطية وحياة نيابية واقتصاد حرّ منفتح إلخ..
فما الذي تغير؟
لم نعرف أساس المشكلة..
لم نعرف من أي ثغرٍ أُتينا؟ ما الذي أوصلنا إلى أن نُظلم ونُستباح؟ ما الذي أغرقنا في الضعف والتبعية والاستبداد؟
أزعم أن النخب الفاعلة في عالمنا العربي لم تتعلّم من درس القرن الماضي، هي غالبًا تتجنّب التصورات الطوباوية وتوجّهات الغلوّ المنقطعة عن فهم تحدّيات الواقع، ولكنها في المقابل لم تقدّم رؤية مستندة إلى إرثنا الشرعي والتاريخي وخصوصيتنا الثقافية من جهة، وإلى الاستفادة من تجربة التاريخ القريب للدولة الوطنية العربية من جهة أخرى.
إنها تعود من جديد لتتناول القوالب الغربية الجاهزة مع تحديثات القرن الجديد، بلا تغييرات جذرية ضرورية لتصبح ملائمة لنا ولديننا وثقافتنا واجتماعنا.. ما زالت تحلم الحلم نفسه رغم الصفعات المؤلمة التي أتتها منه!
من جديد، نخوض أزمة القالب الذي لا يلائم المحتوى، فلا يلبث أن يضيق به، ويقيّد طاقاته، ويفتح ثغرات الضعف والتبعية والاستبداد، تلك الثلاثية التي تتناوب علينا منذ عقود!
أقمنا دولًا، وفرحنا بالتحرير والاستقلال، وجعلنا هذه الأيام ذكرى نحتفل بها في كل عام.
لقد كان كل شيء مشابهًا لما يحدث اليوم إلى حد كبير، الأحلام والآمال والطموحات والشعارات مع تعديلات طفيفة.. ولكنا وقعنا بعد تلك "الاستقلالات" و"التحريرات" سريعًا في براثن أنظمة أوغلتْ في الطغيان والمظالم والاستبداد والافقار والتخلف والتبعية.
ما أريد قوله إننا نعيد الكرّة بلا تعلُّم من درس الماضي القريب..
نمضي مع القوالب نفسها.. مع الوصفة نفسها.. دولة جديدة وعلم جديد ودستور جديد وهوية وطنية وقانون وطموح لديمقراطية وحياة نيابية واقتصاد حرّ منفتح إلخ..
فما الذي تغير؟
لم نعرف أساس المشكلة..
لم نعرف من أي ثغرٍ أُتينا؟ ما الذي أوصلنا إلى أن نُظلم ونُستباح؟ ما الذي أغرقنا في الضعف والتبعية والاستبداد؟
أزعم أن النخب الفاعلة في عالمنا العربي لم تتعلّم من درس القرن الماضي، هي غالبًا تتجنّب التصورات الطوباوية وتوجّهات الغلوّ المنقطعة عن فهم تحدّيات الواقع، ولكنها في المقابل لم تقدّم رؤية مستندة إلى إرثنا الشرعي والتاريخي وخصوصيتنا الثقافية من جهة، وإلى الاستفادة من تجربة التاريخ القريب للدولة الوطنية العربية من جهة أخرى.
إنها تعود من جديد لتتناول القوالب الغربية الجاهزة مع تحديثات القرن الجديد، بلا تغييرات جذرية ضرورية لتصبح ملائمة لنا ولديننا وثقافتنا واجتماعنا.. ما زالت تحلم الحلم نفسه رغم الصفعات المؤلمة التي أتتها منه!
من جديد، نخوض أزمة القالب الذي لا يلائم المحتوى، فلا يلبث أن يضيق به، ويقيّد طاقاته، ويفتح ثغرات الضعف والتبعية والاستبداد، تلك الثلاثية التي تتناوب علينا منذ عقود!
❤37👍23😢6
على سيرة أدونيس التي تفتح مع جوائز نوبل تذكرت شيئا مفيدا..
ينبغي لأهل العلم والفضل والديانة المسارعة إلى كتابة التصانيف المرجعية التي تُتّخذ في التدريس وتحتوي على أمهات النصوص، فهو باب ينفذ منه أهل الشبهات والإلحاد، ومن ذلك مثلا كتاب أدونيس "ديوان النثر العربي" بعد أن كتب "ديوان الشعر العربي"، وهما في أجزاء كثيرة.
فهو يختار بالترتيب التاريخي نصوصا من التراث العربي بدءًا العهد الجاهلي. وهو منهج مألوف. لكنك ستكون مغفّلا إنْ ظننت الكتاب محايدًا لمجرّد أن أدونيس لم يفسّر ويشرح ويبثّ أفكاره (وإن كان بثّها في المقدمة)، لكنه يبثّها بشكل أقذر في الاختيارات (وفي الهوامش أحيانا)، فأنت لا تعبر عن فكرك بمجرد التصريح، بل حتى باختيار ما قاله أو صنّفه غيرك.
ومن ذلك أنه حين جاء إلى مقولات الجاهليين تعمّد ذكر الفضائل التي تتشابه مع فضائل الإسلام كما وردت في الكتاب والسنة، وكأنه يريد أن يقول لك: هذا الدين ليس إلا استمرارا لما كان عليه العرب ولم يأتِ بجديد. بل تجده لا يتورّع عن عقد باب لمسيلمة الكذاب وما جاء عنه من نصوص ركيكة، ليخلّدها في ديوان نثر العرب!
ثم حين يقتبس نصوص أهل الإسلام من الصحابة والتابعين وتابعيهم تجده يتتبع النصوص الغريبة العجيبة، غير آبه بمدى صحّتها وأين وردت، ولا يقدّم أي جهد علمي في إحالتك للمصدر. فلا يجد لأبي هريرة سوى نصوص تأخذ طابعًا جنسيّا، وكذلك يفعل مع ابن سيرين وغيره. لتصل إلى القارئ صورة غريبة وهو يقرأ النصوص المتتابعة، التي لا تمثّل بطبيعة الحال ما كان عليه هؤلاء. فهو لا يختار أبلغ ما لديهم أو أحسنه دائمًا، بل يختار أشياء من هذا الحسن ويدسّ لك بينه الغريب الشاذ النادر الذي يوحي للقارئ المعاصر بأنّ هموم هؤلاء كانت متمحورة حول الجنس وما شابه، وهو ما يخدمه ويرسم الصورة التي يريد.
بل ينقل عن علي ابن أبي طالب مما جاء في نهج البلاغة من نفي الصفات تصريحًا، وهو مكذوب عليه قطعًا وبلغة تنتمي إلى عصر لاحق، ولا يشير إلى ذلك. وكان ينبغي له أن ينقل عن عليّ رضي الله عنه ما جاء في الدواوين القديمة المسندة، فهي أكثر تعبيرًا عن بلاغته وأقرب إلى عصره مع تحقيقها العلمي.
وذلك فضلا عن بثّه الروايات الكثيرة التي تقدّم صورة الخصومة بين الصحابة رضي الله عنهم، فيعطيها مساحة جيّدة ليبثّ في نفسك أنّ صورة خير القرون هي هذه، دون تحقيق الروايات المكذوبة ولا شيء من هذا، فالمهم أن يبثّ لك هذه الصورة ويمضي!
فانتبه جيّدا وأنت تقرأ هذه المختارات، فهي تعبّر عن أفكار المصنّفين وتصوّراتهم وتجاربهم، وبعضهم أقل شرّا من بعض، بل ستجد من غير المنتمين للإسلام والدعوة من ترك مصنّفات أحسن في هذا الباب، ومن ذلك كتاب "أساتذة النثر العربي" للشاعر الأديب الماروني أمين نخلة، فمع سلامة نيّته عن دنس أدونيس، تَكسب اختيارات أديب ذوّاقة، يقدّم لكل شخصية بمقدمة قصيرة ويطلعك على مجال تميّزه ويختار اختيارات حسنة. مع أن كتابه صغير بالقياس إلى موسوعة أدونيس، ولكنه أكثر نفعا منها.
وأحسن منه ما تجده في كتب المتقدّمين من أهل الأدب والمتأخّرين.
ينبغي لأهل العلم والفضل والديانة المسارعة إلى كتابة التصانيف المرجعية التي تُتّخذ في التدريس وتحتوي على أمهات النصوص، فهو باب ينفذ منه أهل الشبهات والإلحاد، ومن ذلك مثلا كتاب أدونيس "ديوان النثر العربي" بعد أن كتب "ديوان الشعر العربي"، وهما في أجزاء كثيرة.
فهو يختار بالترتيب التاريخي نصوصا من التراث العربي بدءًا العهد الجاهلي. وهو منهج مألوف. لكنك ستكون مغفّلا إنْ ظننت الكتاب محايدًا لمجرّد أن أدونيس لم يفسّر ويشرح ويبثّ أفكاره (وإن كان بثّها في المقدمة)، لكنه يبثّها بشكل أقذر في الاختيارات (وفي الهوامش أحيانا)، فأنت لا تعبر عن فكرك بمجرد التصريح، بل حتى باختيار ما قاله أو صنّفه غيرك.
ومن ذلك أنه حين جاء إلى مقولات الجاهليين تعمّد ذكر الفضائل التي تتشابه مع فضائل الإسلام كما وردت في الكتاب والسنة، وكأنه يريد أن يقول لك: هذا الدين ليس إلا استمرارا لما كان عليه العرب ولم يأتِ بجديد. بل تجده لا يتورّع عن عقد باب لمسيلمة الكذاب وما جاء عنه من نصوص ركيكة، ليخلّدها في ديوان نثر العرب!
ثم حين يقتبس نصوص أهل الإسلام من الصحابة والتابعين وتابعيهم تجده يتتبع النصوص الغريبة العجيبة، غير آبه بمدى صحّتها وأين وردت، ولا يقدّم أي جهد علمي في إحالتك للمصدر. فلا يجد لأبي هريرة سوى نصوص تأخذ طابعًا جنسيّا، وكذلك يفعل مع ابن سيرين وغيره. لتصل إلى القارئ صورة غريبة وهو يقرأ النصوص المتتابعة، التي لا تمثّل بطبيعة الحال ما كان عليه هؤلاء. فهو لا يختار أبلغ ما لديهم أو أحسنه دائمًا، بل يختار أشياء من هذا الحسن ويدسّ لك بينه الغريب الشاذ النادر الذي يوحي للقارئ المعاصر بأنّ هموم هؤلاء كانت متمحورة حول الجنس وما شابه، وهو ما يخدمه ويرسم الصورة التي يريد.
بل ينقل عن علي ابن أبي طالب مما جاء في نهج البلاغة من نفي الصفات تصريحًا، وهو مكذوب عليه قطعًا وبلغة تنتمي إلى عصر لاحق، ولا يشير إلى ذلك. وكان ينبغي له أن ينقل عن عليّ رضي الله عنه ما جاء في الدواوين القديمة المسندة، فهي أكثر تعبيرًا عن بلاغته وأقرب إلى عصره مع تحقيقها العلمي.
وذلك فضلا عن بثّه الروايات الكثيرة التي تقدّم صورة الخصومة بين الصحابة رضي الله عنهم، فيعطيها مساحة جيّدة ليبثّ في نفسك أنّ صورة خير القرون هي هذه، دون تحقيق الروايات المكذوبة ولا شيء من هذا، فالمهم أن يبثّ لك هذه الصورة ويمضي!
فانتبه جيّدا وأنت تقرأ هذه المختارات، فهي تعبّر عن أفكار المصنّفين وتصوّراتهم وتجاربهم، وبعضهم أقل شرّا من بعض، بل ستجد من غير المنتمين للإسلام والدعوة من ترك مصنّفات أحسن في هذا الباب، ومن ذلك كتاب "أساتذة النثر العربي" للشاعر الأديب الماروني أمين نخلة، فمع سلامة نيّته عن دنس أدونيس، تَكسب اختيارات أديب ذوّاقة، يقدّم لكل شخصية بمقدمة قصيرة ويطلعك على مجال تميّزه ويختار اختيارات حسنة. مع أن كتابه صغير بالقياس إلى موسوعة أدونيس، ولكنه أكثر نفعا منها.
وأحسن منه ما تجده في كتب المتقدّمين من أهل الأدب والمتأخّرين.
❤48👍16
كرر الرئيس أحمد الشرع أكثر من مرة بأنّ للسلطة مهمّتين أساسيتين: حماية الناس والسعي في أرزاقهم، مع استشهاده بقوله تعالى: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (قريش: 4).
ورغم إشكالية هذا الاستدلال، إذ المقصود بذلك هو الله عزّ وجلّ الذي رزق الناس وأمّنهم إذ جعلهم في حرم الله الذي تُعظّمه العرب، لكنّ خطورة المقولة تأتي من باب التأصيل لاختزال مهمة السلطة في أذهان الناس.
فقد يتفهّم الإنسان ضعف بعض الحكومات المسلمة عن إقامة شرع الله بسبب الاستضعاف، وقد نختلف حول هذا الشأن كثيرًا، لكن ما لا يمكن الخلاف حوله أنّه لا ينبغي لأي مسلم أن يحرّف وظيفة السلطة أو الحاكم في الإسلام نتيجة ضعفه هذا.
بكلمات أخرى: لا ينبغي للخطاب السياسي أن ينحرف لتغيير الخطاب الشرعي، فالخطاب الشرعي يجب أن يظل ثابتًا، ومن لا يستطيع الجهر به فليترك المجال لغيره من العلماء والدعاة والمربّين والنخب الفكرية والمثقّفة التي يتعيّن عليها بيان حقيقة الإسلام ورسالة هذه الأمة ومهمة السلطة في الإسلام.
وكان حريّا بالمستدلّ من كتاب الله إذا ما أراد أن يذكر وظائف السلطة أن يلجأ للآيات الواضحة الخاصة بالحكّام والأوضاع الجماعية، كقوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ} (الحج: 41). فإقامة الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي أسس مهمة السلطة في الإسلام.
وقوله تعالى: {وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} (المائدة: 48).
وقوله تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (ص: 26).
وجاءت السنّة لتؤكّد واجب "إقامة الدين" أو "إقامة الشرع" بالنسبة للسلطة، فعن أم الحصين الأحمسية قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عليه بُرد قد التفع به من تحت إبطه، فأنا أنظر إلى عضلة عضده ترتجُّ وهو يقول: "يا أيها الناس، اتقوا الله وأطيعوا، وإن أُمِّر عليكم عبدٌ حبشي مجدع فاسمعوا وأطيعوا ما أقام فيكم كتاب الله" (مسند أحمد). وفي رواية عند أحمد أيضا: "ما قادكم بكتاب الله".
وقال عليه الصلاة والسلام: "إنّ هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحدٌ إلّا كبّه الله على وجهه، ما أقاموا الدين" (صحيح البخاري).
فهذا ينبغي أن يكون واضحا، وهو أن أولى مهام السلطة أو الحكومة أو سمّها ما شئت عند المسلمين هي إقامة شريعة الله، لتعبيد النّاس لخالقهم في مختلف شؤون حياتهم، لأنّ غاية الوجود الإنساني هي عبادة الله وحده.
وكل خطاب حول وظيفة السلطة ينحرف عن هذه الحقيقة أو يتجاهلها مع استدلاله بكتاب الله يساهم مع الأسف في إبعاد الأمة عن المفاهيم الصحيحة حول الشريعة والدولة، ويُبطئ من نضجها، إذ يفترض أن تصبح يومًا ما بنخبها وعلمائها وشبابها هي المحرّك الأساسي الدافع الذي يلزم السلطة بإقامة شرع الله في بلاد المسلمين.
إنّ السلطة في الإسلام ليست "شركة تجارية"، وليست الدولة "عقارًا" يحتاج إلى "مدير شاطر" كي يديره، بل هي محور حيوي في حركة المجتمع ومسار الأمة، ومتى كانت خالية عن الانطلاق من الشريعة وإقامتها وقيادة المجتمع بها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ خاب مسعاها، واندرجت شيئا فشيئا في غايات النظام الجاهلي العالمي، وجنت على المجتمع علمنةً وتفسّخًا أخلاقيّا وضعفًا وضياعًا.
ورغم إشكالية هذا الاستدلال، إذ المقصود بذلك هو الله عزّ وجلّ الذي رزق الناس وأمّنهم إذ جعلهم في حرم الله الذي تُعظّمه العرب، لكنّ خطورة المقولة تأتي من باب التأصيل لاختزال مهمة السلطة في أذهان الناس.
فقد يتفهّم الإنسان ضعف بعض الحكومات المسلمة عن إقامة شرع الله بسبب الاستضعاف، وقد نختلف حول هذا الشأن كثيرًا، لكن ما لا يمكن الخلاف حوله أنّه لا ينبغي لأي مسلم أن يحرّف وظيفة السلطة أو الحاكم في الإسلام نتيجة ضعفه هذا.
بكلمات أخرى: لا ينبغي للخطاب السياسي أن ينحرف لتغيير الخطاب الشرعي، فالخطاب الشرعي يجب أن يظل ثابتًا، ومن لا يستطيع الجهر به فليترك المجال لغيره من العلماء والدعاة والمربّين والنخب الفكرية والمثقّفة التي يتعيّن عليها بيان حقيقة الإسلام ورسالة هذه الأمة ومهمة السلطة في الإسلام.
وكان حريّا بالمستدلّ من كتاب الله إذا ما أراد أن يذكر وظائف السلطة أن يلجأ للآيات الواضحة الخاصة بالحكّام والأوضاع الجماعية، كقوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ} (الحج: 41). فإقامة الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي أسس مهمة السلطة في الإسلام.
وقوله تعالى: {وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} (المائدة: 48).
وقوله تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (ص: 26).
وجاءت السنّة لتؤكّد واجب "إقامة الدين" أو "إقامة الشرع" بالنسبة للسلطة، فعن أم الحصين الأحمسية قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عليه بُرد قد التفع به من تحت إبطه، فأنا أنظر إلى عضلة عضده ترتجُّ وهو يقول: "يا أيها الناس، اتقوا الله وأطيعوا، وإن أُمِّر عليكم عبدٌ حبشي مجدع فاسمعوا وأطيعوا ما أقام فيكم كتاب الله" (مسند أحمد). وفي رواية عند أحمد أيضا: "ما قادكم بكتاب الله".
وقال عليه الصلاة والسلام: "إنّ هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحدٌ إلّا كبّه الله على وجهه، ما أقاموا الدين" (صحيح البخاري).
فهذا ينبغي أن يكون واضحا، وهو أن أولى مهام السلطة أو الحكومة أو سمّها ما شئت عند المسلمين هي إقامة شريعة الله، لتعبيد النّاس لخالقهم في مختلف شؤون حياتهم، لأنّ غاية الوجود الإنساني هي عبادة الله وحده.
وكل خطاب حول وظيفة السلطة ينحرف عن هذه الحقيقة أو يتجاهلها مع استدلاله بكتاب الله يساهم مع الأسف في إبعاد الأمة عن المفاهيم الصحيحة حول الشريعة والدولة، ويُبطئ من نضجها، إذ يفترض أن تصبح يومًا ما بنخبها وعلمائها وشبابها هي المحرّك الأساسي الدافع الذي يلزم السلطة بإقامة شرع الله في بلاد المسلمين.
إنّ السلطة في الإسلام ليست "شركة تجارية"، وليست الدولة "عقارًا" يحتاج إلى "مدير شاطر" كي يديره، بل هي محور حيوي في حركة المجتمع ومسار الأمة، ومتى كانت خالية عن الانطلاق من الشريعة وإقامتها وقيادة المجتمع بها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ خاب مسعاها، واندرجت شيئا فشيئا في غايات النظام الجاهلي العالمي، وجنت على المجتمع علمنةً وتفسّخًا أخلاقيّا وضعفًا وضياعًا.
❤104👍30
تنويه مهم بخصوص ما أكتبه حول الشريعة:
كثيرا ما يواجَه ما أكتبه حول الشريعة والدولة بمقولة واحدة لا تكاد تتغير: "فلان من الحكام لا يستطيع الآن تطبيق الشريعة فالتحديات كبيرة والضغوط الدولية حاضرة والمجتمع مرهق والاقتصاد هشّ.. إلخ".
ولا يكاد ردّ فعل بعض القرّاء يخرج عن هذا.. وكأنّهم في حالة تحفّز ضدّ أي استعداء لمن يحبّون ويوالون.. والقضية أوسع من هذا، فلم تكن دعوتي يومًا مرتبطة بمناكفة شخص أو فصيل أو حكومة، بل هي من باب البيان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أتعبّد لله بأدائه.
إنّ حديثي عن قضية الشريعة هو من باب تصحيح المفاهيم حولها، فنحن لدينا مأزق كبير في فهم الشريعة وتطبيقاتها في الواقع والدولة، وفي فهم نطاقها ومجالاتها، وفي فهم حقيقة ارتباطها بالتوحيد.. وهذا المأزق في الفهم هو أحد أبرز العوائق دونها. ولهذا أتناولها في كل مرة من جوانب مختلفة، تفاعلًا مع الأحداث والوقائع والتصريحات لبثّ الوعي بخصوصها.
فإذا كنا ننطلق من فكرة أننا غير قادرين اليوم على إقامة الشريعة بشكل شامل بسبب عجزنا وضعفنا، وبسبب عدم وضوح قضية الشريعة لدى المجتمع، فإنّ الواجب البديهي الطبيعي أن نقوم بواجب البيان ونعرّف الناس بقضية الشريعة ونبثّ مفاهيمها بينهم ونربّي الأجيال عليها لتصير رأيًا عامّا لديهم، وغاية يسعون إليها.. أمّا أن يكون كل حديثنا عن الشريعة هو ترديد مقولة الضعف والعجز فحسب ثم نغلق الكتاب، بلا دعوة ولا بيان ولا رؤية ولا مشروع.. فهذا من الخذلان والله المستعان!
بل إنّ بعض تلك الاعتراضات التي أراها كلما كتبت شيئا عن الشريعة تؤكّد لي أننا وصلنا إلى مدى مؤسف من الجهل بخصوص فهم قضيتها. فهناك الكثير من الفهم السطحي لها ولمظاهر إقامتها في المجال العام، بل هناك عدد لا بأس به من النخب الشرعية والمثقّفة ثقافة إسلامية، وبعضها يمارس الدعوة ويكتب عن الإسلام، تحمل تصوّرات غائمة أو مغلوطة عن الشريعة، فبعضهم يرى أنّ الشريعة مطبّقة في بلادنا، وبعضهم ينظر إلى أمور فردية وشعائرية هي الدليل عنده على تطبيق الشريعة وعدم التقصير فيها!
من أجل ذلك كله أرى وجوب الحديث عن الشريعة وتوضيح مفاهيمها في كل محفل، وإحيائها في عقول المسلمين وقلوبهم، وتناول الماجَريات بمعيارها لتعويد المسلمين الذين غابوا عن آفاق الشريعة طويلا على قياس الأمور بمعيارها والعودة إلى مرجعيّتها دومًا، مع العمل على تطوير رؤى شرعية تواكب تحدّيات الواقع واحتياجاته.
وكل ذلك للاقتراب من إقامة دين الله في الأرض في جميع المجالات، فلا يوجد واجب أولى من العمل على هذا، فهو رسالة الإسلام وصلب دعوته، وهو من إخلاص العبودية لله؛ حقيقة هذا الدين والغاية التي من أجلها خلق الله الخلق وأرسل الرسل. ولا يوجد واجب أو مهمة أو عمل دنيوي مقدَّم عليه، بل كل عمل دنيوي من الأعمال العامة ينبغي أن يصبّ في صالحه ويؤول إليه، والغافل عن هذا يحتاج أن ينبَّه والله الموفق.
كثيرا ما يواجَه ما أكتبه حول الشريعة والدولة بمقولة واحدة لا تكاد تتغير: "فلان من الحكام لا يستطيع الآن تطبيق الشريعة فالتحديات كبيرة والضغوط الدولية حاضرة والمجتمع مرهق والاقتصاد هشّ.. إلخ".
ولا يكاد ردّ فعل بعض القرّاء يخرج عن هذا.. وكأنّهم في حالة تحفّز ضدّ أي استعداء لمن يحبّون ويوالون.. والقضية أوسع من هذا، فلم تكن دعوتي يومًا مرتبطة بمناكفة شخص أو فصيل أو حكومة، بل هي من باب البيان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أتعبّد لله بأدائه.
إنّ حديثي عن قضية الشريعة هو من باب تصحيح المفاهيم حولها، فنحن لدينا مأزق كبير في فهم الشريعة وتطبيقاتها في الواقع والدولة، وفي فهم نطاقها ومجالاتها، وفي فهم حقيقة ارتباطها بالتوحيد.. وهذا المأزق في الفهم هو أحد أبرز العوائق دونها. ولهذا أتناولها في كل مرة من جوانب مختلفة، تفاعلًا مع الأحداث والوقائع والتصريحات لبثّ الوعي بخصوصها.
فإذا كنا ننطلق من فكرة أننا غير قادرين اليوم على إقامة الشريعة بشكل شامل بسبب عجزنا وضعفنا، وبسبب عدم وضوح قضية الشريعة لدى المجتمع، فإنّ الواجب البديهي الطبيعي أن نقوم بواجب البيان ونعرّف الناس بقضية الشريعة ونبثّ مفاهيمها بينهم ونربّي الأجيال عليها لتصير رأيًا عامّا لديهم، وغاية يسعون إليها.. أمّا أن يكون كل حديثنا عن الشريعة هو ترديد مقولة الضعف والعجز فحسب ثم نغلق الكتاب، بلا دعوة ولا بيان ولا رؤية ولا مشروع.. فهذا من الخذلان والله المستعان!
بل إنّ بعض تلك الاعتراضات التي أراها كلما كتبت شيئا عن الشريعة تؤكّد لي أننا وصلنا إلى مدى مؤسف من الجهل بخصوص فهم قضيتها. فهناك الكثير من الفهم السطحي لها ولمظاهر إقامتها في المجال العام، بل هناك عدد لا بأس به من النخب الشرعية والمثقّفة ثقافة إسلامية، وبعضها يمارس الدعوة ويكتب عن الإسلام، تحمل تصوّرات غائمة أو مغلوطة عن الشريعة، فبعضهم يرى أنّ الشريعة مطبّقة في بلادنا، وبعضهم ينظر إلى أمور فردية وشعائرية هي الدليل عنده على تطبيق الشريعة وعدم التقصير فيها!
من أجل ذلك كله أرى وجوب الحديث عن الشريعة وتوضيح مفاهيمها في كل محفل، وإحيائها في عقول المسلمين وقلوبهم، وتناول الماجَريات بمعيارها لتعويد المسلمين الذين غابوا عن آفاق الشريعة طويلا على قياس الأمور بمعيارها والعودة إلى مرجعيّتها دومًا، مع العمل على تطوير رؤى شرعية تواكب تحدّيات الواقع واحتياجاته.
وكل ذلك للاقتراب من إقامة دين الله في الأرض في جميع المجالات، فلا يوجد واجب أولى من العمل على هذا، فهو رسالة الإسلام وصلب دعوته، وهو من إخلاص العبودية لله؛ حقيقة هذا الدين والغاية التي من أجلها خلق الله الخلق وأرسل الرسل. ولا يوجد واجب أو مهمة أو عمل دنيوي مقدَّم عليه، بل كل عمل دنيوي من الأعمال العامة ينبغي أن يصبّ في صالحه ويؤول إليه، والغافل عن هذا يحتاج أن ينبَّه والله الموفق.
❤135👍39
حين أعيد قراءة الأستاذ سيد قطب رحمه الله هذه الأيام، أدرك إلى أي مدى كان مصيبا في حديثه عن جاهلية مجتمعاتنا، التي لا تعني بطبيعة الحال تكفير أفرادها، والقصد: هيمنة القيم والأنظمة الجاهلية على أنشطة الحياة العامة على وجه الخصوص، وتبعًا لذلك تأثّرت معايير الناس وموازينهم بهذه الهيمنة.
تأمّل هذا النص له وانظر إلى حال المجتمعات اليوم وأين هي من معايير الشريعة في مختلف المجالات؟
يقول رحمه الله في سياق تفسير آية في التحريم من سورة المائدة:
"طول عزلة الإسلام عن أن يحكم الحياة - كما هو شأنه وحقيقته - قد جعل معاني العبارة تتقلص ظلالها عن مدى الحقيقة التي تعنيها في القرآن الكريم وفي هذا الدين. ولقد جعلت كلمة "الحلال" وكلمة "الحرام" يتقلص ظلهما في حس الناس، حتى عاد لا يتجاوز ذبيحة تُذبح، أو طعاما يُؤكل، أو شرابا يُشرب، أو لباسا يُلبس، أو نكاحا يُعقد.. فهذه هي الشئون التي عاد الناس يستفتون فيه الإسلام ليروا: حلال هي أم حرام!
فأما الأمور العامة والشئون الكبيرة فهم يستفتون في شأنها النظريات والدساتير والقوانين التي استُبدلت بشريعة الله! فالنظام الاجتماعي بجملته، والنظام السياسي بجملته، والنظام الدولي بجملته؛ وكافة اختصاصات الله في الأرض وفي حياة الناس، لم تعد مما يستفتى فيه الإسلام!
والإسلام منهج للحياة كلها. من اتبعه كله فهو مؤمن وفي دين الله. ومن اتبع غيره ولو في حكم واحد فقد رفض الإيمان واعتدى على ألوهية الله، وخرج من دين الله. مهما أعلن أنه يحترم العقيدة وأنه مسلم. فاتباعه شريعة غير شريعة الله، يكذب زعمه ويدمغه بالخروج من دين الله" (في ظلال القرآن).
وقد صدق رحمه الله، وهو يقصد بالاتباع العدول عن حكم الله إلى حكم غيره كما قال ابن كثير، وهو تبديل الشريعة، أي رفض ما شرع الله وقبول شرع غيره. ولا يقصد الوقوع في معصيةٍ لشهوة.
ولقد رأيتُ ناسًا من المسلمين يعلّقون محتفين بتغيير زعيم مسلم لإحدى الدول في أفريقيا (بصرف النظر عن صحة الخبر) حكمَ السجن للسارق إلى عمل يقوم به لصالح الدولة حتى يسدّ المال الذي سرقه.. فهم مبتهجون بهذا الحكم الجديد، داعين له بالعون والتوفيق بالعبارات الإسلامية! وكأنّه لا يوجد عندنا قرآن نتحاكم إليه ويوضّح لنا بأنّ كلا الحكمين تبديلٌ للشريعة، لأنّ الله في عليائه قد حكم بقطع يد السارق، في آية يقرؤونها مع كل ختمة للقرآن الكريم!
وانظر كيف يتعامل الناس اليوم مع القوانين، إذ يغيب عن وعيهم وهم يناقشون القوانين التي تنظّم مسائل الدماء والأموال والأعراض أنّ الشريعة جاءت لتنظيم ذلك كله، وأنها معطّلة، وأنّهم مسلمون لا ينبغي أن يرضوا بهذا! ولكن "الحلال والحرام" في حسّهم منصرف لقضايا التعبّد وبعض المعاملات الفردية اليومية. ولهذا تحتاج الدعوة اليوم إلى بيان اتساع مساحة الحلال والحرام، وأن المجتمع حين يرضى بالتحاكم إلى غير شريعة الله في أوضاعه الجماعية، وحين يرضى بتجاهلها وتعطيلها، يكون قد وقع في منكر عظيم كالذي وقع فيه أهل الكتاب الذين حدثنا القرآن عنهم.
ويجدر بالدعاة المشغولين بتدريس التوحيد والعقائد، أو المشغولين بتحفيظ القرآن والسنّة، أو المشغولين بتعليم الفقه أن يلتفتوا إلى هذا الباب، ويعطوه من أولوياتهم في الدعوة والبيان ليقوموا بواجبهم تجاه دينهم وتجاه أمتهم. فالتقصير فيه يمس بأصل التوحيد، ويصادم نصوص القرآن والسنّة، ويُهدر المعمار الفقهي الذي يدرسونه في كتب الفقه الإسلامي كل يوم!
تأمّل هذا النص له وانظر إلى حال المجتمعات اليوم وأين هي من معايير الشريعة في مختلف المجالات؟
يقول رحمه الله في سياق تفسير آية في التحريم من سورة المائدة:
"طول عزلة الإسلام عن أن يحكم الحياة - كما هو شأنه وحقيقته - قد جعل معاني العبارة تتقلص ظلالها عن مدى الحقيقة التي تعنيها في القرآن الكريم وفي هذا الدين. ولقد جعلت كلمة "الحلال" وكلمة "الحرام" يتقلص ظلهما في حس الناس، حتى عاد لا يتجاوز ذبيحة تُذبح، أو طعاما يُؤكل، أو شرابا يُشرب، أو لباسا يُلبس، أو نكاحا يُعقد.. فهذه هي الشئون التي عاد الناس يستفتون فيه الإسلام ليروا: حلال هي أم حرام!
فأما الأمور العامة والشئون الكبيرة فهم يستفتون في شأنها النظريات والدساتير والقوانين التي استُبدلت بشريعة الله! فالنظام الاجتماعي بجملته، والنظام السياسي بجملته، والنظام الدولي بجملته؛ وكافة اختصاصات الله في الأرض وفي حياة الناس، لم تعد مما يستفتى فيه الإسلام!
والإسلام منهج للحياة كلها. من اتبعه كله فهو مؤمن وفي دين الله. ومن اتبع غيره ولو في حكم واحد فقد رفض الإيمان واعتدى على ألوهية الله، وخرج من دين الله. مهما أعلن أنه يحترم العقيدة وأنه مسلم. فاتباعه شريعة غير شريعة الله، يكذب زعمه ويدمغه بالخروج من دين الله" (في ظلال القرآن).
وقد صدق رحمه الله، وهو يقصد بالاتباع العدول عن حكم الله إلى حكم غيره كما قال ابن كثير، وهو تبديل الشريعة، أي رفض ما شرع الله وقبول شرع غيره. ولا يقصد الوقوع في معصيةٍ لشهوة.
ولقد رأيتُ ناسًا من المسلمين يعلّقون محتفين بتغيير زعيم مسلم لإحدى الدول في أفريقيا (بصرف النظر عن صحة الخبر) حكمَ السجن للسارق إلى عمل يقوم به لصالح الدولة حتى يسدّ المال الذي سرقه.. فهم مبتهجون بهذا الحكم الجديد، داعين له بالعون والتوفيق بالعبارات الإسلامية! وكأنّه لا يوجد عندنا قرآن نتحاكم إليه ويوضّح لنا بأنّ كلا الحكمين تبديلٌ للشريعة، لأنّ الله في عليائه قد حكم بقطع يد السارق، في آية يقرؤونها مع كل ختمة للقرآن الكريم!
وانظر كيف يتعامل الناس اليوم مع القوانين، إذ يغيب عن وعيهم وهم يناقشون القوانين التي تنظّم مسائل الدماء والأموال والأعراض أنّ الشريعة جاءت لتنظيم ذلك كله، وأنها معطّلة، وأنّهم مسلمون لا ينبغي أن يرضوا بهذا! ولكن "الحلال والحرام" في حسّهم منصرف لقضايا التعبّد وبعض المعاملات الفردية اليومية. ولهذا تحتاج الدعوة اليوم إلى بيان اتساع مساحة الحلال والحرام، وأن المجتمع حين يرضى بالتحاكم إلى غير شريعة الله في أوضاعه الجماعية، وحين يرضى بتجاهلها وتعطيلها، يكون قد وقع في منكر عظيم كالذي وقع فيه أهل الكتاب الذين حدثنا القرآن عنهم.
ويجدر بالدعاة المشغولين بتدريس التوحيد والعقائد، أو المشغولين بتحفيظ القرآن والسنّة، أو المشغولين بتعليم الفقه أن يلتفتوا إلى هذا الباب، ويعطوه من أولوياتهم في الدعوة والبيان ليقوموا بواجبهم تجاه دينهم وتجاه أمتهم. فالتقصير فيه يمس بأصل التوحيد، ويصادم نصوص القرآن والسنّة، ويُهدر المعمار الفقهي الذي يدرسونه في كتب الفقه الإسلامي كل يوم!
❤125👍42
هناك ثلاثة مستويات لتغيير أي نظام حاكم وتصوّره في الفكر السياسي الإسلامي الحديث:
- هناك مستوى تغيير الطقم القديم للحاكم وزبانيته مع اختلاف في التوجّه والتحالفات والسياسات ومساحات الحرية وما شابه مع محاربة الفساد وحماية الحقوق. لكن مع بقاء بنية النظام الإدارية وأجهزته، وبقاء الأفكار الحاكمة العليا: كالعلمانية والديمقراطية والوطنية القطرية والجمهورية وتحية العلَم والنشيد الوطني وغير ذلك من القيم والمفاهيم الغربية، مع عدم إلغاء القانون القديم بل العمل به وتغيير بعض بنوده تدريجيا.
هذا المستوى يحاول المواءمة بين القيم والمفاهيم الغربية وبين الإسلام، فتجد فيه مقولات مثل أنّ دولة المواطنة هي النموذج الأقرب لدولة النبوة، وأن الديمقراطية هي الشورى وما شابه. (يمثله مختلف حركات الإسلام السياسي ذات المزاج الإخواني، وأحزاب العدالة والتنمية، الغنوشي، حسن الترابي وآخرون)
- وهناك مستوى ثانٍ يتجاوز ذلك، وهو يشمل تغيير طقم النظام السابق مع تغيير الأساس الفكري والقيمي الذي تقوم عليه الدولة. فيرفض كل شيء يتعلق بالدولة السابقة من قانون ودستور، وينشد بناء جديدًا على نظام مفاهيم وقيم جديد مختلف جذريا عن النظام السابق الذي تداولته عدة أنظمة. فتكون الشريعة هي المرجع الأعلى، وتكون آلية إنتاج الفقه الإسلامي المتوارثة (أصول الفقه) هي المولدة للقانون، ويكون الولاء الإسلامي هو هوية الدولة، مع الطموح إلى وحدة الأمة في كيان سياسي جامع.
لكن ذلك كلّه دون تغيير البنى الإدارية وهياكل الدولة كالسلطات الثلاث وسَنّ الدولة للقوانين وتخصص إدارات الدولة وبعض أشكال البيروقراطية المرتبطة بتعقّد حياة المجتمعات البشرية في عصرنا. وهذا النموذج يستند إلى محكمات الشريعة، ويحاول إنتاج فقه جديد بخصوص الأوضاع المعاصرة، ويسترشد بالتاريخ وخصوصا السيرة والفترة الراشدة دون أن يتمسّك حرفيّا بالأشكال التاريخية المرتبطة بالعصر وأدواته. (يمثله عبد القادر عودة، سيد قطب، تقي الدين النبهاني المبكّر قبل حزب التحرير وآخرون من الأجيال اللاحقة).
- وهناك مستوى ثالث أكثر مصادمة لواقع الدولة الغربية الحديثة، وهو "يحلم" بتغيير بنية الدولة كليا وإعادة بناء نموذج جديد، إمّا نموذج دولتي صارم لكنْ على أسس مغايرة وببُنية إدارية مغايرة تماما للنماذج القائمة الآن، أو نموذج لادولتي يقدّم تصوّرات شديدة المثالية حول مجتمع إسلامي فاضل مستمدّة من تصوّره للتاريخ.
وهو يتفق مع المستوى الثاني إلى حدّ كبير على مستوى المفاهيم والقيم، ولكنه يختلف معه في زيادة جرعة الرفض لكل بنى الدولة الحديثة باعتبار أنها غربية ومرتبطة ارتباطًا لا ينفكّ عن القيم العلمانية، دون أن يلاحظ الإرث البشري المشترك في تطور الكثير من بنى الدولة وشكلها، وإمكان انفكاك الأدوات والوسائل وكثير من الآليات والبنى الإدارية عن الأصل الفلسفي والقيمي.
والذي يجمع بين أصحاب هذا المستوى على اختلاف توجهاتهم ومنطلقاتهم قراءة الإسلام تاريخيّا، واعتبار وجود صورة واحدة للمجتمع الإسلامي والحكم الإسلامي هي الصورة التي يتخيّلونها في مختلف مراحل التاريخ الإسلامي. وعادة ما يكون النموذج اللادولتي من هذا المستوى رافضا لفكرة الدولة ومؤسساتها المختلفة والقانون، ويقترح أنماطًا مستمدة من التاريخ تدير فيها المجتمعات نفسها بنفسها. مع تجاهل تام لفكرة أن التاريخ لا يعود. (ويمثّله حزب التحرير في النموذج الدولتي، وجميل أكبر والمتأثّرون بوائل حلاق وأمثاله من الأكاديميين في النموذج اللادولتي).
ومن المؤسف أن الأحداث الأليمة وخيبات الأمل التي رافقت الثورات العربية قد دفعت الكثير من الشباب المهتم بشؤون الأمة إلى القفز مباشرة من المستوى الأول إلى المستوى الثالث دون الاشتباك فكريا مع المستوى الثاني، وهو أمر يمكن فهمه في إطار حالة اليأس والخيبة من حركات الإسلام السياسي التي قدّمت تجارب حكم فاشلة، مع ما يوفّره المستوى الثالث من اشتباك فكري مثالي غير واقعي (خصوصا في نموذجه اللادولتي) يشبع الضمير ولا يمكن صبّه في إطار "حركة تغيير" في أي بلد مسلم، سواء لعدم قابليّته للحياة بطابعه التحليلي النقدي، أو لكون التاريخ لا يعود إلى الوراء كما ذكرنا، أو لعدم امتلاكه أي رؤى بخصوص كيفية إزاحة "كابوس الدولة" كما يبدو في حسّ معتنقي هذا النموذج.
وأبرز ما يميّز هذا المستوى الثالث هو ولعه بفكرة "عدم التأثّر بالغرب"، فهو يظنّ أن هذه الأطروحات التي يقدّمها بعيدة عن التأثّر بالغرب لكونه شديد النقد له، ولكنه في الواقع متأثر بنماذج غربية: "شمولية" في النموذج الدولتي، و"لاسلطوية" و"ليبرتارية" و"أناركية" و"بيئية" في النموذج اللادولتي، أي المعادي للدولة الحديثة كبُنية، وهي عداوة لا يشفع عنده فيها تغير محتواها الفكري والقيمي والتشريعي!
- هناك مستوى تغيير الطقم القديم للحاكم وزبانيته مع اختلاف في التوجّه والتحالفات والسياسات ومساحات الحرية وما شابه مع محاربة الفساد وحماية الحقوق. لكن مع بقاء بنية النظام الإدارية وأجهزته، وبقاء الأفكار الحاكمة العليا: كالعلمانية والديمقراطية والوطنية القطرية والجمهورية وتحية العلَم والنشيد الوطني وغير ذلك من القيم والمفاهيم الغربية، مع عدم إلغاء القانون القديم بل العمل به وتغيير بعض بنوده تدريجيا.
هذا المستوى يحاول المواءمة بين القيم والمفاهيم الغربية وبين الإسلام، فتجد فيه مقولات مثل أنّ دولة المواطنة هي النموذج الأقرب لدولة النبوة، وأن الديمقراطية هي الشورى وما شابه. (يمثله مختلف حركات الإسلام السياسي ذات المزاج الإخواني، وأحزاب العدالة والتنمية، الغنوشي، حسن الترابي وآخرون)
- وهناك مستوى ثانٍ يتجاوز ذلك، وهو يشمل تغيير طقم النظام السابق مع تغيير الأساس الفكري والقيمي الذي تقوم عليه الدولة. فيرفض كل شيء يتعلق بالدولة السابقة من قانون ودستور، وينشد بناء جديدًا على نظام مفاهيم وقيم جديد مختلف جذريا عن النظام السابق الذي تداولته عدة أنظمة. فتكون الشريعة هي المرجع الأعلى، وتكون آلية إنتاج الفقه الإسلامي المتوارثة (أصول الفقه) هي المولدة للقانون، ويكون الولاء الإسلامي هو هوية الدولة، مع الطموح إلى وحدة الأمة في كيان سياسي جامع.
لكن ذلك كلّه دون تغيير البنى الإدارية وهياكل الدولة كالسلطات الثلاث وسَنّ الدولة للقوانين وتخصص إدارات الدولة وبعض أشكال البيروقراطية المرتبطة بتعقّد حياة المجتمعات البشرية في عصرنا. وهذا النموذج يستند إلى محكمات الشريعة، ويحاول إنتاج فقه جديد بخصوص الأوضاع المعاصرة، ويسترشد بالتاريخ وخصوصا السيرة والفترة الراشدة دون أن يتمسّك حرفيّا بالأشكال التاريخية المرتبطة بالعصر وأدواته. (يمثله عبد القادر عودة، سيد قطب، تقي الدين النبهاني المبكّر قبل حزب التحرير وآخرون من الأجيال اللاحقة).
- وهناك مستوى ثالث أكثر مصادمة لواقع الدولة الغربية الحديثة، وهو "يحلم" بتغيير بنية الدولة كليا وإعادة بناء نموذج جديد، إمّا نموذج دولتي صارم لكنْ على أسس مغايرة وببُنية إدارية مغايرة تماما للنماذج القائمة الآن، أو نموذج لادولتي يقدّم تصوّرات شديدة المثالية حول مجتمع إسلامي فاضل مستمدّة من تصوّره للتاريخ.
وهو يتفق مع المستوى الثاني إلى حدّ كبير على مستوى المفاهيم والقيم، ولكنه يختلف معه في زيادة جرعة الرفض لكل بنى الدولة الحديثة باعتبار أنها غربية ومرتبطة ارتباطًا لا ينفكّ عن القيم العلمانية، دون أن يلاحظ الإرث البشري المشترك في تطور الكثير من بنى الدولة وشكلها، وإمكان انفكاك الأدوات والوسائل وكثير من الآليات والبنى الإدارية عن الأصل الفلسفي والقيمي.
والذي يجمع بين أصحاب هذا المستوى على اختلاف توجهاتهم ومنطلقاتهم قراءة الإسلام تاريخيّا، واعتبار وجود صورة واحدة للمجتمع الإسلامي والحكم الإسلامي هي الصورة التي يتخيّلونها في مختلف مراحل التاريخ الإسلامي. وعادة ما يكون النموذج اللادولتي من هذا المستوى رافضا لفكرة الدولة ومؤسساتها المختلفة والقانون، ويقترح أنماطًا مستمدة من التاريخ تدير فيها المجتمعات نفسها بنفسها. مع تجاهل تام لفكرة أن التاريخ لا يعود. (ويمثّله حزب التحرير في النموذج الدولتي، وجميل أكبر والمتأثّرون بوائل حلاق وأمثاله من الأكاديميين في النموذج اللادولتي).
ومن المؤسف أن الأحداث الأليمة وخيبات الأمل التي رافقت الثورات العربية قد دفعت الكثير من الشباب المهتم بشؤون الأمة إلى القفز مباشرة من المستوى الأول إلى المستوى الثالث دون الاشتباك فكريا مع المستوى الثاني، وهو أمر يمكن فهمه في إطار حالة اليأس والخيبة من حركات الإسلام السياسي التي قدّمت تجارب حكم فاشلة، مع ما يوفّره المستوى الثالث من اشتباك فكري مثالي غير واقعي (خصوصا في نموذجه اللادولتي) يشبع الضمير ولا يمكن صبّه في إطار "حركة تغيير" في أي بلد مسلم، سواء لعدم قابليّته للحياة بطابعه التحليلي النقدي، أو لكون التاريخ لا يعود إلى الوراء كما ذكرنا، أو لعدم امتلاكه أي رؤى بخصوص كيفية إزاحة "كابوس الدولة" كما يبدو في حسّ معتنقي هذا النموذج.
وأبرز ما يميّز هذا المستوى الثالث هو ولعه بفكرة "عدم التأثّر بالغرب"، فهو يظنّ أن هذه الأطروحات التي يقدّمها بعيدة عن التأثّر بالغرب لكونه شديد النقد له، ولكنه في الواقع متأثر بنماذج غربية: "شمولية" في النموذج الدولتي، و"لاسلطوية" و"ليبرتارية" و"أناركية" و"بيئية" في النموذج اللادولتي، أي المعادي للدولة الحديثة كبُنية، وهي عداوة لا يشفع عنده فيها تغير محتواها الفكري والقيمي والتشريعي!
❤39👍2
بينما لا يجد المستوى الثاني حرجًا في الاستفادة من تجارب البشرية على مستويات تنظيمية وإدارية وأدواتية لا تتعارض مع الشريعة (وليس مع التاريخ الإسلامي!). أما المستوى الأول، فهو أقرب إلى أن يكون محاولة لإضفاء الشرعية على نماذج دولة المواطنة العلمانية الديمقراطية المعاصرة بإسقاطات هشّة من الشريعة والتاريخ، دون سعي في تغييرها.
أعتقد أننا في حاجة ماسّة قبل أن نتحدث عن المنشود في أوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية العامّة أن ندرك أين نحن؟ وماذا نريد؟ وأن نحدّد موقفنا ومنطلقاته من هذه المستويات الثلاثة، وأن نقرأ مختلف الأطروحات المندرجة تحت كل مستوى. وهو حوار ضروري، مع النفس ومع الآخرين، في طريق إعادة بناء هذه الأمة المتصدّعة بالعلمانية والعصبيات القومية والوطنية والتبعيّة للخارج والضعف والتخلّف والتفسّخ الأخلاقي.
أعتقد أننا في حاجة ماسّة قبل أن نتحدث عن المنشود في أوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية العامّة أن ندرك أين نحن؟ وماذا نريد؟ وأن نحدّد موقفنا ومنطلقاته من هذه المستويات الثلاثة، وأن نقرأ مختلف الأطروحات المندرجة تحت كل مستوى. وهو حوار ضروري، مع النفس ومع الآخرين، في طريق إعادة بناء هذه الأمة المتصدّعة بالعلمانية والعصبيات القومية والوطنية والتبعيّة للخارج والضعف والتخلّف والتفسّخ الأخلاقي.
❤51👍9
طرمب يقول إنه سيحل السلام الأبدي في منطقة الشرق الأوسط..
منطقة ظلت مشتعلة بالحروب على مدى آلاف السنين، منذ بداية التاريخ البشري المعروف في المنطقة، ويأتي هذا الذي لم يبق شخص في العالم لم يستفزّه والذي غيّر اسم وزارة دفاعه إلى "وزارة الحرب" يريد إحلال السلام فيها!
منطقة ظلت مشتعلة بالحروب على مدى آلاف السنين، منذ بداية التاريخ البشري المعروف في المنطقة، ويأتي هذا الذي لم يبق شخص في العالم لم يستفزّه والذي غيّر اسم وزارة دفاعه إلى "وزارة الحرب" يريد إحلال السلام فيها!
👍85❤35😢6
من الأزمات العميقة لكثير من الدعاة وأصحاب الفكر الإسلامي أنّهم يرفعون "شعارات" لا يطبّقونها، إلّا ما رحم ربّك.
خذ مثلا كلامهم بأنّ علم "أصول الفقه" هو منهج التفكير والاستدلال الإسلامي الأصيل في التعامل مع النص والواقع، وإطنابهم الطويل في مدحه وبيان أفضليّته. ثم يأتي أكاديمي غير مسلم كوائل حلاق، يعتمد رؤية تاريخانية في فهم الشريعة والدولة والعلاقة بينهما، ويتبنّى أدوات فهم وتحليل مستعارة من فوكو وفيبر وشميت وغرامشي وغيرهم، فيتبنّى هؤلاء الإسلاميّون مقولاته ويفرحون بها، وهي تتعارض تعارضًا صريحًا مع طريقة تناول الواقع بأدوات أصول الفقه وطريقة التفكير التي تنشئها قواعده!
وخذ مثلا حديثهم عن محاسن الشريعة وتفوّقها على القانون الغربي والحلول التي تقدّمها لأزمات المجتمع والبشرية وكيف أن نجاتنا في إقامتها.. ثم حين تكون هناك مساحة وأفق للعمل السياسي والسلطوي، تجدهم – إلّا من رحم ربّك - أشدّ الناس تغييبا لقضية الشريعة وتجاهلا لها حتى على مستوى الرؤية والتنظير! وحين يتحدثون عن إصلاحات قانونية يفكرون – كغيرهم من المتعلمنين – بعقولهم وأهوائهم بخصوص "ما الذي ينبغي أن يكون"، ولا نجد للشريعة وحلولها الفقهية التي عالجت تلك القضايا أثرًا!
وخذ مثلا حديثهم الجميل عن القرآن وحجيّته، وكيف أنّه تضمّن أحسن الحجج بأبلغ العبارات وله رؤيته الخاصة للوجود وأنّه يبني الفكر ومنهج التفكير أحسن بناء.. إلى آخر هذا الكلام الجميل. ثم إذا جاء وقت التنفيذ تجدهم مُعرضين عن القرآن في مخاطبة غير المؤمنين أو المتشككين، مستلَبين في ذلك لفكرة الدَّور الاعتزالية التي أخذها عنهم المتكلّمون السنّة، فمنعوا أن يُستدلّ في بناء الإيمان بكتاب الله تعالى.. منعوا أن يخاطَب الناس جميعا بكتاب الرسالة الأول الذي خاطب الناس جميعا! ثم باتوا عالة في طرائق استدلالهم على المنطق الصوري اليوناني ومفاهيمه واصطلاحاته التي طوّرها علماء الكلام!
نحن في الواقع نعاني من أزمة كبيرة في تعاملنا مع الدين، إلا من رحم ربّك، فلا نطّرد مع مقولاتنا، ولا نأخذ هذا الدين بجدّية أو "بقوة" كما قال تعالى مخاطبًا نبيّه يحيى عليه السلام: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}.
فمتى نأخذ الكتاب بقوة؟
خذ مثلا كلامهم بأنّ علم "أصول الفقه" هو منهج التفكير والاستدلال الإسلامي الأصيل في التعامل مع النص والواقع، وإطنابهم الطويل في مدحه وبيان أفضليّته. ثم يأتي أكاديمي غير مسلم كوائل حلاق، يعتمد رؤية تاريخانية في فهم الشريعة والدولة والعلاقة بينهما، ويتبنّى أدوات فهم وتحليل مستعارة من فوكو وفيبر وشميت وغرامشي وغيرهم، فيتبنّى هؤلاء الإسلاميّون مقولاته ويفرحون بها، وهي تتعارض تعارضًا صريحًا مع طريقة تناول الواقع بأدوات أصول الفقه وطريقة التفكير التي تنشئها قواعده!
وخذ مثلا حديثهم عن محاسن الشريعة وتفوّقها على القانون الغربي والحلول التي تقدّمها لأزمات المجتمع والبشرية وكيف أن نجاتنا في إقامتها.. ثم حين تكون هناك مساحة وأفق للعمل السياسي والسلطوي، تجدهم – إلّا من رحم ربّك - أشدّ الناس تغييبا لقضية الشريعة وتجاهلا لها حتى على مستوى الرؤية والتنظير! وحين يتحدثون عن إصلاحات قانونية يفكرون – كغيرهم من المتعلمنين – بعقولهم وأهوائهم بخصوص "ما الذي ينبغي أن يكون"، ولا نجد للشريعة وحلولها الفقهية التي عالجت تلك القضايا أثرًا!
وخذ مثلا حديثهم الجميل عن القرآن وحجيّته، وكيف أنّه تضمّن أحسن الحجج بأبلغ العبارات وله رؤيته الخاصة للوجود وأنّه يبني الفكر ومنهج التفكير أحسن بناء.. إلى آخر هذا الكلام الجميل. ثم إذا جاء وقت التنفيذ تجدهم مُعرضين عن القرآن في مخاطبة غير المؤمنين أو المتشككين، مستلَبين في ذلك لفكرة الدَّور الاعتزالية التي أخذها عنهم المتكلّمون السنّة، فمنعوا أن يُستدلّ في بناء الإيمان بكتاب الله تعالى.. منعوا أن يخاطَب الناس جميعا بكتاب الرسالة الأول الذي خاطب الناس جميعا! ثم باتوا عالة في طرائق استدلالهم على المنطق الصوري اليوناني ومفاهيمه واصطلاحاته التي طوّرها علماء الكلام!
نحن في الواقع نعاني من أزمة كبيرة في تعاملنا مع الدين، إلا من رحم ربّك، فلا نطّرد مع مقولاتنا، ولا نأخذ هذا الدين بجدّية أو "بقوة" كما قال تعالى مخاطبًا نبيّه يحيى عليه السلام: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}.
فمتى نأخذ الكتاب بقوة؟
❤95👍19
الحضارات النبيلة لا تبنى على سردية مظلومية. كان بإمكان الصحابة ومن جاء بعدهم أن يجعلوا مظلومية الدعوة الأولى في مكة وشِعب بني هاشم مقولة مركزية في الهوية الحضارية الإسلامية، ولكنهم سرعان ما تجاوزوها رغم شدّتها وبقيت درسًا واحدًا من دروس السيرة؛ لأنّهم أدركوا أنّها لبِنة في البنية الابتلائية لهذا العالم، وأن مهمة الإنسان في الأرض هي عمارتها على مقتضى منهج الله، وأنّ تخليد الأحزان والآلام ليس من سمت الإسلام، وأنه قد يحدث للأمة الإسلامية من الابتلاءات ما هو أضخم حجمًا.
وقد قامت بعض الدول في بلاد المسلمين وفي غيرها على سردية مظلومية مركزية، فماذا وجدنا؟
وجدنا الوحشية في التعامل مع الآخرين، وروحًا انتقاميّة مشوّهة تستسهل سفك الدماء ومصادرة حرية الشعوب لمجرّد أنّ أبناء تلك "الطائفة" أو ذلك "الشعب" غُذّوا بأنّ كل شيء يهون في جنب ما حدث لآبائهم وأجدادهم!
وقد قامت بعض الدول في بلاد المسلمين وفي غيرها على سردية مظلومية مركزية، فماذا وجدنا؟
وجدنا الوحشية في التعامل مع الآخرين، وروحًا انتقاميّة مشوّهة تستسهل سفك الدماء ومصادرة حرية الشعوب لمجرّد أنّ أبناء تلك "الطائفة" أو ذلك "الشعب" غُذّوا بأنّ كل شيء يهون في جنب ما حدث لآبائهم وأجدادهم!
❤87👍34
يخاف المسلمون كثيرا حين يحاولون بناء بلدانهم، وحقّ لهم أن يحذروا في عالم ليسوا هم القوى العظمى فيه، وفيه من العدوان والمكائد ما يعلمه القاصي والداني. ولكنّهم يسلكون دائمًا الطريق الخطأ إلّا من رحم ربك..
يدفع الخوف بعض الزعماء إلى التقرّب من قوى الغرب والشرق، ليجد لنفسه "سندًا" من العلاقات الدبلوماسية والعسكرية يقيه الفشل والإسقاط. وينسى أن هذا الطريق مجرَّب من قبل، وأنّ هذه القوى تستفيد منه أكثر لأنها الطرف الأقوى في العلاقة، وأنّه حين يكون في حاجتها لا تسعفه بل ربما انقلبت عليه لتجد مصالحها مع القوة المحلية الصاعدة ضدّه!
نادرًا ما يتوجه هؤلاء الزعماء إلى الأمة وإحيائها بالدين والعمل بعد الاستعانة بالله وإفراده بالخشية والتوكل، وإذا توجّه بعضهم إلى الأمة فهو من جنس "الحملة الإيمانية" و"الرئيس المؤمن"؛ دغدغة لمشاعر المسلمين الدينية التي يعرفون أنها أقوى دوافعهم دون أخذ الكتاب بقوة وبناء المجتمع والدولة وفق معايير الشريعة وهداياتها، بناءً يصلُب به عود الدولة والأمة كما حدث في البناء النبوي الأول، الذي لا يمكن تفسير صبره وصموده وفتوحاته بغير هذا الإيمان الراسخ والاتباع الجادّ للشريعة.
المغالطة الشائعة التي نحتاج أن نمحوها من العقول والقلوب مفادها أن اتباع الشريعة الإلهية شيء يعرّضنا للخطر، مع أنّ السنن الإلهية تبيّن أنّ اتباع الشريعة الإلهية يزيل عنّا الخطر الأكبر في الحياة الحقيقية في الآخرة، ويمدّنا بالتوفيق والسداد من الله، فضلا عن آثاره الدنيوية من استخلاف وتمكين وتأمين ونصر وبركة بنصّ كتاب الله.
لكنّا – لو لاحظتم – نلجأ إلى الإيمان الغيبي بسنن الله في أوقاتنا العصيبة التي ننال فيها الأذى والقتل والحصار والهزائم، حينها نذمّ التفكير الواقعي المادّي في حساب الربح والخسارة، ونتحدث عن "النصر القادم" من الله.. ولا أدري من أين جئنا باليقين بأنّه سوف ينصرنا تحديدًا في معركتنا التي نخوضها، ونحن قد فرّطنا بالتحاكم إلى شريعته تعالى ولم نأخذ الكتاب بقوة وجعلنا أوطاننا وقومياتنا عناصر ولاء.. فمن أين يأتي النصر الإلهي؟!
أما حين يُفرّج الله عنّا برحمته، ونخرج من نفق الحرب والأذى والمذابح، فإننا ننسى ذلك الإيمان الغيبي بسنن الله، المرتبط كما قلنا بطبيعة علاقتنا بالله عزّ وجلّ وإقامة دينه، ويصبح معظم كلامنا عبارة عن تعلّق بالأسباب الدنيوية وتفسير كل شيء بها، والرد على من يتحدث بمعايير الإيمان والشريعة بحجج تستند إلى التفكير الواقعي المادي، والله المستعان!
وهذا إنّ دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّنا لم نأخذ أمر الإيمان الغيبي واليقين بسنن الله في أرضه بجدّية وثقة تامّة، لأننا إنما لجأنا إلى ذلك حين لم يكن لدينا خيار آخر، أمّا حين فتحت علينا خيارات الدنيا "المادية" نسيناه!
وقد قال لنا ربّنا في الكتاب: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيرها: "والحرمان كل الحرمان، أن يغفل العبد عن هذا الأمر، ويشابه قومًا نسوا الله وغفلوا عن ذكره والقيام بحقّه، وأقبلوا على حظوظ أنفسهم وشهواتها، فلم ينجحوا، ولم يحصلوا على طائل، بل أنساهم الله مصالح أنفسهم، وأغفلهم عن منافعها وفوائدها، فصار أمرهم فُرطا، فرجعوا بخسارة الدارَيْن، وغبنوا غبنا لا يمكنهم تداركه، ولا يجبر كسره؛ لأنهم هم الفاسقون، الذين خرجوا عن طاعة ربهم وأوضعوا في معاصيه".
يدفع الخوف بعض الزعماء إلى التقرّب من قوى الغرب والشرق، ليجد لنفسه "سندًا" من العلاقات الدبلوماسية والعسكرية يقيه الفشل والإسقاط. وينسى أن هذا الطريق مجرَّب من قبل، وأنّ هذه القوى تستفيد منه أكثر لأنها الطرف الأقوى في العلاقة، وأنّه حين يكون في حاجتها لا تسعفه بل ربما انقلبت عليه لتجد مصالحها مع القوة المحلية الصاعدة ضدّه!
نادرًا ما يتوجه هؤلاء الزعماء إلى الأمة وإحيائها بالدين والعمل بعد الاستعانة بالله وإفراده بالخشية والتوكل، وإذا توجّه بعضهم إلى الأمة فهو من جنس "الحملة الإيمانية" و"الرئيس المؤمن"؛ دغدغة لمشاعر المسلمين الدينية التي يعرفون أنها أقوى دوافعهم دون أخذ الكتاب بقوة وبناء المجتمع والدولة وفق معايير الشريعة وهداياتها، بناءً يصلُب به عود الدولة والأمة كما حدث في البناء النبوي الأول، الذي لا يمكن تفسير صبره وصموده وفتوحاته بغير هذا الإيمان الراسخ والاتباع الجادّ للشريعة.
المغالطة الشائعة التي نحتاج أن نمحوها من العقول والقلوب مفادها أن اتباع الشريعة الإلهية شيء يعرّضنا للخطر، مع أنّ السنن الإلهية تبيّن أنّ اتباع الشريعة الإلهية يزيل عنّا الخطر الأكبر في الحياة الحقيقية في الآخرة، ويمدّنا بالتوفيق والسداد من الله، فضلا عن آثاره الدنيوية من استخلاف وتمكين وتأمين ونصر وبركة بنصّ كتاب الله.
لكنّا – لو لاحظتم – نلجأ إلى الإيمان الغيبي بسنن الله في أوقاتنا العصيبة التي ننال فيها الأذى والقتل والحصار والهزائم، حينها نذمّ التفكير الواقعي المادّي في حساب الربح والخسارة، ونتحدث عن "النصر القادم" من الله.. ولا أدري من أين جئنا باليقين بأنّه سوف ينصرنا تحديدًا في معركتنا التي نخوضها، ونحن قد فرّطنا بالتحاكم إلى شريعته تعالى ولم نأخذ الكتاب بقوة وجعلنا أوطاننا وقومياتنا عناصر ولاء.. فمن أين يأتي النصر الإلهي؟!
أما حين يُفرّج الله عنّا برحمته، ونخرج من نفق الحرب والأذى والمذابح، فإننا ننسى ذلك الإيمان الغيبي بسنن الله، المرتبط كما قلنا بطبيعة علاقتنا بالله عزّ وجلّ وإقامة دينه، ويصبح معظم كلامنا عبارة عن تعلّق بالأسباب الدنيوية وتفسير كل شيء بها، والرد على من يتحدث بمعايير الإيمان والشريعة بحجج تستند إلى التفكير الواقعي المادي، والله المستعان!
وهذا إنّ دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّنا لم نأخذ أمر الإيمان الغيبي واليقين بسنن الله في أرضه بجدّية وثقة تامّة، لأننا إنما لجأنا إلى ذلك حين لم يكن لدينا خيار آخر، أمّا حين فتحت علينا خيارات الدنيا "المادية" نسيناه!
وقد قال لنا ربّنا في الكتاب: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيرها: "والحرمان كل الحرمان، أن يغفل العبد عن هذا الأمر، ويشابه قومًا نسوا الله وغفلوا عن ذكره والقيام بحقّه، وأقبلوا على حظوظ أنفسهم وشهواتها، فلم ينجحوا، ولم يحصلوا على طائل، بل أنساهم الله مصالح أنفسهم، وأغفلهم عن منافعها وفوائدها، فصار أمرهم فُرطا، فرجعوا بخسارة الدارَيْن، وغبنوا غبنا لا يمكنهم تداركه، ولا يجبر كسره؛ لأنهم هم الفاسقون، الذين خرجوا عن طاعة ربهم وأوضعوا في معاصيه".
❤83👍28😢4
من أزمات قطاع لا بأس به من المشهد الدعوي والفكري الإسلامي الحالي أنّه يميل إلى "التنبّؤ" المتنكّر بزيّ "التبشير"، بكلمات أخرى: يلتقط بعض المؤشّرات ليبني عليها حكاية ما سيجري قريبا، فيطلق إطلاقات متجاوزة لقدرات العقل البشري مثل "ورقة التوت الأخيرة" أو "المشهد الأخير" أو "النصر القريب في ظرف سنوات" وما شابه، دون أن يستند إلى معطيات واقعية، بل يتجاوز الإيمان بالغيب واليقين بالله ووعده سبحانه إلى إسقاط هذا اليقين والوعد على الواقع الراهن بتفاصيله.
الإشكالية الكبرى أنّ هذا الخطاب الدعوي والفكري لا ينظر نظرة موضوعية؛ أي أنه يلتقط المبشّرات (وهذا حسن) ولكنه لا يستعرض الأزمات والمعوّقات بجرأة ومصداقية. بكلمات أخرى: يشرئبّ مستعجلًا نحو سؤال: متى سننتصر وكيف ستسقط الحضارة الغربية؟ ولكنه لا يسأل السؤال الأهم وهو: كيف وصلنا إلى هذا القاع؟ ما المعوّقات التي تعيقنا عن النهوض على مستوى المفاهيم والسلوك؟
حتى في دراسته للسنن الإلهية يركّز على "المبشّرات"، أي السنن الجارية على "الآخر" الذي ينتهك حاليا حرمات المسلمين، ولكنه ينسى – إلّا ما رحم ربّك - السنن الجارية على هذه الأمة وخصوصًا حين تفرّط بقضيتها الأكبر وهي إقامة شريعة الله في الأرض وما يتفرّع عنها من أسس لا يتم أي نهوض ونصر لهذه الأمة بغيرها، ومن أبرزها اجتماعها على الإسلام هويّةً وولاءً ونبذها للأيديولوجيات القومية والوطنية التي تنخر فيها كالسرطان ويزيّنها كثير من الدعاة ويحاولون استدخالها ضمن الإسلام، أو يتجاهلون انتشارها وانتشار التحاكم إلى القوانين الوضعية التي حلّت مكان الشريعة في الشأن العام السياسي والمالي والاجتماعي والجنائي!
سنن الله في عباده كالسنن الكونية لا تتخلف ولا تحابي أحدًا، ويبدو أن علينا الارتطام بها كثيرا حتى نفيء إلى الحقيقة، وهي أنه لا يمكننا الطمع بنصر مع غياب أسس هذا النصر. والله عزّ وجلّ يرحم هذه الأمة ويفرّج عنها كرباتها، ولكنه لا يرضى منها إلا ما كتبه عليها في التنزيل الحكيم وعلى لسان خير المرسلين صلّى الله عليه وسلّم.
وكثيرا ما تفكّرت في حِلمه عزّ وجلّ، فمع هذا الشرود الكبير للأمة وتغييب قضيّتها الأولى وتخلف قطاعات واسعة منها عنها لم يخسف بها الأرض ولم يكتب عليها الفناء والتحلّل، بل ظلّ يبعث فيها كل قرن من يجدّد لها أمر دينها، رحمةً بها وبالبشرية أجمع!
الإشكالية الكبرى أنّ هذا الخطاب الدعوي والفكري لا ينظر نظرة موضوعية؛ أي أنه يلتقط المبشّرات (وهذا حسن) ولكنه لا يستعرض الأزمات والمعوّقات بجرأة ومصداقية. بكلمات أخرى: يشرئبّ مستعجلًا نحو سؤال: متى سننتصر وكيف ستسقط الحضارة الغربية؟ ولكنه لا يسأل السؤال الأهم وهو: كيف وصلنا إلى هذا القاع؟ ما المعوّقات التي تعيقنا عن النهوض على مستوى المفاهيم والسلوك؟
حتى في دراسته للسنن الإلهية يركّز على "المبشّرات"، أي السنن الجارية على "الآخر" الذي ينتهك حاليا حرمات المسلمين، ولكنه ينسى – إلّا ما رحم ربّك - السنن الجارية على هذه الأمة وخصوصًا حين تفرّط بقضيتها الأكبر وهي إقامة شريعة الله في الأرض وما يتفرّع عنها من أسس لا يتم أي نهوض ونصر لهذه الأمة بغيرها، ومن أبرزها اجتماعها على الإسلام هويّةً وولاءً ونبذها للأيديولوجيات القومية والوطنية التي تنخر فيها كالسرطان ويزيّنها كثير من الدعاة ويحاولون استدخالها ضمن الإسلام، أو يتجاهلون انتشارها وانتشار التحاكم إلى القوانين الوضعية التي حلّت مكان الشريعة في الشأن العام السياسي والمالي والاجتماعي والجنائي!
سنن الله في عباده كالسنن الكونية لا تتخلف ولا تحابي أحدًا، ويبدو أن علينا الارتطام بها كثيرا حتى نفيء إلى الحقيقة، وهي أنه لا يمكننا الطمع بنصر مع غياب أسس هذا النصر. والله عزّ وجلّ يرحم هذه الأمة ويفرّج عنها كرباتها، ولكنه لا يرضى منها إلا ما كتبه عليها في التنزيل الحكيم وعلى لسان خير المرسلين صلّى الله عليه وسلّم.
وكثيرا ما تفكّرت في حِلمه عزّ وجلّ، فمع هذا الشرود الكبير للأمة وتغييب قضيّتها الأولى وتخلف قطاعات واسعة منها عنها لم يخسف بها الأرض ولم يكتب عليها الفناء والتحلّل، بل ظلّ يبعث فيها كل قرن من يجدّد لها أمر دينها، رحمةً بها وبالبشرية أجمع!
❤73👍20😢7
السلفية التي يواجهها الغرب وأذياله من الأنظمة الناطقة بألسنتنا ليست سلفية ابن تيمية وابن باز وابن عثيمين والألباني، ولكنها أيضًا سلفية أبي حنيفة والشافعي وأبي حامد الغزالي ومصطفى صبري. إنها تعني اتخاذ الوحي معيارا في الشرائع والقيم والأخلاق والقوانين، والاستمداد من السلف وكتب التراث في الفقه الذي ينظّم تصرفات الأفراد وحركة المجتمع والدولة وعلاقتها بسائر الدول.
❤98👍26😢4
أي مشروع إصلاحي لا يستهدف إصلاح الدولة في عصرنا فهو محكوم عليه بالفشل. فلا إصلاح للمجتمع والأفراد بغير إصلاح الدولة. وما ينجزه المشروع الإصلاحي الدعوي في سنوات تشطبه الدولة في يوم، فتغلق المراكز وتصادر الأصول وتعتقل وتقتل وتشرّد.
الدولة في عصرنا - شئنا أم أبينا - أهم أدوات التمكين، ومهما بذلت المشاريع الإصلاحية في المجتمع والأفراد فلا يمكن للقطّارة أن تسابق خرطوم الإطفائية في ضخ الماء! مع أنّ القطرات المتراكمة على مر السنين هي وقود الدولة، ولكنها إذا مكثت طويلا بلا حماية تتمثل بالدولة القوية سوف تتعرض للضرب والاستئصال حين تكبُر!
الدولة في عصرنا - شئنا أم أبينا - أهم أدوات التمكين، ومهما بذلت المشاريع الإصلاحية في المجتمع والأفراد فلا يمكن للقطّارة أن تسابق خرطوم الإطفائية في ضخ الماء! مع أنّ القطرات المتراكمة على مر السنين هي وقود الدولة، ولكنها إذا مكثت طويلا بلا حماية تتمثل بالدولة القوية سوف تتعرض للضرب والاستئصال حين تكبُر!
👍77❤50😢7
كذبة "الشريعة اليوم معظمها مطبّقة" مقولة تضليلية ما كنت أحسب أن أحدًا غير العلمانيين سوف يردّدها.
فمع الصراع العلماني الإسلامي منذ عقود، ومئات الدراسات التي كتبت في تفنيد مقولات العلمانية؛ يبدو أن بعض مشاهير الدعاة والمتحدّثين في الشأن الإسلامي لم يطلعوا على شيء من ذلك، وتحوّلوا إلى ناطقيين رسميين بلِحى إسلامية يردّدون الشبهات العلمانية التي كنّا نفنّدها من قديم!
والسؤال ما الأمور غير المطبَّقة من الشريعة؟ ولماذا نصف هذه البلدان العربية – بما في ذلك سورية – بأنها دول علمانية؟
سأذكر الأصل المغيَّب، ثم سأذكر نماذج بارزة من الأحكام القطعية المغيّبة.
فأما الأصل المغيَّب فهو ردّ أمر القانون والتشريع إلى الشريعة، وذلك من خلال منظومة "أصول الفقه" التي تمثّل طريقة المسلمين في استخراج الفقه العملي (الذي سيعمل به الناس: حكامًا ومحكومين) وبنائه على أسس الشريعة، فإما أن يكون في الأمر نصّ من الكتاب أو السنّة أو الإجماع لا اجتهاد فيه، وإما أن يكون بناء على نصّ من خلال القياس، وإما أن يكون ضمن أصول الفقه الأخرى كالمصالح المرسلة وغيرها، وجميعها تقع ضمن منظومة أصول الفقه التي عرفها الفقهاء مع اختلافات يسيرة لكنها لا تخرج عنها.
أما الحاصل اليوم فهو منظومة أخرى تماما غير مبنية على الشريعة، ومن يمارسها في البرلمانات لا يُشترط أن يكونوا فقهاء مجتهدين، بل هي مبنية على "أكثرية الأهواء" كما أحب تسميتها، أي أن إلزامية التشريع تحدّدها أصوات الأغلبية.
والمواد التي تقول "إن الإسلام دين الدولة" أو "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع" أو "الفقه الإسلامي مصدر أساسي/رئيسي من مصادر التشريع" (موجودة في نظام الأسد والسيسي ومبارك إلخ!) فهي لذرّ الرماد في العيون، ولم تؤدّ إلى الانتقال إلى منظومة الفقه الإسلامي في بناء التشريعات، ولم تلغ ما يخالف الشريعة من قوانين نافذة تناقض أحكام الله منذ عقود طويلة، بل تفسيرُها القانوني كما يعرف خبراء القانون لا يعني أن الشريعة "مصدر إلزامي" بل "مصدر مادي" يغترف منه المشرّع الوضعي لبناء قانونه الوضعي، وقد يغترف من مصادر أخرى تخالف الشريعة، فلا توجد مادة تمنع مخالفة الشريعة، وإذا قضى قاضٍ – مثلا - بقطع يد سارق بلا ريبة ولا شبهة استجابةً لإلزامية الشريعة ليحقّق عبودية الله عزّ وجلّ (أي ليحقق لا إله إلا الله) فإنّ هذا القانون الوضعي الذي يوجد في دستوره "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي من مصادر التشريع" سوف يُبطل حُكمَه؛ لأنّه ببساطة يخالف نصّ المصدر الإلزامي وهو "القانون"! (وقد حدث شيء مثل هذا في مصر من قديم).
هذا من حيث الأصل: أن سيادة الشريعة غير متحققة في هذه الدول، بل سيادة أذهان الحكام المستبدين وأهوائهم أو السيادة الشكلية لأذهان ممثّلي الأمة وأهوائهم مع تفاوت بين بلد وآخر وظرف وآخر. لكن كل ذلك لا يخرج عن كونهم يشرّعون لأنفسهم بأذهانهم القاصرة دون الانقياد للشريعة والتأسيس على مرجعيتها بأدوات أصول الفقه. بل أخذوا منذ الاستعمار طرائق الغربيين في تشريع القانون، واتبعوها حذو القذّة بالقذّة، مع "رشّة" من الشكليات والشعارات الدينية ومراعاة بعض الأمور في الأحوال الشخصية كي لا يصادموا المجتمع وعلمائه.
أما تفضيل المضامين التي تُظهر تعطيل الشريعة في المجال العام فأذكر أربعة مجالات تندرج تحتها أحكام عديدة:
- تبديل الهوية والولاء: فالولاء متمحور حول "القُطر الوطن" لا حول الدين كما ينبغي، و"المواطن" هو الأساس في تحديد الحقوق أو نزعها، ولا علاقة للإسلام في شيء. وقد فصّلت في هذا الموضوع في مقالي "لماذا يجب أن نتخلّى عن هوياتنا الوطنية؟" فانظره.
فمع الصراع العلماني الإسلامي منذ عقود، ومئات الدراسات التي كتبت في تفنيد مقولات العلمانية؛ يبدو أن بعض مشاهير الدعاة والمتحدّثين في الشأن الإسلامي لم يطلعوا على شيء من ذلك، وتحوّلوا إلى ناطقيين رسميين بلِحى إسلامية يردّدون الشبهات العلمانية التي كنّا نفنّدها من قديم!
والسؤال ما الأمور غير المطبَّقة من الشريعة؟ ولماذا نصف هذه البلدان العربية – بما في ذلك سورية – بأنها دول علمانية؟
سأذكر الأصل المغيَّب، ثم سأذكر نماذج بارزة من الأحكام القطعية المغيّبة.
فأما الأصل المغيَّب فهو ردّ أمر القانون والتشريع إلى الشريعة، وذلك من خلال منظومة "أصول الفقه" التي تمثّل طريقة المسلمين في استخراج الفقه العملي (الذي سيعمل به الناس: حكامًا ومحكومين) وبنائه على أسس الشريعة، فإما أن يكون في الأمر نصّ من الكتاب أو السنّة أو الإجماع لا اجتهاد فيه، وإما أن يكون بناء على نصّ من خلال القياس، وإما أن يكون ضمن أصول الفقه الأخرى كالمصالح المرسلة وغيرها، وجميعها تقع ضمن منظومة أصول الفقه التي عرفها الفقهاء مع اختلافات يسيرة لكنها لا تخرج عنها.
أما الحاصل اليوم فهو منظومة أخرى تماما غير مبنية على الشريعة، ومن يمارسها في البرلمانات لا يُشترط أن يكونوا فقهاء مجتهدين، بل هي مبنية على "أكثرية الأهواء" كما أحب تسميتها، أي أن إلزامية التشريع تحدّدها أصوات الأغلبية.
والمواد التي تقول "إن الإسلام دين الدولة" أو "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع" أو "الفقه الإسلامي مصدر أساسي/رئيسي من مصادر التشريع" (موجودة في نظام الأسد والسيسي ومبارك إلخ!) فهي لذرّ الرماد في العيون، ولم تؤدّ إلى الانتقال إلى منظومة الفقه الإسلامي في بناء التشريعات، ولم تلغ ما يخالف الشريعة من قوانين نافذة تناقض أحكام الله منذ عقود طويلة، بل تفسيرُها القانوني كما يعرف خبراء القانون لا يعني أن الشريعة "مصدر إلزامي" بل "مصدر مادي" يغترف منه المشرّع الوضعي لبناء قانونه الوضعي، وقد يغترف من مصادر أخرى تخالف الشريعة، فلا توجد مادة تمنع مخالفة الشريعة، وإذا قضى قاضٍ – مثلا - بقطع يد سارق بلا ريبة ولا شبهة استجابةً لإلزامية الشريعة ليحقّق عبودية الله عزّ وجلّ (أي ليحقق لا إله إلا الله) فإنّ هذا القانون الوضعي الذي يوجد في دستوره "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي من مصادر التشريع" سوف يُبطل حُكمَه؛ لأنّه ببساطة يخالف نصّ المصدر الإلزامي وهو "القانون"! (وقد حدث شيء مثل هذا في مصر من قديم).
هذا من حيث الأصل: أن سيادة الشريعة غير متحققة في هذه الدول، بل سيادة أذهان الحكام المستبدين وأهوائهم أو السيادة الشكلية لأذهان ممثّلي الأمة وأهوائهم مع تفاوت بين بلد وآخر وظرف وآخر. لكن كل ذلك لا يخرج عن كونهم يشرّعون لأنفسهم بأذهانهم القاصرة دون الانقياد للشريعة والتأسيس على مرجعيتها بأدوات أصول الفقه. بل أخذوا منذ الاستعمار طرائق الغربيين في تشريع القانون، واتبعوها حذو القذّة بالقذّة، مع "رشّة" من الشكليات والشعارات الدينية ومراعاة بعض الأمور في الأحوال الشخصية كي لا يصادموا المجتمع وعلمائه.
أما تفضيل المضامين التي تُظهر تعطيل الشريعة في المجال العام فأذكر أربعة مجالات تندرج تحتها أحكام عديدة:
- تبديل الهوية والولاء: فالولاء متمحور حول "القُطر الوطن" لا حول الدين كما ينبغي، و"المواطن" هو الأساس في تحديد الحقوق أو نزعها، ولا علاقة للإسلام في شيء. وقد فصّلت في هذا الموضوع في مقالي "لماذا يجب أن نتخلّى عن هوياتنا الوطنية؟" فانظره.
❤25👍17
- أحكام الأموال غير منضبطة بالشريعة، فالبنوك الربوية شرعية وشائعة وتدير أموال الناس دون نكير أو منع من الدولة، بل الربا – وهو من أشد المحرّمات في الإسلام - مباح بنصّ القانون، ومقيّد بنسبة معيّنة فقط. وهذا وحده كافٍ ليكون "تبديلا للشريعة" وهو من الكفر (هذا حكم على الفعل لا على أشخاص بعينهم أو حكومة بعينها فالقانون قديم وموقف الإنسان منه هو الذي يحدد إسلامه من كفره). ووصفه بالكفر ضروري، يقول الشيخ مصطفى صبري في كتابه "موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين": "ومن البلية أن الحركات التي تثار في الأزمة الأخيرة وترمي إلى محاربة الإسلام في بلاده بأيدي أهله والتي لا شكّ أنه الكفر وأخبث أفانين الكفر، يباح فعلها لفاعليها ولا يباح تسميتها باسمها لمن عارض تلك الحركات وحارب المحاربين. ولله در المعرّي حيث يقول: وتَعارَف القوم الذين عرفتهم .. بالمنكرات فعُطّل الإنكارُ. ولو قال "فأُنكر الإنكار" لكان أوفق بزماننا" (ص 4/282). وتحدث بعد ذلك عن تبديل الشريعة في مصر بكلام نفيس، هذا في الهامش. أما في المتن فقد حكم الشيخ مصطفى صبري على الحكومة التي بدّلت أحكام الشريعة وعلى من يطيعها في ذلك بالردّة. وما أقوله هنا ببساطة هو وصف فِعل التبديل لحكم الله في الربا من التحريم إلى الإباحة، فهذا كفر عند جميع أهل الإسلام، ويجب على المسلمين أن يعرفوا بأنّه كفر.
- الكثير من أحكام العقوبات التي تسمّى في الشريعة "الحدود" معطّلة ومبدّلة بأحكام أخرى. ومن الخطأ التقليل من أهمية الحدود فهي منصوص عليها في كتاب الله، وهي أحد ركائز حفظ الدماء والأموال والأعراض بناء على الشريعة، بل ربَطها سبحانه بالإيمان في قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} إذ نزلت في قصة رجم اليهودي الزاني، فالاعتياد على التقليل من أهميتها عند بعض المعاصرين دليلٌ على عدم فقه خطورتها، ومنظومة الغرامات والسجون العلمانية التي حلّت مكان قتل القاتل العمد والقصاص في الجروح وقطع يد السارق وقطع أطراف المحارب وجلد الزاني البكر ورجم الزاني الثيّب وجلد القاذف؛ فشلتْ فشلا ذريعًا في حفظ الدماء والأموال والأعراض، بل أنشأت منظومة لتوليد الجريمة المنظّمة عند اجتماع المجرمين في السجون وتبادلهم العلاقات والخبرات، ومع ذلك لا نعتبر ولا نفيء إلى أمر الله!
- رسالة الدولة في الإسلام هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو من أسس إقامة الشريعة، وهذا معطّل لأن دولة المواطنة العلمانية لا يجوز أن تكون متبنّية لدين معيّن تدعو إليه وتطبقه في مختلف المجالات، ومن هنا نشأت "وزارة الأوقاف" ذات الطابع المادي العلماني، لأنها تحصر الدين في مجال محدّد، لتدير بعض الشؤون الخاصة بالمسلمين وأوقافهم: كالمساجد والمراكز الدينية والأنشطة الدعوية وما شابه، لكنها لا تضبط أمر الأموال مثلا كما قال قوم شعيب عليه السلام حين أدركوا مرامي الإسلام: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}، فلن تُصدر وزارة الأوقاف مرسوما بحظر الربا في البنوك لأنّه محرّم، فهذا ليس من اختصاصها. بل تخصيص وزارة بهذا الشكل هو أحد مظاهر علمنة الدولة والمجتمع، إذ الدين هنا "جانب" من الحياة وليس "منهجًا" للحياة.
وهذه "الكوارث" في هذه المجالات الأربعة كافية وحدها لندرك أن الشريعة معطّلة عن الأمر العام سوى القليل من الجوانب المتعلقة بالزواج والطلاق والمواريث وبعض الآداب العامة، وهي تشبه في هذا ما تفعله الدول العلمانية في الشرق والغرب.
أما الحديث عن أمور تمارسها الدولة ونسبتها إلى الشريعة كحماية الناس وإفساح حرية الدعوة لهم والسعي في "راحتهم" فليست خاصة بالشريعة كي يقال إنها من "تطبيق الشريعة"، وسيجدها المسلم – مع الأسف – بمستويات أعلى في بلدان غربية كبريطانيا على سبيل المثال دون أن تسمى دولة إسلامية مطبّقة للشريعة! بل التضييق في المدارس الدينية الخاصة يجده المرء في بلد مسلم أكثر مما يجده في بلد غربي والله المستعان، لأنّ بلداننا حين تبنّت العلمانية تبنّت النماذج الشمولية منها، فهي الأكثر ملاءمة لمزاج السلطويين الذين يتهافتون لحكمنا!
والخلاصة أنه من حيث الأصل يجب الإقرار بعلمانية دولنا العربية المعاصرة، سواء عذرنا العاملين في المجال السياسي أو الممسكين بزمام السلطة حديثًا بأعذار العجز والضغوط الدولية وظروف المجتمع إلخ أو لم نعذرهم.. فأمر طلب الشريعة والسعي في إقامتها شيء تُظهر صِدقَه السنين.
لكن القضية هنا عموما ليست في الحكم على القائمين على السياسة أو المنخرطين فيها، فهذا مبحث آخر، بل القضية في توصيف أوضاع الدولة والحكم بكل صدق وأمانة: أنها لا تقيم للشريعة وزنا إلا في أقل القليل في الأحوال الشخصية وبعض الأخلاقيات والحريات الدينية، أما أساس الشريعة والتشريع والولاء فعلماني معزول عن الشريعة.
- الكثير من أحكام العقوبات التي تسمّى في الشريعة "الحدود" معطّلة ومبدّلة بأحكام أخرى. ومن الخطأ التقليل من أهمية الحدود فهي منصوص عليها في كتاب الله، وهي أحد ركائز حفظ الدماء والأموال والأعراض بناء على الشريعة، بل ربَطها سبحانه بالإيمان في قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} إذ نزلت في قصة رجم اليهودي الزاني، فالاعتياد على التقليل من أهميتها عند بعض المعاصرين دليلٌ على عدم فقه خطورتها، ومنظومة الغرامات والسجون العلمانية التي حلّت مكان قتل القاتل العمد والقصاص في الجروح وقطع يد السارق وقطع أطراف المحارب وجلد الزاني البكر ورجم الزاني الثيّب وجلد القاذف؛ فشلتْ فشلا ذريعًا في حفظ الدماء والأموال والأعراض، بل أنشأت منظومة لتوليد الجريمة المنظّمة عند اجتماع المجرمين في السجون وتبادلهم العلاقات والخبرات، ومع ذلك لا نعتبر ولا نفيء إلى أمر الله!
- رسالة الدولة في الإسلام هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو من أسس إقامة الشريعة، وهذا معطّل لأن دولة المواطنة العلمانية لا يجوز أن تكون متبنّية لدين معيّن تدعو إليه وتطبقه في مختلف المجالات، ومن هنا نشأت "وزارة الأوقاف" ذات الطابع المادي العلماني، لأنها تحصر الدين في مجال محدّد، لتدير بعض الشؤون الخاصة بالمسلمين وأوقافهم: كالمساجد والمراكز الدينية والأنشطة الدعوية وما شابه، لكنها لا تضبط أمر الأموال مثلا كما قال قوم شعيب عليه السلام حين أدركوا مرامي الإسلام: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}، فلن تُصدر وزارة الأوقاف مرسوما بحظر الربا في البنوك لأنّه محرّم، فهذا ليس من اختصاصها. بل تخصيص وزارة بهذا الشكل هو أحد مظاهر علمنة الدولة والمجتمع، إذ الدين هنا "جانب" من الحياة وليس "منهجًا" للحياة.
وهذه "الكوارث" في هذه المجالات الأربعة كافية وحدها لندرك أن الشريعة معطّلة عن الأمر العام سوى القليل من الجوانب المتعلقة بالزواج والطلاق والمواريث وبعض الآداب العامة، وهي تشبه في هذا ما تفعله الدول العلمانية في الشرق والغرب.
أما الحديث عن أمور تمارسها الدولة ونسبتها إلى الشريعة كحماية الناس وإفساح حرية الدعوة لهم والسعي في "راحتهم" فليست خاصة بالشريعة كي يقال إنها من "تطبيق الشريعة"، وسيجدها المسلم – مع الأسف – بمستويات أعلى في بلدان غربية كبريطانيا على سبيل المثال دون أن تسمى دولة إسلامية مطبّقة للشريعة! بل التضييق في المدارس الدينية الخاصة يجده المرء في بلد مسلم أكثر مما يجده في بلد غربي والله المستعان، لأنّ بلداننا حين تبنّت العلمانية تبنّت النماذج الشمولية منها، فهي الأكثر ملاءمة لمزاج السلطويين الذين يتهافتون لحكمنا!
والخلاصة أنه من حيث الأصل يجب الإقرار بعلمانية دولنا العربية المعاصرة، سواء عذرنا العاملين في المجال السياسي أو الممسكين بزمام السلطة حديثًا بأعذار العجز والضغوط الدولية وظروف المجتمع إلخ أو لم نعذرهم.. فأمر طلب الشريعة والسعي في إقامتها شيء تُظهر صِدقَه السنين.
لكن القضية هنا عموما ليست في الحكم على القائمين على السياسة أو المنخرطين فيها، فهذا مبحث آخر، بل القضية في توصيف أوضاع الدولة والحكم بكل صدق وأمانة: أنها لا تقيم للشريعة وزنا إلا في أقل القليل في الأحوال الشخصية وبعض الأخلاقيات والحريات الدينية، أما أساس الشريعة والتشريع والولاء فعلماني معزول عن الشريعة.
❤19👍18
للمزيد فهذا رابط رسالة نشرتُها قبل نحو أسبوعين في المشاركة في المجالس التشريعية: https://www.group-telegram.com/sharefmg.com/1305
Telegram
شريف محمد جابر
الحمد لله، هذه رسالة علمية كتبتها في مخاطبة المشاركين في المجلس التشريعي في سورية خصوصا وفي سائر العالم الإسلامي عموما، بل هي تخاطب كل مسلم، وهي من باب إبراء الذمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فيها أهم ما ينبغي أن يلتفت إليه هؤلاء المشاركون في المجالس…
❤13👍4
ينبغي لنا أن نكفّ عن أن نكون فلسطينيين أو سوريين أو مصريين أو عراقيين إلخ. هذا أول الطريق، أن نعرف من نحن وماذا نريد؟ فإذا لم نعرف بقينا هكذا زرّاعين أشقياء لسيّد غربي أو سيّد شرقيّ!
❤102👍43
هذا مقال جديد مطوّل ربما يكون مضمونه صادمًا لكثيرين ممن اعتادوا أن يقولوا إنّ سيد قطب سبق وائل حلاق في فكرة استحالة إقامة الشريعة ضمن نظام الدولة الحديثة.
وقد شاع في السنوات الأخيرة نسبة هذا التوجه لسيد قطب رحمه الله، باعتباره يرى الحضارة الغربية "جاهلية" لا يمكن للشريعة أن تعيش معها..
لكن الواقع أنّ أطروحة سيد قطب بخصوص الدولة والحداثة تختلف بشكل جذري عن أطروحة حلاق، فهو رغم إدراكه للمفاهيم والقيم والتشريعات الجاهلية التي قامت عليها يرى الاستفادة من التجربة الغربية في النظام السياسي والاقتصادي، بل يرى إمكان التعديل على الأنظمة السياسية والاقتصادية الغربية لإقامة النظام الإسلامي.
وقد وهم من ظنّه يحمل أطروحة حلاق البنيوية التي تنتمي إلى خطاب فلسفي غربي مختلف في أسسه ومنطلقاته عن خطاب سيد قطب.. والتفاصيل في المقال..
أرجو لكم قراءة نافعة.. رابط المقال: https://bit.ly/48G8AxU
وقد شاع في السنوات الأخيرة نسبة هذا التوجه لسيد قطب رحمه الله، باعتباره يرى الحضارة الغربية "جاهلية" لا يمكن للشريعة أن تعيش معها..
لكن الواقع أنّ أطروحة سيد قطب بخصوص الدولة والحداثة تختلف بشكل جذري عن أطروحة حلاق، فهو رغم إدراكه للمفاهيم والقيم والتشريعات الجاهلية التي قامت عليها يرى الاستفادة من التجربة الغربية في النظام السياسي والاقتصادي، بل يرى إمكان التعديل على الأنظمة السياسية والاقتصادية الغربية لإقامة النظام الإسلامي.
وقد وهم من ظنّه يحمل أطروحة حلاق البنيوية التي تنتمي إلى خطاب فلسفي غربي مختلف في أسسه ومنطلقاته عن خطاب سيد قطب.. والتفاصيل في المقال..
أرجو لكم قراءة نافعة.. رابط المقال: https://bit.ly/48G8AxU
❤6👍6